تعرض المرشح الجمهوري الأبرز للرئاسة الأمريكية، دونالد ترامب، لمحاولة اغتيال أثناء ممارسته رياضة الجولف في فلوريدا الأحد، 15 سبتمبر/أيلول، مما فتح الباب أمام التساؤلات عن أثر مثل هذه الحادثة في بلد يحمل تاريخًا طويلًا ومؤلمًا من الاغتيالات السياسية.
يوم الأحد، تعرض ترامب، لمحاولة اغتيال أثناء ممارسته رياضة الجولف في فلوريدا قبل أن تمكن السلطات من القبض على المشتبه به، الذي كان مختبئًا بالقرب من الملعب ومسلحًا ببندقية هجومية من طراز AK-47. ورغم خطورة الموقف، لم يُصب ترامب بأذى.
في بلدٍ مثل الولايات المتحدة، الذي يحمل تاريخًا طويلًا ومؤلمًا من الاغتيالات السياسية، مثل الرئيس السابق جون كينيدي، تعتبر محاولة استهداف رئيس سابق ومرشح قوي للرئاسة مرتين في غضون فترة قصيرة، تطورًا خطيرًا يثير تساؤلات عديدة حول الأبعاد السياسية والأمنية لهذه الحوادث.
جاء رد فعل حملة ترامب سريعًا، حيث أعلنت أن “إطلاق النار وقع بالقرب من الرئيس السابق، لكنه بخير وبصحة جيدة”.
ولم يضيع ترامب الفرصة لاستثمار الموقف، إذ علّق على الحادث وقال لمؤيديه: “سمعت طلقات نارية في محيط المكان، قبل أن تبدأ الشائعات في الخروج عن السيطرة، أردت أن تسمعوا هذا أولًا: أنا بخير وبصحة جيدة”.
وأضاف: “لن يوقفني شيء. لن أستسلم أبدًا!.. أحبكم دائمًا لدعمكم لي. الوحدة. السلام. ولنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”.
لكن السؤال الأبرز الذي يطرحه المحللون هنا يتجاوز الحادث بحد ذاته، ليصل إلى الأبعاد السياسية الأعمق التي قد تنتج عن هذه الحوادث. هل يمكن اعتبار هذه المحاولات جزءًا من جهود تهدف إلى تقويض حملة ترامب الانتخابية؟ أم أن ترامب يستغل هذه الأحداث لتعزيز صورته كمرشح مستهدف يواجه ضغوطًا سياسية غير مسبوقة، مما يزيد من تعاطف قاعدته الانتخابية معه؟
هل هي محاولة ثانية لاغتيال ترامب؟
أعلن مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي “أف بي آي” يوم الأحد أن إطلاق النار بالقرب من ملعب الجولف الخاص بدونالد ترامب في فلوريدا يُعتبر محاولة اغتيال للمرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة. وذكر المكتب في بيان أنه استجاب للحادث في مقاطعة “ويست بالم بيتش” ويجري تحقيقًا في الحادثة التي تبدو أنها استهدفت حياة الرئيس السابق ترامب.
بحسب إفادات الشهود، هرب المشتبه به في سيارة سوداء، لكن السلطات تمكنت من تعقب السيارة بمساعدة شاهد عيان. وتم التعرف على المشتبه به من قبل وسائل الإعلام الأمريكية، وهو ريان روث البالغ من العمر 58 عامًا، والذي تم القبض عليه لاحقًا.
وتعد هذه محاولة اغتيال فاشلة أخرى ضد دونالد ترامب في غضون شهرين، ففي يوم السبت 13 من شهر يوليو/ تموز الماضي، تعرض ترامب لمحاولة اغتيال أثناء مخاطبته حشدا من مؤيديه في تجمع انتخابي بولاية بنسلفانيا.
فخلال بث مباشر للخطاب، ظهر ترامب فجأة وهو يمسك أذنه اليمنى بعد أن أصابته رصاصة، قبل أن ينبطح أرضًا. عقب السيطرة على المهاجم وتحييده من قبل الحرس، تمكن ترامب من الوقوف، رغم نزيف الدم من أذنه، ورفع يده اليمنى محمسًا الحضور بكلمة “حاربوا حاربوا حاربوا”
على الرغم من الحادث، أكد ترامب أنه سيواصل حملته الانتخابية “دون خوف”، وحث مؤيديه على “التوحد وإظهار شخصيتهم الحقيقية وعدم ترك الشر ينتصر”. كما وعد بالظهور مرة أخرى في ولاية ويسكونسن خلال نفس الأسبوع لمخاطبة جمهوره.
