الرئيسية / أخبار / فشل الاخوان المسلمين في الانتخابات النيابية الأردنية وآفاق المستقبل

فشل الاخوان المسلمين في الانتخابات النيابية الأردنية وآفاق المستقبل

كشفت الانتخابات البرلمانية الأردنية عن تراجع كبير لشعبية الاخوان في المملكة . لقد كانت هزيمتهم ساحقة في جميع الدوائر الانتخابية بما في ذلك محافظات الزرقاء ، وإربد ، والعقبة ، والكرك المعروفة بمحافظتها وتديّنها وتعاطفها مع الاسلام السياسي . النتائج أيضا أظهرت تفوّق شخصيات قومية ، ومسيحية ، ويسارية ، وشركسية على شخصيات أخرى محسوبة على الاخوان .” التحالف الوطني للاصلاح ” الممثل للاسلام السياسي الأردني ، والذي خاض الانتخابات بقيادة حزب جبهة العمل الاسلامي حصل على ستة عشر مقعدا من 130 مقعدا ، أي بنسبة متدنّية لم تتجاوز 12.3 % من عدد مقاعد المجلس على الرغم من أن التحالف دخل الانتخابات بعشرين قائمة تضم 122 مرشحا إسلاميا .

 * في انتخابات عام 1989، أي قبل 37 عاما ، دخلت جبهة العمل الاسلامي ( حزب الاخوان المسلمين ) الانتخابات منفردة ب 26 مرشحا وحصلت على 22 مقعدا بنسبة 27.5 % من عدد مقاعد مجلس النواب الثمانين في ذلك الوقت .فلماذا فشل هذا التنظيم في المحافظة على التأييد الشعبي الذي حظي به في ذلك الوقت ؟ ولماذا تهاوت شعبيته بعد إنهيار الربيع العربي ؟ ولماذا فشل التحالف الاسلامي في تحقيق فوز جيد رغم توقع قادته بأنه سيفوز بأكثر من ثلاثين مقعدا في الانتخابات الأخيرة ؟

 * لقد ركز الاخوان طيلة تاريخهم على إستغلال الخطاب الديني لتجنيد أعضاء جدد في التنظيم والحصول على دعم شعبي . كانوا دائما يدّعون أن هدفهم هو تثقيف الناس إسلاميا وأسلمة المجتمع على طريقتهم … وليس السلطة … ، وإنهم لا يريدون كراسي الحكم ، وكان ذلك ليس صحيحا . إنهم حزب سياسي له قياداته ، ومؤسّساته ، وداعميه ، ومموّليه ، وبرامجه ، وإنّه بدون شك كأي حزب سياسي آخر يفكر في الوصول إلى الحكم أو المشاركة فيه وإلا فإنه لا لزوم لوجوده .

 * أسباب كثيرة أدّت إلى فشل إخوان الأردن في الانتخابات النيابية الأخيرة منها تخبّطهم السياسي خلال الربيع العربي وبعد فشله ، وعدم قدرتهم على طرح أفكار حقيقية ممكنة التطبيق قد تساهم في حل بعض مشاكل الناس ، وانقساماتهم الداخلية ، وصراعهم على المراكز القيادية في الحزب ، وشكوك الناخب في مصداقيتهم وارتباطاتهم الخارجية ، وفشلهم في كسب ثقة الأحزاب الأردنية الأخرى والتعامل والتنسيق معها . كل هذا ساهم إلى حد بعيد في تراجع شعبيتهم في جميع المحافظات وخسارتهم المدوية في الانتخابات .

 * تاريخيا لقد استفادت حركة الاخوان والاسلام السياسي بشكل عام من العاطفة الدينية القوية عند أغلب المواطنين العرب ووظفتها في خطابها الديني لمصلحتها ، وانتفعت من موجة الأسلمة التي مر بها المجتمع العربي منذ سبعينيات القرن الماضي ، ومن الاحباط الذي أصيبت به الأمة نتيجة هزائمها المدوّية المتكرّرة في حروبها مع إسرائيل ، ومن الفساد المستشري في الانظمة السياسية العربية ، ومن رفض الشعوب العربية للسلام مع إسرائيل والتطبيع معها . هذه العوامل ساعدت الاخوان والأحزاب الاسلامية والسلفية في الحصول على تأييد شرائح مختلفة من أبناء المجتمع في عدة أقطارعربية وفي مقدمتها جمهورية مصر العربية.

 * الربيع العربي كان فرصة ذهبية للاخوان في تونس ومصر للقفز إلى الصدارة ، وخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية ، والفوز بالأغلبية في مجالس النواب في البلدين . لقد تسلموا الحكم واصبحوا يحكمون دولتين عربيتين لأول مرة في تاريخهم ، وبذلك أصبح حلمهم في الوصول إلى الحكم حقيقة واقعة .

