الرئيسية / أخبار / ماذا بعد إعلان الفلبين انفصالها عن التحالف الأمريكي؟
© Lean Daval Jr / Jonathan Ernst / Reuters

ماذا بعد إعلان الفلبين انفصالها عن التحالف الأمريكي؟

واصل الرئيس الفلبيني الجديد، رودريغو دوتيرتي، تصريحاته المُثيرة للجدل، والهجومية على الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أبلغ رجال أعمال فلبينيين وصينيين، في أثناء منتدى في قاعة الشعب الكبرى بالصين، حضره نائب رئيس الوزراء الصيني تشانغ قاو لي “في هذا المكان.. أعلن انفصالي عن الولايات المتحدة”.

ووجه الرئيس الفلبيني الجديد انتقادات حادة إلى واشنطن والرئيس باراك أوباما، وألغى دوريات مشتركة مع الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي، وهي منطقة متنازع عليها بين مانيلا وبكين، وكرر أنه لن تجرى بعد اليوم تدريبات عسكرية مشتركة مع الأمريكيين.

وتمثل جهود دوتيرتي للارتباط بالصين بعد أشهر من حكم محكمة تحكيم في لاهاي بأن بكين ليس لها حقوق تاريخية في بحر الصين الجنوبي في قضية أقامتها الإدارة السابقة في الفلبين تحولا في السياسة الخارجية منذ أن تولى الرئيس البالغ من العمر 71 عاما السلطة في 30 يونيو.

الرد الأمريكي

عقِب تصريحات دوتيرتي، قالت وزارة الخارجية الأميركية، الخميس، إنها ستطلب من الفلبين توضيحا لما أعلنه الرئيس دوتيرتي، بشأن “الانفصال” عن واشنطن، ووصفت تصريحاته بأنه محيرة وتتنافى مع العلاقات الوثيقة بين البلدين.

وأكد جون كيربي، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، “سنطلب توضيح ما قصده الرئيس بالضبط حين تحدث عن الانفصال عن الولايات المتحدة”، مضيفا: “ليس واضحا لنا ما معنى ذلك بكل ما يتعلق به”.

ألفاظ نابية

في 7 سبتمبر 2016، هاجم الرئيس الفلبيني، رودريغو دوتيرتي، الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، خلال مؤتمر صحفي عقده قبيل مغادرته إلى لاوس لحضور قمة مجموعة دول جنوب شرق آسيا “آسيان”، فعندما سأله أحد الصحفيين عما سيقوله لأوباما إذا سأله عن الحرب والجريمة والمخدرات التي يشنها الرئيس “دوتيرتي” في الفليبين، وأوقعت أكثر من 2400 قتيل خلال شهرين، رد الرئيس الفلبيني قائلًا: “عليك أن تحترم الآخرين، ولا تلقي فقط بالأسئلة والتصريحات، يا ابن العاهرة، سألعنك خلال المنتدى، سنتمرّغ في الوحل مثل خنزيرين إذا فعلت ذلك بي”.

من جانبه، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي يعتزم إلغاء لقاء كان مرتقبًا، مع نظيره الفلبيني، رودريغو دوتيرتي، بعد السباب التي وجهها الأخير له، وهو ما أكده المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، نيد برايس، على هامش قمة آسيان في فيينتيان عاصمة لاوس، قائلًا: “إن الرئيس أوباما لن يعقد لقاءً ثنائيًا مع الرئيس دوتيرتي، وأن الرئيس الأمريكي سيلتقي بدلًا منه مع نظيرته الكورية الجنوبية، بارك غيون-هيي”.

ويعرف عن الرئيس الفلبيني “رودريغو دوتيرتي” الذي انتخب في مايو الماضي بعد أن تعهد بشن حرب على المخدرات، أنه سليط اللسان، ويستخدم كلمات نابية وفجة في وصف معارضيه أو منتقدي سياسيته داخليًا وخارجيًا، وهذه المرة التي يسب فيها الرئيس الأمريكي، لم تكن الأولى الموجهة لكبار القيادات الأمريكية، فسبق أن شتم “دوتيرتي” السفير الأمريكي في بلاده، فيليب جولدبيرج، خلال حملته الانتخابية، واصفا إياه بـ”ابن عاهرة ومثليّ الجنس”.

ولم يستهدف “دوتيرتي” فقط شخص الرئيس الأمريكي بتصريحاته العدائية، إنما استهدف الدولة بالكامل، حيث هدد “دوتيرتي” خلال حملته الانتخابية بقطع العلاقات مع واشنطن في حال انتخابه رئيسًا للبلاد، وفي يوليو الماضي، اعتبر الرئيس الفلبيني أن التدخل الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط أدى إلى صراعات دموية في العراق ودول أخرى بالمنطقة، وأن سياسة التدخل التى تنتهجها واشنطن هي التي أدت إلى وقوع هجمات على الأراضي الأمريكية.