حينها أعرب، الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن سعادته بسلامة ترامب وقال: “أنا ممتن لسماع أن ترامب آمن وبصحة جيدة. أصلي من أجله ومن أجل عائلته ومن أجل جميع الذين كانوا ضمن التجمع”. وأضاف بايدن أن العنف السياسي لا مكان له في أمريكا، داعيًا إلى الوحدة الوطنية. كما أدان الرئيس السابق باراك أوباما الحادث، مؤكدًا أن العنف السياسي ليس له مكان في الديمقراطية الأمريكية
من وراء الاغتيال؟
في محاولة الاغتيال الأولى، عرَّف مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي هوية المشتبه به المقتول بأنه توماس ماثيو كروكس، الذي يبلغ من العمر 20 عاما، من ولاية بنسيلفانيا.
بعد الحادث، تم نقل ترامب إلى المستشفى حيث تلقى العلاج وخرج لاحقًا في نفس اليوم. أظهرت الصور التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ترامب وهو يرفع قبضته في الهواء، في إشارة إلى التحدي، بينما كان يرتدي ضمادة على أذنه.
الحادث أثار جدلاً واسعًا حول مستوى الحماية التي توفرها الخدمة السرية الأمريكية للرئيس السابق. وتمت دعوة مديرة الخدمة السرية، كيمبرلي شيتل، للإدلاء بشهادتها أمام لجنة في الكونغرس، واستقالت من منصبها بعد فترة وجيزة من تلك الشهادة بسبب الانتقادات الموجهة حول الإخفاقات الأمنية.
خلال المحاولة الأولى، نقلت وسائل إعلام أمريكية أن المشتبه به كان مسجلا في ولاية بنسيلفانيا كجمهوري، لكن سجلات تمويل الحملات الفدرالية تظهر أيضا تبرعه بملغ 15 دولارا لمجموعة مؤيدة للديمقراطيين عام 2021.
أما في المحاولة الأخيرة، فلا تزال الحقائق غير معلومة، بما في ذلك دوافع المشتبه به الواضح، الذي تم تحديده على أنه رايان ويسلي روث البالغ من العمر 58 عامًا.
وبعيدًا عن توصيف مكتب التحقيقات للحادث، فإنه حتى اللحظة، لم يتبين على وجه الدقة، ما إذا كان الحادثُ “محاولةَ اغتيالٍ” حقيقية، تتطابق في صراحتِها مع المحاولة الأولى الفاشلة والتي تعرض لها ترامب قبل شهرين من الآن، ما جعل التأثير السياسي لحادث ” ويست بالم بيتش ” غير واضح، على النقيض من المحاولة الأولى، التي أثارت موجةً من ردود الفعل من جانب المشرعين في جميع أنحاء العالم ومجتمع الأعمال، وأعلنَ الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك ـ حينها ـ دعمَهُ لترامب.
وفقًا لتقارير BBC Verify، تم العثور على ملفات تعريف على وسائل التواصل الاجتماعي تتطابق مع اسم رايان ويسلي روث، المشتبه به في محاولة اغتيال دونالد ترامب الأخيرة، والتي تشير إلى أنه دعا مقاتلين أجانب للذهاب إلى أوكرانيا للقتال ضد القوات الروسية. يُذكر أن روث، رغم عدم امتلاكه خلفية عسكرية، قد سافر إلى أوكرانيا في أعقاب الغزو الروسي عام 2022 بهدف العثور على مجندين عسكريين بين الجنود الأفغان الذين فروا من طالبان
تشير التقارير الأولية إلى أن روث لديه سجل إجرامي، ووفقًا لمصادر سي بي إس، فقد اتُهم وأُدين بارتكاب العديد من الجرائم الجنائية – بما في ذلك حمل سلاح مخفي. لكن في الوقت نفسه، وصفه نجله أوران بأنه “أب محب وحنون” في تصريح لوسائل الإعلام الأمريكية.
أصدرت حملة ترامب بياناً في أعقاب الحادث الذي وقع في وقت سابق الأحد. وأوضحت الحملة نقلاً عن ترامب “سمعت طلقات نارية في محيط وجودي، ولكن قبل أن تبدأ الشائعات في الخروج عن السيطرة، أردت أن تسمعوا هذا أولاً: أنا بخير وبصحة جيدة!”
