شهاب المكاحله – نيويورك •
لم يعد موضوع الأمن في منطقة الشرق الأوسط مشكلة محلية بل بات مشكلة عالمية نظراً للتشابك في العلاقات الدولية التي أصبحت تهدد بتحويل الشرق الأوسط إلى يوغسلافيا جديدة موسعة نتيجة عدم الاستقرار الناتجة عن المواجهة بين القوى العظمى التي تسعى إلى تجنب المواجهة المباشرة عبر حروب بالإنابة ما دفع تلك الدول الكبرى إلى تحريك من يمثلون مصالحها في المنطقة.
فمنذ ما عرف بـ”الربيع العربي” تحولت جميع الصراعات في الشرق الأوسط إلى ساحة صراع دولية وإقليمية مع تراجع ملحوظ للنفوذ الأميركي في الأعوام الأخيرة من حكم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في ظل سعى حثيث حالياً إلى إعادة ذلك النفوذ عبر بوابات عديدة منها توريد السلاح وعقد الصفقات التجارية وغيرها. كما أن الصراع السوري أظهر أن لاعبين عالميين ودوليين منهم روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وتركيا وإيران يريدون الحفاظ على قدرتهم على التأثير في أحداث المنطقة في ظل غياب دور عربي فاعل قادر على التغيير وإحداث التوازن المطلوب. وهنا جاءت المملكة العربية السعودية إلى الواجهة في محاولة لخلق حالة من التوازن عبر تحالفات إقليمية، لكن تعارض مصالح عدد من دول الشرق الأوسط وتوتر العلاقات فيما بينها نظرا لتعارض مصالح اللاعبين الدوليين والعالميين الآخرين فإن مدى تأثير تلك التحالفات الاقليمية للاعبين الاقليميين سيبقى ضعيفا ومحدودا لضبابية الهدف والرؤية.
ويبدو أن الدافع الرئيسي لقيام التعاون بين تلك الدول هو المصالح الجوهرية المشتركة ووجود عدو مشترك. وهذا مرده إلى تغير ميزان القوى بين القوى الإقليمية والعالمية. فاللاعبون الإقليميون يعتمدون كل الاعتماد على الشركاء العالميين، خصوصا في مجال العلاقات الشخصية لعقد شراكات استراتيجية مثلما تفعل بعض دول المنطقة مع الولايات المتحدة والبعض الآخر مع روسيا وفرنسا والمملكة المتحدة لتشكيل مجموعات ضغط او ما يعرف هنا بـ “Lobbies”.
ففي السنوات الأخيرة لم تعد الحروب في منطقة الشرق الأوسط بين جيوش نظامية بل بينها وبين مسلحين فيما يعرف بحروب الشوارع وهي أصعب أنواع الحروب لأنها تتيج للوكلاء أو الشركاء التدخل في العديد من الصراعات بين المتحاربين بما في ذلك الجماعات الإرهابية، ما يؤدي إلى تعقيد الأمور وإطالة أمد الصراع نظرا لتشابك مصالح القوى العظمى. فكل صراع جديد في أي دولة في الشرق الأوسط يعني تهديداً أمنياً لدول الجوار، وخير مثال على ذلك هو ما يجري في كل من سورية واليمن وليبيا ما يؤدي إلى عدم استقرار الشرق الأوسط بأكمله. ولعل الصراع الأساسي الذي يعد المحرك الرئيس لباقي الصراعات هو النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي الذي يعد حجر عثرة في طريق إنشاء نظام أمني إقليمي. كما أن هذا الصراع بات ملهماً للقوى السياسية المتطرفة في المنطقة.
