د. شهاب المكاحله
أعجبتني مقالة الزميل الاستاذ أسامة الرنتيسي بعنوان: “العالم ما بعد قضية خاشقجي!” والتي تحدث فيها عن القضية وملابساتها وما الى ذلك. وهنا أريد أن أوضح ما يلي:
نظراً لإقامتي شبه الدائمة في شمال أميركا فإنني على إطلاع عن كثب بما يجري في دهاليز الإعلام العالمي وكيف يؤثر شخص قادم من الشرق الأوسط في تغيير الخط الحكومي لدى حليف للسعودية مثل الولايات المتحدة.
إن المتابع للقضية يرى أن شهرة الكاتب جمال خاشقجي ذاعَ صيتها عقب مقتله أكثر مما كان عليه الأمر قبل (وفاته) أو (مقتله). وهذا إن دل على شئ فإنه يدل على أن القرارات التي تُتخذ في عالمنا العربي — ليس على المستوى الفردي فقط بل على المستوى العام والحكومي في الغالب — تكون غير مدروسة وارتجالية. فليس هناك بُعدٌ استراتيجي للقرارات أو للتغطية الإعلامية؛ فالخطاب الإعلامي الحكومي لا يواكب التغيرات التي تتماهى والواقع الخطير الذي أثاره خبر مقتل الكاتب وهذا هو ما يشكل الفارق الكبير بين الإعلام العربي والغربي. فإعلامنا لا يستيطيع نشر ما يتعلق بأي خبر دون الرجوع إلى السلطات المعنية. فمنذ إعلان خبر فقدان الاتصال بالكاتب السعودي في 2 أكتوبر عبر وسائل الإعلام الغربية والتركية، لم نسمع بياناً رسمياً سعودياً لدحض تلك الأخبار. ونحن نعلم بأن التأخير في دحض أية إشاعة قد يستدعي الرد الفوري لوأدها جملة وتفصيلاً. ولكن ما حدث عكس ذلك.
قد نتفهم التريث من باب التأكد والتمحيص ولكن أن يستدعي ذلك أكثر من 17 يوماً من التفكير في آلية الرد والمواجهة فتلك مشكلة كبيرة لا يعاني منها الإعلام في السعودية فقط بل وفي كافة الدول العربية. فإعلامنا ليس حراً حتى ينطق بالحقيقة أو يكشف عن الهموم والشجون.
لن أخفِ قلقي من أن تداعيات قضية خاشقجي طالت الاقتصاد السعودي والخليجي إجمالاً لأشهر قادمات وستؤثر على نفوذ تلك الدول في حلبة الصراع الدولي وخصوصاً في حرب اللوبيات على الساحة الأميركية. أمسك الأميركيون خيوط اللعبة في 11 سبتمبر واليوم يمسكون بخيوط القنصلية السعودية في أسطنبول وسيبقى ذلك بالنسبة لهم صيداً ثميناً وحِبْراً من ذهب لكُتَابِهم وإعلامهم الذي يساهم في التأثير سلباً وإيجاباً أكثر من إعلامنا العربي الذي وللأسف تراجع عما كان عليه في حقبة الثمانينات من القرن الماضي كثيراً.
لم أُردْ الكتابة عن الموضوع، إلا بعد أن بتنا جميعاً نستقي المعلومات من مواقع غربية وتركية تَمُنُ علينا بما تجود به قريحة مسؤوليها الحكوميين من أخبارٍ وتفاصيل عن تلك القضية العالمية التي قال عنها عدد من الزملاء الأميركيين هنا في العاصمة واشنطن بأنها أثبتت فشل ماكينة الإعلام العربية.
فنحن نعيش في عالم مضطرب وإعلامنا عليه أن يواكب تلك التطورات دون تحفظ ودون مواربة. فما عاد مصدر المعلومة حِكْراً على مسؤول أو غيره. فوسائل التواصل الاجتماعي رغم حجبها في كثير من الدول في مناسبات معينة لا تزال مصداقيتها أعلى من الإعلام الحكومي العربي.
باختصار بتنا ننظر إلى واشنطن على أنها مصدر المعلومة وإلى أنقرة على أنها مكان الحدث وإلى لندن كمصدر موثوق للتحليل الإخباري، ونحن من ينفق المليارات على تحسين صورتنا وتجميلها عالميا دونما فائدة. في الأيام الماضية، اتجهت أنظار العالم كله نحو الولايات المتحدة الأميركية لمتابعة ردة فعل قيادتها على حادثة خاشقجي. ونظراً لوجود عقلية التاجر و”البيزنس ليدر” في رأس دونالد ترامب وعقلية المدافع عن حقوق الإنسان في بعض دوائر صنع القرار الأميركية ومنها الكونجرس، تخبط العالم العربي بمسار الأحداث وتطوراتها.
وفي الختام، استذكر مقولة للزعيم الهندي غاندي حين قال: إحمل مغزلك واتبعني، وهنا كان يقصد أن العمل ينهض بالأمة ويجعلها تعتمد على ذاتها. وأنا أقول تحرير الإعلام من سلطان الدول يعني المزيد من الشفافية والانتاجية والمصداقية والديمقراطية والعدالة للجميع وهذا ما يُشكل خطاً منيعاً ضد أية محاولاات لتفكيك اللُحمة الوطنية وبناء سدٍ منيع ضد التحريض الإعلامي الغربي الذي بتنا للأسف نعتمد عليه في جميع أخبارنا وتحليلاتنا.
وكما قال الزميل: الدايم الله
https://bit.ly/2CvNvqY