د. شهاب المكاحله
ما عاد يهم الأردنيين تغيير رئيس وزراء أو تعديل وزاري يطال حقائب أو حتى لو لم تكن هناك وزارة مستقبلاً لأن الهم الفعلي لكل منهم باستثناء عدد لا يتجاوز أصابع اليدين بات توفير لقمة العيش الكريم لهم ولأسرهم وهم يتوجسون مما ستقوم به الحكومة أو الحكومات الأردنية بضغط دولي على جيوبهم لإنهاء آخر من تبقي دنانير بحوزتهم.
فبعد إعلان الموازنة العامة للمملكة للعام 2018 والبالغة 9 مليار دينار منها 7.5 مليار دينار نفقات جارية في جلها رواتب في الوقت الذي يصل فيه الإنفاق الإستثماري إلى 1.25 مليار دينارفإننا نرى أن على الحكومة في هذه الحاله أن تقوم بالضغط على الدول التي تلكأت في وعودها لا الضغط على الشعب الذي طالما وقف معها منذ بدء أحداث الربيع العربي الدامي الذي وصفه اقتصاديون عالميون بأنه كان ناراً في هشيم الأردنيين إذ حملهم تبعات كانوا لا يتوقعونها مع تقاعس الكثير من الدول وتلكؤها عن الالتزام بوعودها.
إذا كان حجم النقد والسيولة البنكية يكفيان لمدة عام على الأقل وهذا هو واقع الحال فلا يوجد داع لشد الأحزمة على بطون الأردنيين والإنصياع لما تريده بعض الجهات الخارجية من إملاءات على الداخل الأردني لكسب رأي أو موقف أو تغيير اتجاه. لقد خسر الأردن في الأعوام الماضية جاريين هما العراق وسوريا كانا سنداً ودعماً لاقتصاده بمبالغ تفوق ما يتلقاه الأردن من مساعدات خارجية قد تصل أو لا تصل. لا بد للحكومة العمل بجد على الاستفادة من تحسين العلاقات مع كل من سوريا والعراق من أجل تنشيط الاقتصاد الأردني في الأسابيع القادمة وتحسين أدائه بعد أن تعطل أعواماً. وما يؤكد أن العلاقة الاقتصادية مع بغداد ودمشق كانت هي الرافد للاقتصاد الأردني ومحط اهتمام الأردنيين جميعاًهي الأرقام التالية التي تظهر أننا خسرنا رافدين للخزينة على أمل الحصول على المساعدات من الدول والمنظمات الشقيقة والصديقة التي لم تصل إلى مستوى الطموح رغم كل ما قدمه الأردن من تضحيات وخدمات على الصعيد الإقليمي والدولي.
فلو نظرنا إلى معدلات النمو الاقتصادي في الفترة من 2000-2009 نرى بأن متوسط الناتج المحلي الاجمالي بلغ 6.5% مقابل 2.5% في الفترة من 2010-2016 مع ارتفاع اجمالي الدين العام بنسبة تزيد عن معدل النمو الاقتصادي حيث وصل كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي حوالي 95% بنهاية 2016 مقارنة بـ 61% في عام 2010.
وعندما أدت تداعيات الاضظرابات الإقليمية إلى تراجع النمو الاقتصادي في المملكة وابتعاده عن الهدف المرسوم وفق “رؤية 2025” والذي كان مقدراً بـ 4.9% إذ تراجعت النسبة إلى 2% في العام 2016 كان لا بد للحكومات المتعاقبة أن تتخذ إجراءات حيال الرواتب العالية التقاعدية التي وصل بعضها إلى أكثرمن 25,000 دينار شهرياً في الوقت الذي تزداد فيه نسبة الفقر واضمحلال الطبقة الوسطى. فهل يعقل أن تكون هناك رواتب تقاعدية تزيد عن مبلغ 25,000 كضمان اجتماعي أو غيره مع بقاء رواتب من خدموا الدولة أعواماً عديدة وتقاعدوا في الماضي وليس لهم سوى راتب تقاعدي لا يتعدى سقفه 300 دينار. إذا كان لا بد من حل فلتقم الحكومة باستغلال تلك الرواتب التقاعدية الكبيرة لمدة عام بعد إذن أصحابها ولهم فوائد على ذلك بالطبع من أجل حل مشكلة مالية خانقة تعاني منها المملكة والتي قد تحتم مراجعة فرض ضرائب على الشعب تقضي على ما تبقى من آماله. وهنا لا بد من أن نشير إلى أن صندوق النقد الدولي لا يعالج الأزمة الاقتصادية في الاردن بل يعالج الأزمة المالية التي تتعلق بالمديونية والموازنة والعجز المالي. ولا يأخذ الصندوق الاوضاع الاجتماعية والنمو الاقتصادي الحقيقي بنظر الاعتبار. وهذا كله علاج موضعي ومؤقت.
المصدر: Alawalnews