فوسط تزاحم الأحداث وتسارعها في الشرق الأوسط في ظل ما يوصف بأنه رسم سوريالي، بتنا نرى بأم العين أن المنطقة مخطط لها التدمير الممنهج ومستقبل مظلم بتغيير المعطيات على الأرض وإدخال قوى محلية واقليمية لقلب المعادلات وإدخال شعوب الشرق الأوسط دوامة المجهول في سيناريو صعب فك شيفرته في المستقبل المنظور نظراً لأن المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى مرتبطة بحصولها على مصالح سريعة من دول الشرق الأوسط ومنها حروب مناطقية كما قد يشهدها الشمال الأفريقي ومذهبية كما قد تشهدها منطقة الشرق العربي والتي لن تؤدي إلا إلى تقسيم المنطقة او ما كان يعرف بـ “الوطن العربي” الى دول جديدة لضمان استمرارية هيمنة تلك الدول الكبرى على المنطقة وشعوبها. فمع تأجيج النزاعات المسلحة في المنطقة تزداد صفقات السلاح من قبل الموردين الرئيسيين إلى دولها وبذلك تتوسع رقعة القتال الجغرافي.
كما أن ما نشرته مجلة “فورين بوليسي” بعنوان: “عودة المنافسة الأميركية – الروسية في الشرق الأوسط من بوابة سورية” يثبت أن “السنوات القليلة الماضية اتسمت بازدياد المنافسة الأميركية – الروسية في جميع أنحاء العالم. في كل نقاش يدور تقريبا هذه الأيام مع المسؤولين الحكوميين في الشرق الأوسط وخبراء السياسة فإن مسألة الصراع الروسي الأميركي باتت واحدة من الموضوعات ذات الأولوية التي تثار. وهذا التركيز على العكس تماما مما كان عليه منذ سنتين عندما كان دور روسيا بالمنطقة ثانويا مقارنة بالانخراط الأميركي في الشرق الأوسط”.
وأضافت المجلة أن روسيا تعتبر الشرق الأوسط بمثابة منطقة محاذية لحدودها، ويقع في المراحل الأولى من تنفيذ استراتيجية طويلة الأجل، وذلك في محاولة للعودة بنفسها إلى المكانة القوية والتأثير الذي كانت تملكه بالمنطقة أثناء الحرب الباردة. وتعمل روسيا على تقويض علاقات الولايات المتحدة المتواجدة منذ أمد بعيد في منطقة الشرق الأوسط وإعادة هيكلة النظام الإقليمي وفقاً لما يروق لها أكثر.
وقد طالبت الـ”فورين بوليسي” الإدارة الأميركية بالبحث عن فرص للتعاون مع الحكومة الروسية في النقاط التي تتفق فيها مصالح الطرفين. وبالطبع يعد أفضل مثال على التعاون الروسي الأميركي في المنطقة هو المفاوضات بشأن الخطة الواسعة المشتركة للعمل، حيث قامت الولايات المتحدة وروسيا بالتعاون بشأن قضية ذات اهتمام مشترك وذلك بهدف زيادة السلامة والأمن بالمنطقة. وليس سراً أن الشرق الأوسط يمكن أن يكون بمثابة المجرى الاستراتيجي لتقاسم العبء مع قوى خارجية أخرى مثل روسيا والصين وغيرها من الدول العظمى، ما يخفف سياسيا وماليا وعسكريا من الضغط على الولايات المتحدة.
في النهاية، لن يكون الشرق الأوسط هو الساحة الرئيسية التي تقوم عليها المنافسة الروسية الأميركية. ولكن المعطيات الدولية وموازين القوى والوضع في الاتحاد الأوروبي وتحالفات روسيا مع عدد من الدول في آسيا وأميركا الجنوبية وإفريقيا قد يجعل من الأحداث العالمية تسير بشكل متسارع وغير متوقع وعلى العكس مما ترسمه بيوت الخبرة ومراكز البحوث الغربية نظرا لأن الصين تسعى اقتصاديا للإمساك بزمام الأمور عالميا والتحكم ماليا بجميع الاقتصادات من خلال دعم عسكري روسي لها، تماماً كما تسعى الولايات المتحدة لتحقيق ذلك مع عدد من دول المنطقة في الشرق الأوسط وفي منطقة المحيط ا لهادئ.
لواي بيشارا / AFP / Getty Images