وشدد قائلا: “منطقة الشرق الأوسط ليست هي التي تصدر الإرهاب إلى أمريكا، إنما أمريكا تستورد الإرهاب.. إنهم شقوا طريقهم إلى العراق، وانظر إلى العراق الآن، انظروا إلى ما حدث لليبيا، انظروا إلى ما حدث لسوريا، يباد الناس هناك حتى الأطفال”.

خراب واغتيال

في 9 يوليو 2016، اعتبر الرئيس الفلبينى رودريجو دوتيرتى، أن التدخل الأمريكى في منطقة الشرق الأوسط أدى إلى صراعات دموية في العراق ودول أخرى بالمنطقة، وأعرب دوتيرتى عن اقتناعه- فى تصريح نقلته شبكة “ايه بى سى ” الأمريكية، بأن سياسة التدخل التى تنتهجها واشنطن هي التي أدت إلى وقوع هجمات على الأراضي الأمريكية.

وخلال زيارة رسمية لدولة فيتنام، قال الرئيس الفلبيني، إنه تلقى معلومات تشير إلى سعي جهاز الاستخبارات الأمريكية “سي آي إيه” إلى اغتياله، وأضاف “دوتيرتي”، في خطاب بهانوي أمام مواطنين فلبينيين بفيتنام: “هذا هو الوضع، يقولون أن جهاز (سي آي إيه) يسعى لقتلي، يا إلهي”، جاءت تصريحات الرئيس قبل دقائق من إعلان رغبته في وقف المناورات العسكرية لبلاده مع الولايات المتحدة.

ماذا بعد؟

وأكدت صحيفة “لوموند” الفرنسية، أنّ النفوذ الصيني في المحيط الهادي يُشكل نقطة قلق للأمريكيين، لأن نصف الشحنات التجارية في العالم تتدفق عبر البحر الصيني الجنوبي، حيث تخشى الولايات المتحدة أن بكين تعتزم تحويل هذه المياه الحاسمة إلى “بحيرة صينية”، وعلى هذا تقوم المصالح الحيوية لأمريكا مع الفلبين، حيث دعمت أمريكا جهود مانيلا في المحاكم الدولية حول الحدود المائية مع الصين في بحر الصين الجنوبي، لتقليص سيطرة الصين على هذه المياه الهامة.

وأوضحت الصحيفة، أنه في هذه الأثناء تبذل الصين جهودا كبيرة لفرض سيطرتها على تلك المياه، ويبدو أن روسيا التي أقامت مناورات عسكرية مشتركة مع الصين في بحر الصين الجنوبي، تعمل أيضا على الحد من نفوذ أمريكا في المحيط الهادي، وبالرغم من أن لأمريكا حلفاء آخرين في هذه المنطقة الحيوية، كاليابان مثلا، إلا أن انسحاب الفلبين من محور حلفاء أمريكا، يضع اليابان في صراع مباشر مع الصين، وهو ما لا ترغبه اليابان بالطبع خاصة في ظل التوتر القديم بين البلدين.

وأضافت: “بقية حلفاء أمريكا لن يخاطروا باستعداء الصين في ظل الموقف غير الثابت لأمريكا في المنطقة، وقد لا تكون الفلبين تنوي الاستدارة بشكل كامل نحو الصين، كما من الصعب القول إنها تريد قطع علاقاتها الحيوية مع أمريكا بشكل جذري، إلا أن الشيء المؤكد أن الفلبين ورئيسها دوتيرتي، يقرؤون جيدا خريطة الصعود والنزول في قدرات القوى العظمى في المنطقة، ويلحظون تراجع النفوذ الأمريكي لصالح الصين، وتراجع التحالفات الأمريكية مع الدول الأخرى المطلة على بحر الصين الجنوبي، مثل تايلاند التي شاب علاقتها مع أمريكا الفتور جراء الانتقادات الأمريكية لانقلاب مايو 2014 الذي قام به جنرالات الجيش في بانكوك للسيطرة على الحكم، وكمبوديا التي انحازت مؤخرا إلى الصين مقابل دعم اقتصادي كبير.

وأنهت الصحيفة التقرير، قائلة: “هذا التراجع الأمريكي يشكل فرصة للفلبين من أجل ابتزاز أمريكا ومحاولة تحصيل منها مزيد من الامتيازات، إلا أن هذا التوتر والتراجع في العلاقات بين أمريكا والفلبين، قد يجر بقية الدول الحليفة لأمريكا في المنطقة، لمواقف مشابهة، ففي حال اختلال التوازن في القوى لصالح الصين، فإن هذه الدول لن تغامر بالانحياز للأضعف ضد جارتهم الكبرى، وبالتالي قد يكون التحول الفلبيني في العلاقة مع أمريكا والتي عبر عنها المسؤولون الصينييون “بالتحول الكبير”، بداية لتحول في مواقف بقية دول بحر الصين الجنوبي، ما يعني انحسارا كبيرا للنفوذ الأمريكي في المحيط الهادي”

أحمد سامي