شهاب المكاحله — نيويورك
لم يدرك الأميركيون أن ما بين طهران وبيونج يانج أكبر مما تبدو عليه الأمور إلا بعد أن وافق مجلس الشورى الإيراني في 13 أغسطس 2017 على الرد على العقوبات الأميركية الأخيرة إذ قرر المجلس إقرار زيادة كبيرة في المخصصات المالية للبرنامج الصاروخي ولعمليات الحرس الثوري في الخارج وذلك بالمصادقة على تخصيص 520 مليون دولار لتطوير البرنامج الباليستي الإيراني وتعزيز النشاطات الإقليمية للحرس الثوري ما يؤثر سلباً على مستقبل منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً الشرق العربي.
يبدوأن العقل الإيراني اليوم بات يدرك أكثر من قبل أن الإدارة الأميركية لن تستطيع فعل شئ طالما كانت طهران وبيونج يانج في صف واحد. فالفكر العقائدي الإيراني لم يتغير منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي فكل ما سعت طهران لتحقيقه في السنوات الأخيرة هو الحصول على اتفاق نووي يضمن لها حق انتاج السلاح النووي وتطوير برنامجها لصناعة الصواريخ الباليستية والحصول على الأموال المجمدة في البنوك الأميركية، واستعادة التجارة مع أوروبا، وإعادة بناء قواتها المسلحة وفق أحدث الأنظمة وهي هنا تشابه في التكتيك كوريا الشمالية التي تستحوذ على صواريخ متوسطة وبعيدة المدى تستطيع الوصول إلى دول حليفة للولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وحتى أنها قد تشكل خطراً على المصالح الأميركية في المحيط الهادئ. وبذلك تتشابه كوريا الشمالية إلى حد كبير مع سياسة إيران في الخليج العربي إذ تهدد طهران بسياستها الملاحة الدولية في الخليج العربي والبحر الأحمر.
ومع ذلك فلن تندلع حرب بين أي من الدولتين (إيران وكوريا الشمالية) مع الولايات المتحدة لأن كلا من طهران وبيونج يانج قد تشعلا حرباً عالمية تمتد من المحيط الهادئ وتنتهي في الشرق الأوسط تطال مصالح دول كثيرة وهو ما يجعل الجيش الأميركي يناوش أحياناُ بتهديد هنا أو هناك ليري كلا الخصمين أنه يستطيع أن يتدخل ويحمي مصالح بلاده. وبالرغم من ذلك، يرى الأميركيون أن الحل للأزمة مع كلا الدولتين هي بالحوار غير المباشر مثلما فعلت الولايات المتحدة مع إيران بفتح حوار لحلحلة الملف النووي الإيراني بإطلاق حوار بين مسؤولين إيرانيين وأميركيين في مسقط قبل أشهر من توقيع الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وطهران.
واليوم، ومع تواصل التهديدات الكورية الشمالية للولايات المتحدة، نرى أن الأزمة مع بيونج يانج قد وصلت إلى الذروة مع استبعاد الخيار العسكري والاستمرار بالحصار الاقتصادي. والسؤال المطروح حالياُ على مستوى الدول العربية والخليجية على وجه الخصوص ومنها دولة الإمارات العربية المتححدة والمملكة العربية السعودية هو لماذ تعتبر التجربة الكورية الشمالية غاية في الأهمية للإيرانيين على نحو خاص؟
فالتنسيق ما بين طهران وبيونج يانج ليس وليد اليوم والأمس القريب بل يعود إلى عام 1979 حيث فتحت طهران قنوات اتصال مع بيونج يانج من أجل التعاون العسكري ولتطوير البرامج الصاروخية الإيرانية إبان حرب الثمان سنوات مع العراق. وهذا ما يفسر سر التقارب القوي بين كلتا الدولتين وخصوصاُ فيما يتعلق بالساحة الأسيوية والموقف من الولايات المتحدة الأميركية. وما يجمع بين العاصمتين أكثر مما يفرقهما. فكلاهما يهدف إلى الحصول على أحدث الأسلحة ويطورها ليزيد من نفوذه العسكري والسياسي سواء في المحيط الهادئ أو في الخليج العربي. فمثلاً تهدد بيونج يانج دوماً بضرب القواعد العسكرية الأميركية في المحيط الهادئ وكذلك باستهداف عدد من المدن الأميركية ما يدفع الإدارة في واشنطن للتفكير قبيل القيام بأي عمل مضاد. وكذلك الحال ضد إيران التي لم تعد تهدد القواعد والمصالح الأميركية بنفسها بل بقوات وميليشيات تعمل لمصلتحها فيما يسمى بحروب الإنابة “Proxy Wars” كما هو الحال في سوريا والعراق واليمن.
إن تعنت كوريا الشمالية وحصولها على التكنولوجيا لانتاج سلاح نووي يعطي إيران فرصة للحذو حذوها والقيام بذلك أيضاً طالما أن الرد الدولي عليها غير فاعل ما يعني أن القوى الإقليمية في الشرق الأوسط سوف تضطر للتعامل المباشر وغير المباشر مع التهديدات الإيرانية بسباق للتسلح بأسلحة باليستية ونووية وعندها تدخل المنطقة أتون تهديدات لا يعرف نتائجها سوى الله.
إن كلا الدولتين تسعيان إلى التهديد الدولي للتغطية والتعمية على ما يدور في الداخل حيث أن كلا البلدين غير مستقرين سياسياً وأمنياً وحتى اقتصادياً ما يدفع قيادتيهما إلى التزمت والوعيد والتهديد بالقول إنهما لن يتخليا عن حقهما في الحصول على التكنولوجيا الصاروخية والسلاح النووي.
تتشابه طهران وبيونج يانج بجنونهما للسيطرة الإقليمية والخروج من العزلة الدولية مما يزيد من التوتر في الشرق الأقصى وفي الشرق الأوسط. فتلك الأزمة بين طهران وبيونج يانج وطهران ليست آنية ولا يمكن حل الخلافات مع كل منهما عسكرياً إلا بإيجاد سبل سياسية واختراقات أمنية لكلا البلدين للوصول إلى إحداث التغيير المطلوب دولياً.
فالنظامان الكوري الشمالي والإيراني يدركان جيداً أنهما لا روابط تجمعهما سوى الروابط الدفاعية المنفعية المشتركة من عدو مشترك هو الولايات المتحدة الأميركية كما ان كلا النظامين استفادا جيداً من سير حكام الشرق الأوسط وخصوصاً الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والرئيس الليبي معمر القذافي بأن من يتخلى عن برنامج الأسلحة الخاص به سيكون مصيره مثل مصير هؤلاء الحكام.
وبتنا نرى اليوم منطقة الشرق الأوسط تتجه نحة سباق التسلح للوصول إلى توازن عسكري مع إيران التي تسعى للحصول على السلاح النووي لكسر معادلة التوازن مع غيرها من دول المنطقة وهو ما ينطبق على كوريا الشمالية التي تسعى للحصول على تنازلات دولية لصالحها. فعلينا في المجتمع الدولي القيام بما يلزم للتوصل إلى آلية للتخلص من العقليات النمطية المؤدلجة التي تسعى إلى السيطرة الاقيليمة والدولية على حساب مصالح الدول الأخرى.