تشهد ليبيا تحشيدا عسكريا بين طرابلس ومصراتة، وتحركات ميدانية في أحياء وميادين العاصمة وسط تحذيرات من إطلاق الشرارة الأولى لمعركة قد يتسع مداها، وحديث عن وساطات داخلية وخارجية للتهدئة فيما يبدي رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة إصرارا على القضاء على القوى المسلحة غير الموالية لسلطته وفي مقدمتها جهاز قوة الردع .
وعقد رئيس الأركان العامة لقوات المنطقة الغربية الفريق أول ركن محمد الحداد اجتماعا موسعا بمكتبه، مع أعضاء لجنة متابعة تنفيذ وتثبيت الهدنة خصص لمتابعة مستجدات الأوضاع الأمنية في العاصمة طرابلس، بما يضمن الحفاظ على حالة التهدئة.
وحاول ناصر القايد، مدير مكتب التوجيه المعنوي بالمنطقة الوسطى في الجيش التابع للمجلس الرئاسي، طمأنة الرأي العام بنفي وجود مؤشرات حقيقية حتى الآن على احتمال تجدد الاشتباكات المسلحة في العاصمة طرابلس، وقال في تصريحات أن التحركات والتحشيدات العسكرية الحالية تندرج ضمن النشاط العسكري المعتاد، ولا تعكس بالضرورة استعدادًا لمعارك جديدة، مشيرا إلى أن قوات فض النزاع تواصل تنفيذ مهامها، وتسعى إلى ضمان استمرار وقف إطلاق النار والحفاظ على الاستقرار الأمني داخل العاصمة.
وحثت قوة فرض القانون التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الوحدة جهاز الردع على الامتثال لمجموعة من المطالب خلال 48 ساعة، في إنذار قالت إنه يهدف إلى إعادة النظام والقانون إلى مؤسسات الأمن الشرعية، ويضمن احترام العدالة وحقوق الإنسان.
وأشارت في بيان إلى ضرورة تسليم المطلوبين للنائب العام من العناصر الفارة التابعة لجهاز دعم الاستقرار الذي تم حله، بالإضافة إلى محكومين جرى تجنيدهم بصورة غير قانونية ضمن جهاز الشرطة القضائية. كما طالب البيان بتسليم القيادات المتورطة في جرائم الاغتصاب والتعذيب والانتهاكات الخطيرة المتعلقة بحقوق الإنسان.
وتابعت القوة أنه إذ تم تحديد مجموعة من الشروط التي يجب تنفيذها بشكل فوري دون تأخير، وتتضمن هذه المطالب الأساسية تسليم كافة المطلوبين للنائب العام من أعضاء جهاز دعم الاستقرار المنحل الذين فرّوا، وتسليم المحكومين الذين جنّدوا بشكل غير قانوني في صفوف جهاز الشرطة القضائية، وتسليم القيادات المسؤولة عن جرائم الاغتصاب والتعذيب والانتهاكات الجسيمة بحقوق الإنسان ووقف عرقلة أيّ خطوات تصحيحية تعمل الدولة على تنفيذها لإعادة تفعيل المؤسسات الأمنية الشرعية وإعادة هيكلتها.
في الأثناء، قال شهود عيان إنهم رصدوا خروج رتل عسكري كبير من مدينة مصراتة نحو طرابلس، في خطوة اعتُبرت ضمن استعدادات الحكومة لتنفيذ هجوم محتمل على جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والذي يعد أحد أبرز التشكيلات الأمنية المستقلة داخل العاصمة.
ويضم الرتل آليات مدرعة مزودة بأسلحة متوسطة وثقيلة، وسط تقارير سابقة عن نقل طائرات مسيّرة هجومية إلى مصراتة، يُعتقد أنها من صنع أوكراني وإيراني، ما يعكس تصعيدًا ميدانيًا واضحًا وصفه مراقبون بأنه تمهيد لساعة الصفر.
وحذر النائب بمجلس النواب علي التكبالي، من أن التحركات العسكرية الأخيرة في العاصمة طرابلس تعكس محاولة واضحة من الدبيبة لتصفية جهاز “الردع” ومن يتحالف معه، وذلك في مسعى للانفراد بالسيطرة على العاصمة وفرض نفسه كطرف أساسي في المشهد السياسي، وقال إن الدبيبة يدرك جيدًا أنه إذا لم يتمكن من القضاء على جهاز الردع فلن يكون له مكان في أيّ حكومة قادمة، لذلك يسعى لإزاحتهم بأيّ ثمن. وأوضح أن هدفه هو إحكام السيطرة على طرابلس بالكامل ثم تقديم نفسه ممسكًا بالغرب الليبي في مقابل سيطرة المشير خليفة حفتر على الشرق، ليبدو وكأنه شريك في أيّ حل سياسي.
