المهندس سليم البطاينة
رغم أنني تفاءلت كثيراً بقدوم الحكومة الحالية، وأستبشرت خيراً، كون رئيسها كان وبحكم قُربه من الملك مُطّلعاً على سير أمور البلاد ! لكن يبدو ان الإفراط في التفاؤل ليس صحياً ! فعلى ما يبدو في الأفق، فإن عام 2025 سيكون أكثر صعوبة علينا من اية أعوام سابقة، وان القادم سيحمل الكثير من الصعاب للأردنيين في أرزاقهم وحياتهم المعيشية ! فنحن امام وضع اقتصادي لا يستند إلى واقع ! بل إلى سياسة جبائية بامتياز.
صدقوني أنّني أحاول أن أجد كلمات لعلها تصف الغصة التي أشعُر بها وأنا أقرأ مشروع قانون ضريبة الأبنية والأراضي الذي بين يدي (إذا كان صحيحاً)، فلا أجد إلا ضرائب شيطانية بابتكار جديد ! لا يقدر عليها إلا إبليس !
لا أريد أن أبدو انفعالياً ! ولكن أسمحوا لي ان اكتب بغضب ! الأمور خرجت عن حد المعقول ! وتخطت حدود العبث والاستهتار، وأخلّت بموازين العدالة الاجتماعية ! ولم يعد هناك مراعاة للظروف الصعبة التي يعيشها الأردنيون، خصوصاً عندما توظف الحكومة قوانينها وآلياتها ضد الناس باختراع قوانين جائرة تُكرس فيها الافتراس وشرعية العضلات.
وليعرف من أعد مشروع القانون (وأعتقد أنه غايب فيلة ولا يعرف شيئاً ! ) أن الخراب والفوضى لا تحدث إلا في بلد فشل في التنمية وأخفق في بَلوَرة نموذج اقتصادي يقود إلى النمو والنهوض !؟
نعم، أزمات الأردنيين ليست أزمة واحدة في الزمان والمكان، بل هي سلسلة أزمات حاضرة في كل الواجهات والقطاعات ! وتتوالد في الليل والنهار ! والجزء الأكبر منها من صُنع الحكومات ! فـ أينما أدرت وجهك في الأردن تجد أمامك أزمة مستمرة تطل عليك بحرارة من كل حدب وصوب! تُلقيي بكامل ثقلها ووزرها على كامل الطبقات الاجتماعية !
وهذا ما تم التحذير منه قبل اكثر من 6 سنوات! عندما نشر المجلس الاقتصادي والاجتماعي (تقرير حالة البلاد) ! وصف الأردن بأنه يعيش أزمة مُركبة متراكمة ! متعددة الأوجهه تؤثر سلباً على استقراره.
لن نتوقف عما صرخنا به سابقًا ! فقد طفح الكيل، والحديث هنا عن مشروع جِبائي شيطاني يخلو من الرحمة، فـ اللاّ عدل لا شرعية له ولو بالقانون ! والظلم كائن حي له تاريخ نشوء ومناخ، وظروف ولحظة انفجار، ومن المستحيل ان يخرج شعب إلى الشارع محتجاً أو معتصماً إلا إذا طالهم ظُلم ما !
حال الأردنيين كئيب ! ومن سيئ إلى أسوأ ! ولا يعرفون ما الذي ينتظرهم؟ والمستطلع لآراء الشارع لن يجد عناء في معرفة الى أي مدى ضاق الأردنيون ذرعاً بمعيشهم ! فلا تكاد تسير في الشوارع أو تجلس مع احد إلا وتسمع منه ومن غيره نغمة واحدة تتردد على كل لسان ! الضيق، الهم، الفقر، البطالة، الحاجة، الضرائب والرسوم وآخرها العقوبات على من يجرؤ على تخزين الشمس في بطاريات ! والتي من الممكن ان تصل عقوبتها إلى الحبس من سنة وحتى ثلاث سنوات او دفع غرامة تصل إلى ٢٠٠ ألف دينار !
أين هي مراكز الدراسات الاستراتيجية والأمنية ودراساتها لمعرفة ردود أفعال الناس؟ بؤس ما بعده بؤس ! الدولة صامتة ! والحكومة لا تقبل النُصح، بل تصر ان تحشرنا في الزاوية ! ولمتأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والأمنية بالمشي قُدما بـإقرارها قانون ضريبة الابنية وقانون الكهرباء.
المؤسف أنه لا يوجد وسيط نزيه بين الحكومة والشعب ! ولا يوجد من يريد أن يسمع ! أو يرى حال الأردنيين؟ لكنني سأكون كغيري من اصحاب التحذيرات الاستباقية من تداعيات وخطورة تلك القوانين ! فـ الفكرة في جوهرها شيطنة الناس ودفعها الى الشارع ! فنحن شهود على مراحل كثيرة طوال السنوات الطويلة الماضية وضعتنا في حلقة مفرغة رأينا فيها الكثير الكثير من الاستهتار والحمق واللامبالاة !
سأنهي مقالي باقتباس حوار ورد في كتاب الشاعر العربي السوري محمد الماغوط ( سأخون وطني ! ) عندما وضع الوطن في قفص الاتهام والمهانة !
الحكاية تقول انه في سياق حوار قصير بين قاضٍ ومتهم قال امام الناس في الساحات والشوارع المزدحمة بان الوطن لا يساوي حذاء !
فـ سأله القاضي: هل كنت بتاريخ كذا، ويوم كذا تنادي في الساحات بأن الوطن لا يساوي حذاء؟
الوطن يا بني هو حلم الطفولة، وذكريات الشيخوخة، والمفتدى بكل غالٍ ورخيص!
لماذا يا بني لا يساوي الوطن بنظرك اكثر من حذاء؟
فردّ المتهم : لقد كنت حافياً يا سيدي القاضي!
انتهى الاقتباس.
نصيحة لا تجعلوا الوطن ينفضّ من حولكم، فـما نحتاجه اليوم هو إرادة سياسية وحكومات تحترم عقولنا وتخاف علينا
كاتب اردني