الرئيسية / أخبار / هل خوفًا من “ما بعد الأسد” تريدون سوريا ما قبل الأسد.. إلى الأبد!

هل خوفًا من “ما بعد الأسد” تريدون سوريا ما قبل الأسد.. إلى الأبد!

عندما كان الأطفال يُلقَون في السجون، وكانت النساء تُغتصب، والمدن تُقصف، ويَعتدي النظام الحاكم على الشعب السوري، جهارًا نهارًا، لم نرَ منكم مظاهرات ولا اعتصامات ولا تعاطفًا على الأرض. كنتم تتوجهون إلى المساجد تجرّون بطونكم المتخمة وكأنما لا جريمة تُرتكب في سوريا ولا استغاثة تسمع.

يا أيها الذين آمنوا، شيعة كنتم أم سنة، لماذا تركتم الشعب السوري وحيدًا، واليوم تتباكون على سوريا التي تخافون سقوطها تحت حكم الأصوليين، ألم تصوتوا بأغلبية لهؤلاء الإسلاميين في بلدانكم كلما أتيحت لكم فرصة الاقتراع الحر؟ ألا تشكل مادة “الإسلام دين الدولة” في دساتيركم أروع هدية للإسلاميين، سواء جاءوا عن طريق العنف أو الاقتراع، ليطبقوا نسختهم من الإسلام؟

رفضتم التدخل الدولي بشكل مطلق، حتى لا أقول بشكل مَرَضي، ولم تطالبوا بتدخل حكوماتكم، وكان الحل الوحيد لإنهاء مأساة السوريين، ولم يكن لديكم حلّ بديل كفيل بردع النظام الدكتاتوري المسلط على أهل سوريا، ليس منذ بداية المظاهرات في سنة 2011 فحسب، بل منذ قيامه وتسلطه على سوريا وشعبها.

◄ مهما كان الأمر والصعوبات المستقبلية مع السلطة الحالية التي نعرف من أين جاءت وكيف تفكّر وقد ترتكب حماقات، لن تعيش سوريا مرة أخرى توحشًا سلطويًا أشد مما عاشته

بشار الأسد ورث سوريا وشعبها كمن يرث مزرعة أو قطيعًا من الغنم، فاتحًا عهد الجمهوريات الوراثية. عن أي شرعية يتحدث أتباعه اليوم؟ ألم يأتِ الأب عن طريق الانقلاب؟ وأي خطر من الإسلاميين تهابون؟ أليس هو من دفع البلاد نحو الأسلمة؟ أليس هو من نكّل بالديمقراطيين والعلمانيين واليساريين والعباد الصالحين؟

يقول أهلنا في الجزائر في أمثالهم: “قل لي من هو صديقك أقلْ لك من أنت”، والملالي هم أصدقاء الأسد. هل في نظام هؤلاء ذرة من الحرية أو العلمانية أو الإنسانية؟ ودون ذكر الأصدقاء الآخرين من روسيا إلى الصين!
هذه بديهيات تفضلون عدم رؤيتها، وربما هذا ما يبعدكم عن لب المشكلة التي هي أساسا احتكار الحكم في سوريا من قبل عشيرة نصبت نفسها وصيا على شعب بأكمله. وهو ما يؤدي دائما بمثل هذه العصابات السياسية إلى انتهاج سبيل العنف والقتل والتدمير، لأن ذلك هو السبيل الوحيد أمامها للمحافظة على السلطة وفرض الأمر الواقع.

عدم التدخل الخارجي الحاسم على الأرض لردع النظام السوري وإيقافه عند حده، جعله يرتكب جرائم هي من أسوأ المجازر التي ارتكبت في حق الإنسانية. لقد ذهب هذا النظام بغبائه وجهله ولا مسؤوليته وقصر نظره إلى حتفه كسابقيه ولاحقيه.

لا أحد يحبذ وصول الإسلاميين إلى الحكم، ومجنون من يدعو لذلك في أي بلد من البلدان. لكن لا يمكن لإنسان له ضمير حي أن يقبل بإبادة شعب خوفًا من استيلاء أصوليين على مقاليد الحكم. هل خوفًا من “ما بعد الأسد” تريدون أن تبقى سوريا ما قبل الأسد إلى الأبد؟

◄ عدم التدخل الخارجي الحاسم على الأرض لردع النظام السوري جعله يرتكب جرائم هي من أسوأ المجازر التي ارتكبت في حق الإنسانية. لقد ذهب هذا النظام بغبائه وقصر نظره إلى حتفه

لم يكن بشار الأسد ونظامه مهتمّيْن بازدهار البلد ولا بحقوق المواطنين، كما تبين تنازلات بشار اللامعقولة للروس وللملالي والإسرائيليين من أجل البقاء في الحكم. لقد كان طائفيًا، لم يكن يعادي الأصولية إطلاقًا، بل كان يرعاها ويعادي فقط الأصوليين الذين يريدون أن يفتكوا منه السلطة. أما العلمانيون فكان يعتبرهم أعداء له سواء أرادوا الوصول إلى الحكم أم لا، لأنه يختلف معهم جذريًا في مشروع المجتمع.

الأصولي والمحتل هو الأسد الذي اعتدى على الشعب السوري وحاول كسر إرادته بقوة السلاح. مشاهد الرعب في سجن صيدنايا والزنازين السرية أظهرت وحشية لا مثيل لها. وبغض النظر عن كل ما حدث، وما سيحدث، ألا تفرحون لإنقاذ هؤلاء المساجين من فم جهنّم؟ ألا ترون أنه من العار إطلاق اسم فلسطين على جناح في سجن تهان فيه كرامة السوريين، أطفالًا وشيوخًا، رجالًا ونساءً؟

مهما كان الأمر والصعوبات المستقبلية مع السلطة الحالية التي نعرف من أين جاءت وكيف تفكّر وقد ترتكب حماقات، لن تعيش سوريا مرة أخرى توحشًا سلطويًا أشد مما عاشته خلال أكثر من خمسة عقود. فما تركه النظام وراءه من شر لا يمكن أن يكرره نظام آخر، وكل تغيير سيكون حتمًا نحو الأفضل.

السلطة الجديدة الإسلاموية تعرف جيدًا أنها أمام شعب متعدد الإثنيات والديانات والمشارب قاوم نظامًا من أخطر الأنظمة، وهو قادر على مقاومة أي نظام إن حاول ممارسة الاضطهاد والتطرف والإقصاء. السلطة الجديدة تدرك أن الظرف الدولي لا يسمح بميلاد داعش آخر في المنطقة. ومع ذلك لا يجب التفاؤل المطلق، ولا التشاؤم المطلق أيضًا.