وأشار التكبالي إلى صعوبة هذا السيناريو، معتبرًا أن الدبيبة يظن أن قوة الردع محصورة في كتيبة معيتيقة، بينما الحقيقة أنها مدعومة بعدة مجموعات مسلحة أخرى يتجاوز عدد عناصرها عشرة آلاف، ما يجعل أيّ مواجهة عسكرية معقدة ومكلفة، وكشف أن تركيا وإيطاليا طالبتا الدبيبة بإنهاء النزاع خلال يومين فقط، وهو ما يضعه تحت ضغط كبير، محذرًا من أن أيّ مواجهة عسكرية قد تكون بمثابة نهايته السياسية، خصوصًا بعد تزايد التقارير الدولية التي تتحدث عن قضايا الفساد وسوء إدارة المال العام.
وأردف التكبالي أن الدبيبة يتصرف باندفاع كبير بحثًا عن البقاء في الحكم بأيّ وسيلة، لافتًا إلى أن انكشافه سيعني انكشاف عائلته وداعميه، وبينهم إبراهيم الدبيبة الذي يقدم نفسه كمستشار للأمن القومي دون خبرة في هذا المجال.
ويرى مراقبون أن المعركة القادمة قد تتسع لتشمل مدن الساحل الغربي، وأن عدة أطراف قد تضطر دخول المواجهة مع هذا الطرف أو ذاك لكن الثابت أن المعركة لن تنتهي بسهولة، وأن من يقدر على إشعال نار الحرب لن يكون قادرا على إطفائها.
وتوالت ردود الفعل السياسية القلقة من الأوضاع الساخنة في العاصمة، حيث حذر أسامة جويلي، آمر المنطقة العسكرية الجبل الغربي التابعة للمجلس الرئاسي، من أن أيّ عمل مسلح داخل العاصمة، مهما كانت مبرراته، يهدف إلى إفشال العملية السياسية التي تسيّرها البعثة الأممية، مؤكدًا أن نتائجه ستكون كارثية على الجميع.
بدوره، أعرب الائتلاف الليبي للقوى السياسية والنقابات والروابط والاتحادات المهنية والاجتماعية عن بالغ القلق إزاء التحركات العسكرية الجارية في العاصمة طرابلس والمنطقة الغربية، والتي اعتبرها تهديدًا مباشرًا للأمن والاستقرار. وأكد في بيان أن هذه التحركات تمثل محاولة واضحة لتعطيل المسار الأممي وخارطة الطريق نحو تحقيق الاستقرار وإجراء الانتخابات، مشددًا على رفضه القاطع لاستخدام القوة كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية.
وأوضح التيار الليبي لإعادة تفعيل الملكية أن “طرابلس تمر بأيام عصيبة تتسم بعدم الاستقرار الأمني وما يرافقه من خوف وقلق عام من اندلاع حرب مدمرة قد تزيد من معاناة الناس وتعمّق جراح الوطن” داعيا إلى أن يعي الجميع أن ليبيا لا يمكن أن تستمر أسيرة للفوضى والصراعات، وأنه لا أحد فوق سيادة القانون ولا لسياسة الإفلات من العدالة.
وأعلن أهالي تاجوراء و”حراك سوق الجمعة” في طرابلس رفضهم القاطع لأيّ محاولة لتحويل مناطقهم إلى ساحة صراع مسلح، محذّرين من عواقب التمركزات العسكرية داخل الأحياء السكنية.
وقال بيان أهالي تاجوراء إنهم “سيقفون سدا منيعا لمنع أيّ نزاع،” واعتبروا أن أي تمركز عسكري داخل المنطقة يمثل “اعتداء مباشرا على أهلها.”
واعتبر “حراك سوق الجمعة” أن “دخول أيّ تشكيل مسلح إلى العاصمة سيقابل برفض شعبي واسع،” داعياً البعثة الأممية إلى التدخل العاجل لردع ما وصفها بـالخروقات المهددة للأمن والاستقرار.