فى:
د. شهاب المكاحله
خطاب ولي العهد الأمير حسين بن عبدالله أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبيل أيام فيه من التأويلات ما فيه. ولن أجامل أو أمتدح أميراً وقف أمام هذا الجمع الغفير ليخاطب باسم الشباب العربي والإسلامي والأردني بل والمجتمع الدولي بأن الكلام شئ والأفعال شئ آخر.
بث الأمير حسين للعالم الهم الأردني وما عانه الأردنيون طوال سنوات مضت ولم يساعده أحد بالشكل المطلوب وهذا الشعب الذي قدم للإنسانية ما قدم ومد يد العون للجميع إذ كان الأردنيون “أمماً متحدة” قبل الأمم المتحدة يرعى الجميع ويساند من يحتاج إليه بحكم طيبة شعبه وكرمه.
واليوم يشخص الأمير الشاب أن المنطقة والعالم مقبل على مرحلة صعبة وأن الأردن عانى ما عاناه جراء المشاكل الأقليمية والدولية التي تسبب له بمشاكل مالية واقتصادية وأمنية واجتماعية جمة. إن الجو الداخلي في المجتمع الأردني مشحون اقتصادياً وسياسياً في وقت تزداد فيه غضبة الشعب على الإجراءات الحكومية وخططها الاقتصادية التي تتماشى مع ما يريده صندوق النقد الدولي والبنك الدولي رغم علمهما بأن الشعب الأردني ما عاد لديه شئ يخشى عليه.
كانت كلمة الأمير الشاب بمثابة شكوى من الدرجة الأولى للأمم المتحدة من الدول كافة ممن وعدت وأخلفت وممن ساومت الأردن على مطالب سياسية وغيرها مقابل دعم اقتصادي ومالي. كل الوعود كانت جوفاء وكانت أشبه ما يكون بالـ”العقار الوهمي” أو ما يعرف دولياً باسم “Placebo”. لقد تحمل الشعب الأردني مصائب شعوب جاورها وقاسمها لقمة العيش وكل ذلك بسبب مغامرات غير محسوبة من دول كانت لها مطامع ومطامح على حساب الأردن والأردنيين. واليوم وبعد أن انكشف الحال وبات من المحال الاعتماد على هكذا نوعية من البشر ممن يتقلبون في العام مرات ومرات كشهور السنة لا بد لنا من أن نعتمد على أنفسنا لا على وعود زائفة أو وعود تستند إلى تنازلات سياسية. لقد قدم الأردنيون الأمن لغيرهم ولأنفسهم ورعوا العهد بينهم وبين أشقائهم الذين باتوا أبعد اليوم عما يعانيه الشعب الأردني ولسان حالهم يقول: المصلحة انتهت وعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء.
كانت كلمة الأمير الشاب موجهة إلى القريب والبعيد وابن العم ومن لا تربطنا بهم أواصر القربى سوى رابطة الإنسانية. أليس بغريب أن يعيش اليوم أكثر من 3مليار إنسان في فقر مدقع، أي بأقل من 1.25 دولار يومياً.وأن 70 بالمائة من سكان العالم العربي هم فقراء يعيشون على مبلغ 1.90 -2.25 دولار أميركي يومياً. أين عدالة التوزيع؟ أين تلك الدول التي تسعى للمساعدة دونما أجندات سياسية وثقافية وديموغرافية وغيرها؟ من المعلوم أن انخفاض أسعار النفط قد أثر على مستوى المساعدات التي تقدمها بعض الدول للأردن ولن لا ينبغي أن تجف تلك المساعدات لأن مواقف الأردن ومساعدته لتلك الدول لم تتبدل بتدهور الوضع الاقتصادي له وخصوصاً في المساعدات الأمنية والعسكرية.
لعل البعض قد يقول إن تباطؤ النمو العالمي واضطراب الأسواق المالية والصراعات والبطالة المرتفعة هي السبب ولكن السبب الحقيقي يكمن في السياسات الحكومية للدول الكبرى التي تسعى إلى تجيير مشاكلها الاقتصادية والمالية إلى دول أخرى عبر تصديرالأزمات وافتعال الحروب وبيع السلاح.
إن قيام الامير الغض بإلقاء كلمة الأردن ليقول ما تريد بلاده إيصاله للمجتمع الدولي ببساطة وما يريد كل الأردنيين قوله للجميع لأنهم يشعرون بالخذلان من المجتمع الدولي ككل، هي كلمة كانت عالقة في حلوق الأردنيين حين قال: “اسمحوا لي هنا أن أحاول، بالنيابة عن جيلي، أن أتلمس شيئاً من الوضوح وسط ضبابية المشهد، وأن أطرح عدداً من الأسئلة الأساسية بعيداً عن الكياسة السياسية، التي أعلم أنني سأكتسبها مع مرور الوقت”. وبهذا أعاد الأمير الشاب لنا الأمل جميعاً رغم ضبابية المشهد الإقليمي والدولي وتفاقم المشكلات المالية والاقتصادية العالمية.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه دوماً عن سبب اتساع رقعة الفقر في العالم العربي رغم الموارد المالية والاقتصادية الكبيرة. والجواب كما يعزوه المحللون الاقتصاديون هو بسبب تفشي الفساد المالي واستئثار الإنفاق العسكري بنسبة كبيرة من الميزانيات الوطنية على حساب التنمية الاقتصادية، علاوة على انعدام التخطيط السليم لمواجهة مشكلة الفقر. فكم من حكومة بنت سياساتها النقدية المالية بناء على وعود من دول ومنظمات بمساعدات مالية لخططها!. واليوم نسمع جعجعة ولا نرى طحناً وهذا هو لب ما قاله الأمير حسين لأن مشكلة البطالة والفقر هما مشكلتان متلازمتان ومفتاحان للتشدد والتطرف. ينبغي على المجتمع الدولي عامة والعربي خاصة أن يدرك أن للفقر بعدين على المستوى الأمني والاستقرار. وما أحداث “الربيع العربي” منا ببعيد. فهل هناك من يعي معاني ما أراد ولي العهد إيصاله للجميع؟
المصدر: Alawalnews