شهاب المكاحلة – نيويورك
لم يأخذ الكثير من المحللين والمتابعين أبعاد وأهمية زيارة الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر للمملكة العربية السعودية والتي التقى خلالها نائب الملك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في جدة، على الرغم من أن مقتدى الصدر لا يشغل منصباً رسمياً حالياً ولكن المعلومات التي ترشح من واشنطن تشير إلى أن الصدر بصدد تشكيل كتلة للاستعداد للانتخابات النيابية القادمة التي من المتوقع ان تجري في نيسان (ابريل) 2018. وتكمن أهمية الزيارة في أنها جاءت بدعوة من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، وفي إطار توجّه انفتاحي من المملكة على القِوى السياسية والدينية الشيعية العراقية، بهدف تقليص النّفوذ الإيراني في العِراق، وتحقيق التوازن معه على الأقل. ولعل أولى علامات التأثير السعودي في المرجعية الشيعية العراقية هو ما يقوم به حاليا مقتدى الصدر الذي دعا فور عودته من جدة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إلى إخضاع ميليشيات “الحشد الشعبي” لسيطرة الدولة، ودمج “العناصر المنضبطة” منها في القوات الحكومية، وسحب السلاح من جميع الفصائل بهدف إبعاد شبح الإرهاب، ومواصلة الإصلاح.
وبالنظر قليلاً إلى البيان الذي صدر عن مكتب الزعيم الشيعي مقتدى الصدر حول الزيارة إلى السعودية والنتائج التي أسفرت عنها، يبتين أن الجانبين أكدا على ضرورة تبني خطاب ديني وإعلامي معتدل، والإسراع في افتتاح المنافذ الحدودية بين البلدين للتبادل التجاري وتقديم 10 مليون دولار اضافية إلى المساعدات المقدمة من الرياض عن طريق الحكومة العراقية، وافتتاح قنصلية عامة في النجف وسرعة إنشاء خط جوي وتعزيز التعاون في مجال الشباب. وقال البيان إن الصدر”بحث خلال زيارته إلى السعودية، سبل التعاون بين البلدين في شتى المجالات، واستغلال الفرص في الاستثمار بالعراق والمساهمة في تنمية مناطق وسط العراق”.
يعتبر الخبراء في الولايات المتحدة أن استقبال الرياض لزعامات شيعية عراقية خلال الفترة الماضية ينم عن محاولة منها لاختراق النفوذ الإيراني في العراق وفي الساحة العربية والعمل على الحد منه تمهيداً لإعادة العراق إلى حاضنته العربية بعد انسلاخه أعواماً عن محيطه العربي.
وأشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن المصافحة بين وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف في إسطنبول في 1 آب (أغسطس) 2017على هامش اجتماع اللجنة التنفيذية الاستثنائي الموسع لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي بشن المسجد الأقصى والتي تزامنت مع زيارة مقتدى الصدر إلى المملكة العربية السعودية تحمل رسالة إلى من يهمه الأمر من الرياض إلى طهران بأن اللعب بدأ على المكشوف بين السعودية وإيران. بالطبع لا يمكن للرياض أن تقدم على هذه الخطوة دون دعم من دول المنطقة، حيث تسعى الرياض إلى تشكيل ما يسمى بمحور او تكتل سني عراقي قوي بمؤازرة شيعية معتدلة تساهم في تغيير الخريطة الجيوسياسية العراقية لصالح الدول العربية وذلك بالتأثير على صناعة القرار العراقي ليصبح قراراً عربياً لا إيرانياً.
ومن المهم إبراز أن تلك المصافحة تمت حتى عقب السجال الدبلوماسي بين إيران والمملكة العربية السعودية عقب اتهام الأخيرة طهران بالمماطلة في السير في إجراءات التحقيق في حادثة اقتحام السفارة والقنصلية السعودية في إيران والتي وقعت في 2016. هذه المصافحة تأتي جنباً إلى جنب مع زيارة الزعيم الشيعي إلى السعودية وهي الأولى له منذ 2006 أي قبل 11 عاماً والمعروف عن الصدر أنه يتزعم كتلة تشكل 10 % من البرلمان العراقي الحالي كما أنه استطاع تحريك الشارع العراقي قبل سنة ضد الحكومة العراقية بمظاهرات عمت شوارع بغداد والنجف تطالب بالاصلاح السياسي والاقتصادي في العراق. ولعل أهمية ما يجري بين العراق والسعودية بالنسبة لإيران أن تلك الزيارة للزعيم الشيعي تأتي عقب زيارة لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى الرياض في 19 و20 حزيران (يونيو) الماضي والتي أسفرت عن الاتفاق على تأسيس “مجلس تنسيقي” للارتقاء بعلاقة البلدين إلى مستوى استراتيجي بعد تدهورها منذ 1990.
ويبدو أن زيارة مسؤولين عراقيين شيعة أو قيادات سياسية ودينية عراقية إلى السعودية تسعى إلى إعادة عقارب الساعة الى ما قبل 1990 بين البلدين مع احتواء النفوذ الإيراني خصوصاً بعد القمة الإسلامية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، والتي تسعى إلى تحجيم النفوذ الإيراني في الدول العربية وخصوصاً في العراق وسورية مع إعطاء الأولوية في الوقت الراهن للعراق نظراً لقربه الجغرافي من دول الخليج العربي. وليس أدل على ذلك مما نشرته مجلة “نيوزويك” من أن واشنطن أعطت الضوء الأخضر للعرب بفتح قنوات مع حكومة العبادي تمثلت في استقبال بغداد للعديد من القيادات والسياسيين العرب في الفترة الماضية.
لعل الرسالة التي أرادت الرياض إرسالها إلى طهران أن هناك محاولة استقطاب من الجانب العربي للشيعة العرب واحتوائهم بعيداً عن النفوذ الإيراني حيث إن في العراق أقطاب أربعة من الشيعة غير راضين عن نفوذ إيران في بلدهم وهم: رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، وعلي السيستاني وهو المرجع الشيعي الأعلى في العراق ومقتدى الصدر وعمار الحكيم الذي خرج من المجلس الإسلامي الأعلى في العراق ويعمل على تأسيس حزب خاص به تحت مسمى تيار الحكمة، ما يُعد تطوراً لافتاً لبناء تحالفات بعيداً عن التوجه الطائفي، مع توقع ظهور تيار شيعي إسلامي جديد يخوض الانتخابات البرلمانية العام القادم لتحييد الدور الايراني في العراق، يسعى هو الآخر إلى تشكيل كتلة شيعية سنية للمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة. ومن المرجح أن يكون استقبال القيادات السعودية لقيادات شيعية عراقية لا غير مرهوناً بدور قد تلعبه تلك الشخصيات الشيعية في تهدئة الوضع في عدد من المناطق التي يقطنها الشيعة في المملكة.
لا يبدو أن مسعى الرياض في الحد من النفوذ الإيراني سيكون سهلاً لأن النفوذ الإيراني يعود إلى أكثر من عشرين عاماً في العراق حيث قوت طهران نفوذها في ذلك البلد على كافة الأصعدة، ما يجعل مهمة الرياض صعبة المنال على المدى القصير. ولكن خلاصة القول أن الخطوة السعودية في هذا التوقيت كانت في غاية الذكاء رغم تأخرها. إن من ضمن الملفات التي تم بحثها هو الملف العقائدي المذهبي الذي ادخل المنطقة في أتون حروب لا طائل منها. ولعل المتابع للوفد المرافق للصدر يرى أنهم من طلبة الحوزة في النجف وأنهم هم نواة التقارب السني الشيعي في المنطقة في المرحلة القادمة.
الغد