خيمت عقوبات ترامب على قمة شنغهاي للتعاون، التي عُقدت في تيانجين بشمال الصين في الأول من أيلول – سبتمبر 2025، لمناقشة رؤية مشتركة لبناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. وشدّد الرئيس الصيني شي جينبينغ على استحضار دروس الحرب العالمية الثانية، خصوصًا عندما شعر هتلر بنشوة الانتصارات، فانزلق إلى ارتكاب أخطاء قاتلة قادته إلى مواقف لم يكن له أن يصل إليها. على رأس هذه الأخطاء ارتكابه الخطيئة الكبرى حين هاجم الاتحاد السوفييتي، رغم أن بسمارك نصح القادة الألمان بعدم قتال روسيا. لكن هتلر اعتقد أن قتال روسيا سيفرح الغرب.
أما الخطأ الثاني فكان بعد استعادته منطقة الروهر، القلب الصناعي لألمانيا، التي استولت عليها فرنسا في الحرب العالمية الأولى. ولم يكتفِ بذلك، بل بدأ يهاجم الأراضي البريطانية، مما وسّع دائرة أعدائه، خصوصًا بعد استعانة بريطانيا بالولايات المتحدة ودخولها الحرب. وفي النهاية هُزم هتلر بفعل المناخ القاسي في روسيا، وبالقوة العسكرية الأميركية. وما تمارسه اليوم إسرائيل في المنطقة العربية، مقتدية بهتلر، يجعلها تنزلق نحو ارتكاب أخطاء لا حصر لها.
عارض شي أيضًا عقلية الحرب الباردة، وأكد أن العالم في حاجة إلى إيجاد تعددية أقطاب متكافئة ومنظمة، وإلى العولمة الاقتصادية الشاملة، وتعزيز بناء نظام حوكمة عالمي أكثر عدلًا وإنصافًا. وأوضح أن التعددية تعني أيضًا استخدام العملات الوطنية في التسويات المتبادلة.
وفي الشرق الأوسط برزت السعودية كقوة صاعدة بالتعاون مع شقيقاتها في دول الخليج، والتي تربطها علاقات مع الشرق والغرب. ولم يعد الشرق موضوعًا للسياسة الغربية فقط كما كان بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بل تبنت السعودية موقعًا مستقلًا في التوازنات الدولية، وانتقلت من الدفاع عن نفسها إلى صياغة مبادرات يلتقي فيها الشرق بالغرب، مثل التقاء “الحزام والطريق” الصيني بـ”الممر الهندي الأخضر” إلى أوروبا الغربية.
◄ التعددية الحقيقية، كما طُرحت في القمة، ترسي الأساس السياسي والاجتماعي والاقتصادي لبناء نظام جديد للاستقرار والأمن، يراعي مصالح مجموعة واسعة من الدول بشكل متوازن، على عكس النماذج الغربية
وأصبحت السعودية لأول مرة تتجه نحو هندسة أطر الشرق الأوسط الإستراتيجية، وصياغة مفاهيم جديدة للسياسة والتنمية، حتى غدا الشرق الأوسط مجالًا لإعادة توزيع القوة على المستوى الجيوسياسي. ولن يستمر الشرق الأوسط ساحة للصراع، بل سيصبح ساحة تعيد صياغة العالم، بدعم التعددية الواقعية التي أقرتها منظمة شنغهاي للتعاون. ومنطقة الشرق الأوسط، بقيادة سعودية، هي من أعلنت تحول العالم من مركزية الغرب إلى تعددية المراكز.
أما العقوبات الجمركية الأميركية، التي تصل إلى 50 في المئة على الهند بسبب شرائها النفط الروسي الرخيص، فقد دفعت رئيس الوزراء الهندي مودي إلى الانحياز نحو قمة شنغهاي للتعاون، بعدما اعتبر هذه العقوبات عدائية. وبدا ذلك تحولًا سلبيًا في نظرة نيودلهي إلى واشنطن.
وقد ظهر مودي وهو يشبك يده بيد الرئيس الروسي بوتين لدى توجههما نحو الرئيس الصيني الذي افتتح القمة، في أول زيارة للرئيس الهندي إلى الصين منذ عام 2018. وشوهد شي وبوتين ومودي في بث مباشر يتحادثون برفقة مترجميهم. وأكد مودي لشي أن الهند ملتزمة بالمضي قدمًا في علاقتها مع المنظمة على أساس الثقة المتبادلة والكرامة، بعد علاقات متوترة بين الهند والصين، شهدت اشتباكات دامية على الحدود عام 2020.
التعددية الحقيقية، كما طُرحت في القمة، ترسي الأساس السياسي والاجتماعي والاقتصادي لبناء نظام جديد للاستقرار والأمن، يراعي مصالح مجموعة واسعة من الدول بشكل متوازن، على عكس النماذج الغربية، ولن يسمح لدولة واحدة بضمان أمنها على حساب الآخرين.
عُقدت القمة قبل أيام من عرض عسكري ضخم في العاصمة بكين، بمناسبة مرور 80 عامًا على نهاية الحرب العالمية الثانية. وتضم منظمة شنغهاي للتعاون 10 دول أعضاء: الصين، وروسيا، والهند، وباكستان، وإيران، وكازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وبيلاروسيا، إضافة إلى 16 دولة بصفة مراقب وشريك. وتمثل هذه الدول نصف سكان العالم، و23.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتقدم المنظمة نفسها كقوة موازية لحلف شمال الأطلسي، وقادرة على المساهمة في تيسير التجارة والاستثمار، وتعزيز التعاون في مجالات تشمل الطاقة والبنية التحتية والعلوم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي