شهاب المكاحله – نيويورك
من المقرر أن يجتمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين اليوم في أنقرة ليحدد البلدان مواقفهما حول القضايا الإقليمية قبل تدخل القوات الخاصة التركية في إدلب آخر معقل لقوات المعارضة المسلحة في سورية. وتأتي زيارة بوتين إلى أنقرة قبيل أيام قليلة من زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى موسكو في الفترة من 5 إلى 7 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. وبعد أن قام الزعيمان التركي والروسي بتصويب علاقتي البلدين في أعقاب إسقاط المقاتلة الروسية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 في الأجواء السورية، تعهدا باستعادة علاقاتهما السياسية والاقتصادية وإعادتها إلى مستوى ما كانت عليه قبل الأزمة.
وقد حدث التقارب الروسي التركي على مستوى واسع بسبب العلاقات المتوترة لأنقرة وموسكو مع الغرب والولايات المتحدة لا سيما بعد انقلاب تموز (يوليو) 2016. ولكن السؤال المطروح هو: كيف تطورت العلاقات الروسية التركية بهذه الطريقة السريعة منذ بداية العام الحالي؟
يبدو أن البلدين استقرا على اتفاق غير رسمي، أي أن تركيا توقف دعمها لجماعات معارضة معينة تهدد المصالح الروسية في سورية، في حين تمتنع روسيا عن دعم الجماعات الكردية السورية القريبة من الحدود التركية مع سورية وتحديداً منطقة الباب، إدلب، وحلب، ما قد يؤدي إلى انفصال الأكراد في تركيا بإعلانهم دولة مستقلة. في المقابل، لم تسعَ روسيا إلى منع القوات التركية من السيطرة على المناطق الحدودية السورية التي كانت تحت سيطرة الأكراد و”داعش”.
طوال السنوات الماضية اتهمت روسيا تركيا بدعم الجماعات الإسلامية المناهضة للرئيس السوري بشار الأسد، بما في ذلك بعض المقاتلين الروس المتهمين “بالإرهاب” والمنضوين تحت لواء النصرة أو “داعش” أو غيرها من التنظيمات المسلحة، في حين أن تركيا في حالة حرب مع حزب العمال الكردستاني وحلفائه. وتسعى أنقرة اليوم للحصول على الدعم الروسي لتأمين حدودها من التدخل الخارجي كما تبحث القيادة التركية عن توازن، ليس فقط من حيث علاقتها مع روسيا والغرب بل لإقامة تحالف استراتيجي ليحل محل الائتلافات التي تفقدها أنقرة نظراً لتبدل موقفها السياسي من الأزمة السورية والقطرية-الخليجية. وبعبارة أخرى، تفتح تركيا الباب على مصراعيه للتحول من الاتحاد الأوروبي إلى “أوروبي آسيوي” او ما يعرف بـ “Eurasia” لأنه أقرب ما يكون من الحدود التركية كما أن هناك تداخلاً في المصالح بين أنقرة وبين تلك المنطقة ناهيك بالقيم الثقافية المشتركة، واللغة.
يمكن القول إن روسيا كسبت الحرب في سورية وتسعى الآن لتحقيق السلام، وهي مهمة لا تقل صعوبة عن الدخول في الحرب. وهكذا، استخدمت موسكو أولاً علاقاتها بتركيا كشريك سياسي رئيسي لجعل المعارضة السورية تقبل الهدنة والانضمام إلى محادثات السلام للتوصل إلى تسوية سياسية. كما دعت روسيا الى عقد مؤتمر سلام فى أستانا عاصمة كازاخستان بمشاركة تركيا وإيران. وشكلت الدول الثلاث: روسيا وإيران وتركيا دائرة دبلوماسية ثلاثية لاقامة مناطق لتخفيف حدة التصعيد فى سورية لإنهاء الحرب ووقف تقسيم البلاد. ولم يكن ذلك ليتحقق سوى بمشاركة أردنية فاعلة وأميركية جيو-عسكرية. ولعل اختيار موسكو للعاصمة الكازاخية كمكان للمحادثات بين الفرقاء السوريين ينبع من كون الرئيس الكازاخي نور سلطان نزارباييف هو صديق مقرب للرئيس بوتين كما أرادت موسكو إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة الأميركية بعدم الاقتراب من الحدود الروسية عبر جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.
ويتشاطر بوتين وأردوغان موقفاً مماثلاً من حيث زعامتهما للحزب الحاكم. فقد أشرف كل منهما على المحافظة على الداخل قبل الاهتمام بالخارج خصوصاً في ظل توتر العلاقات الروسية الأوروبية والتركية الأوروبية. وتثير زيارة بوتين لتركيا قلقاً كبيراً في الغرب لأنها تأتي في وقت توترت فيه علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي والغرب بشكل عام.
في الوقت الحاضر، تسعى موسكو لتكون في موقف الوسيط للحفاظ على علاقات جيدة مع مختلف الأطراف المعنية في الشأن السوري. ويمكن القول إن العلاقات الثنائية الروسية التركية لها ثلاث سمات مشتركة: براغماتية، متعددة الأوجه، وذات قواسم مشتركة وكلها تعتمد على موارد الطاقة، القوة الجيوسياسية، الأداء العسكري، الدهاء في التعامل مع الغرب. وقد أدى ذلك كله إلى زيادة الرغبة الروسية والتركية للعب دور محوري على الساحتين الأوروبية والشرق أوسطية.
العامل الاقتصادي
في العام 2014، وقع بوتين وأردوغان عدة اتفاقيات فيما يتعلق بالتجارة الثنائية مع البلدين على أمل أن يصل حجم التجارة السنوية إلى 100 مليار دولار بحلول العام 2020. ومع ذلك، كان أهم إنجاز للقيادتين هو الاتفاق على توسيع التعاون في مجال تجارة الغاز الطبيعي. وتهدف روسيا من خلال هذه الاتفاقيات إلى زيادة صادراتها من الغاز إلى تركيا بأكثر من 3 مليارات متر مكعب بسبب حاجة تركيا المتزايدة إلى الطاقة. وتستورد تركيا 93 ٪ من احتياجاتها من الطاقة،97 ٪ منها من الغاز الطبيعي. كما أن أنقرة تشتري 60 ٪ من احتياجياتها من الغاز الطبيعي من روسيا، ما يجعلها ثاني أكبر مستورد للغاز الطبيعي الروسي بعد ألمانيا. ولا تتجاوز قيمة الصادرات التركية الى روسيا 6 مليارات دولار.
هذا وقد زار بوتين وأردوغان بعضهما بعضا أكثر من 33 مرة إلى الآن حتى عندما كان هناك توتر سياسي بين البلدين عقب حادثة إسقاط الطائرة الروسية. بيد أن الجانبين يعرفان جيداً أن الجانب السياسي يبقى جانباً عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات والاقتصاد بما في ذلك الغاز الطبيعي. ومن وجهة نظر اقتصادية بحتة، لا تستطيع تركيا مواكبة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فى قضية العقوبات ضد روسيا. وبسبب عدم الاستقرار في العراق وسورية، لا تملك أنقرة العديد من خيارات الطاقة البديلة، إلا أن تأخذ طاقتها من روسيا لأن تركيا غير قادرة على اتخاذ أي مغامرة سياسية من شأنها أن تعرض للخطر مصادر الطاقة اللازمة لصناعتها. وقد وصل التبادل التجاري بين تركيا وروسيا إلى 40 مليار دولار أميركي في نهاية 2016، ومن المقرر أن يزداد هذا العام.
العامل العسكري والأمني
ومن المؤكد أن الدافع الرئيسي في روسيا لتحسين علاقاتها مع تركيا يكمن في المصالح الأمنية والعسكرية. فبوتين كان قلقاً على للوضع الأمني في سورية لا سيما وأن روسيا تحتضن في صيف 2018 بطولة كأس العالم 2018. فهواجس روسيا خصوصاً في ظل وجود مقاتلين روس بين صفوف “داعش” و”النصرة” وغيرها من الجماعات الإرهابية كبيرة. ويسعى الرئيس الروسي الى الحصول على مساعدة تركية فى هذا الصدد للتأكد من أن أيا من المواطنين الروس فى العراق وسورية لن يعود أبداً إلى روسيا إلا ميتاً. أما بالنسبة للرئيس التركي، فإن قلقه هو من منطقة ناغورني كاراباخ والصراع المجمد بين أرمينيا وأذربيجان.
ويعتقد كلا الزعيمين أنهما في عيون الغرب منبوذان، ولذلك يعملان معا على تغيير الصورة النمطية لإثبات أنهما يخدمان بلديهما وشعبيهما على حد سواء بغض النظر عما يعتقده زعماء آخرون. وكان التقارب العسكري الأخير بين أنقرة وموسكو بتوقيع صفقة منظومة الدفاعات الجوية “S-400″ بمثابة صعقة للغرب ولحلف الـ”ناتو” لأن المنظومة الروسية لا تعمل وفق منظومة الدفاعات الغربية وهذا يعني أن تركيا تسعى للرد على أي اعتداء خارجي بمساعدة روسية. وبذلك أصبحت روسيا ثالث مصدر للأسلحة إلى تركيا بعد ألمانيا والولايات المتحدة.
ومن المقرر ان يناقش اردوغان الذي يزور إيران الشهر المقبل سبل تعزيز التعاون العسكري بين طهران وأنقرة وتداعيات قيام دولة كردية مستقلة من شأنها ان تؤجج التوترات الانفصالية في تركيا وايران والعراق وسورية، إضافة إلى التعاون الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران في ملفات الشرق الأوسط.
المصدر: الغد