 * لقد تفائلنا جميعا بوصولهم للحكم ، وتصورنا أنهم سيحاولون تعميم وتقوية االممارسات والثقافة الديموقراطية ، وسيعملون على إصلاح الأوضاع المتردية بتقديم خطط ، وأفكار ، وممارسات سياسية عملية تضع الأمة في الاتجاه الصحيح لمستقبل أفضل .

 * النيجة كانت بعكس آمال الشعوب لأن الاخوان فشلوا فشلا ذريعا في إدارة شؤون كل من الدولتين ديموقراطيا ، وعملوا على أخونة الدولة بوضع رجالهم في المراكز الهامة وبطريقة تخالف الديموقراطية التي أوصلتهم إلى الحكم . لقد وقعوا في فخ الهيمنة على الحكم والانفراد به . حاولوا فرض قناعاتهم السياسية والدينية على الآخرين ، ومارسوا الاقصاء لمن لم يتفق معهم ، وساهموا في إثارة النزاعات الدينية في مصر ، وكانت النتيجة أنهم فشلوا في السياسة ، والاقتصاد ، والاجتماع مما أدى إلى إنهيار تجربتهم في مصر ، وتراجعها في تونس وإنحسارها في الأقطار العربية الأخرى .

 * فشل الاخوان في الأردن لا يمكن فصله عن تجاربهم هم والاسلام السياسي الفاشلة في مصر ، وتونس ، والعراق ، وغزة ، وعن المجازر التي تقوم بها الجماعات الاسلامية في سورية ، وليبيا ، واليمن . المواطن العربي يعيش أزمة وجود ويحتاج إلى من يساعده في الخروج منها بأقل أضرار ممكنة . إنه .. يريد حلولا لمشاكله .. ، وليس مواعظ وممارسات جانبية لا تقدم ولا تأخر .

 * المواعظ الدينية لا تحل مشاكل الأمة . لقد يئس الناس منها لأنها … جعجعة سياسية ودينية بلا طحن … أو كما يقولون … جعجعة بالقناطير وطحن بالغرامات …. الشعوب العربية أكثر ثقافة ومعرفة الآن مما كانت عليه قبل جيل من الزمن . إنها تعرف واجباتها الدينية ، وتعرف الطرق المؤدية إلى الجنة وجهنم ، وتعرف ما يريد الله سبحانه وتعالى منها ، ولا تحتاج لمن يذكّرها بذلك ليلا نهارا ، لا الاخوان ولا غيرهم . الشعوب تحتاج إلى …. دنيوة وليس ديننة …. لمشاكلها وقضاياها الملحة . إنها بحاجة إلى حلول تتضمن خطط عمل إفتصادية ، وسياسية وعسكرية مفصلة لأنقاذ أوطانها مما تعانيه من كوارث ، وليس إلى أكاذيب سياسية ومواعظ دينية لا تغيّر من الأمر شيئا.

 * الأحزاب الدينية لا تفهم ركائز ومتطلبات إقامة دولة المساواة الديموقراطية الحديثة . هكذا دولة تقوم على القانون والمؤسسات ، وتداول السلطة ، وحرية التعبير ، وحق المواطنة للجميع ، وحرية الاعتقاد الديني والفلسفي ، وإعطاء المرأة حقوقها ، والمساواة بين الناس مهما كانت إنتماءاتهم السياسية والدينية .هذه الأحزاب … ترفض هذا جملة وتفصيلا … لأنه يتعارض بوضوح مع تفسيرها للدين ، ويتناقض مع فهمها للدولة الدينية التي تريد إقامتها ، وتعتبره كفرا وخروجا عن دين الله .

 * ولهذا فإنها تكذب وتخدع البسطاء عندما تتكلم عن إيمانها بالديموقراطية والمساواة بين المواطنين مسلمين ومسيحيين وعلمانيين ودروز وغيرهم . تجربة الاخوان والأحزاب الدينية في مصر ، وتونس ، وغزة ، والعراق ، وسورية ، وليبيا ، والجزائر دليل واضح على فشلهم وعدم ملائمة برامجهم لحل مشاكل أمتنا . * من الممكن القول أن الاسلام السياسي حصل على فرصة ذهبية للحكم لم يكن يتوقعها ، وإنتظرها أكثر من ثمانين عاما ، .. لكنه أضاعها .. ، وفقد الكثير من التأييد الشعبي على مستوى الوطن العربي ، وأثبت عدم قدرته على إقامة نظام ديموقراطي حقيقي أساسه المواطنة ، وإن فرصته الذهبية التي أضاعها قد لا تتكرر أبدا . ولهذا على إخوان الأردن والوطن العربي وغيرهم من الأحزاب الاسلامية أن يفهموا أن الشعب العربي تغيّر ، وإن عليهم تغيير اجندتهم وخطابهم الديني والالتفات الى قضايا الناس الملحة.

مؤلف : د. كاظم ناصر