في المقابل، أدانت كاملا هاريس نائبة الرئيس بايدن، المرشحة الديمقراطية، ما وصفته بالعنف السياسي وقالت “لقد تم إطلاعي على تقارير عن إطلاق أعيرة نارية بالقرب من الرئيس السابق ترامب وعقاراته في فلوريدا، وأنا سعيدة لأنه آمن”.
من المستفيد؟
بعد محاولة الاغتيال الأولى التي وقعت في يوليو/تموز، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست، سعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى حشد أنصاره بأخبار عن محاولة ثانية محتملة لاغتياله، إذ أطلق نداء لجمع التبرعات للحملة قال فيه “هناك أشخاص في هذا العالم سيفعلون كل ما يلزم لوقفنا”، في حين حث مستشاروه موظفي الحملة على أن يكونوا “يقظين” بشأن الأمن.
لم يصب ترامب بأذى في المحاولة الأخيرة، وفقًا لحملته. لكن الحادث جدد التساؤلات عن المحاولتين.
فمازالت هيئة الخدمة السرية تبحث في الثغرات الأمنية التي سمحت لمسلح بإطلاق النار من سطح قريب في تجمع انتخابي لترامب في 13 يوليو/تموز في بتلر بولاية بنسلفانيا، مما أسفر عن مقتل أحد الحضور وترك ترامب ملطخا بالدماء. ولم يحدد المحققون الدافع وراء إطلاق النار الذي توفي الآن، توماس ماثيو كروكس، الذي كان لديه صور للرئيس جو بايدن وترامب على هاتفه ولم يُظهر أي علامات على وجود دافع سياسي.
رغم ذلك، حمَّل عدد من أعضاء الحزب الجمهوري ومؤيدي ترامب حملة الرئيس بايدن مسؤولية محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق. فعلى سبيال المثال بعد الحادثة، قال السيناتور الجمهوري عن ولاية أوهايو، جي دي فانس، إن “ما حدث اليوم ليس حادثة معزولة”. وأضاف فانس أن “الفرضية الأساسية لحملة بايدن هي أن الرئيس ترامب استبدادي فاشي، ويجب إيقافه بأي ثمن”.
في الأسابيع التي تلت ذلك، أثار ترامب ادعاءات لا أساس لها من الصحة بشأن الهجوم أيضًا.
وأشار دون دليل إلى أن منافسيه السياسيين، بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس، جعلوا من الصعب على الخدمة السرية حمايته قبل إطلاق النار في بتلر. ولم يرد عندما اتهمت مونيكا كرولي، مضيفة البودكاست اليمينية، الوكالات الحكومية بـ “السير ببطء” على الأدلة وسألت ترامب، “هل يبدو لك بشكل متزايد أن هذا كان عملاً مشبوهًا، وربما حتى داخليًا؟”
قال ترامب: “إنه أمر مشبوه للغاية. كلما رأيته أكثر، كلما بدأت تقول، “قد يكون هناك شيء آخر”.
بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها دونالد ترامب في يوليو/تموز 2024، أثارت الحادثة موجة كبيرة من ردود الأفعال من جانب المشرعين ومجتمع الأعمال حول العالم. من بين هذه الردود، كان إعلان إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، دعمه العلني لترامب.
ماسك، الذي يتمتع بنفوذ كبير في عالم التكنولوجيا، لم يكتفِ بإعلان دعمه، بل ساعد أيضًا في إنشاء لجنة عمل سياسية مؤيدة لترامب، وأجرى مقابلة معه على منصته الخاصة للتواصل الاجتماعي إكس (المعروفة سابقًا باسم تويتر)، مما زاد من زخم حملة ترامب.
حينها وفي ظل هذا الدعم المتزايد لترامب، بدأ كبار المحللين والمراقبين السياسيين يتوقعون احتمالية فوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مما ساهم في زيادة الضغوط المتزايدة تجاه الرئيس جو بايدن لإنهاء محاولاته لإعادة انتخابه. مما جعله يتخلى عن سباق الرئاسة لنائبته، كامالا هاريس، لتصبح مرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية، التي حصلت بسرعةٍ على دعم الحزب الديمقراطي، واختارت الأكاديمي والسياسي تيم والز نائبًا لها، وجمعت أكثر من 500 مليون دولار.
اللافت أيضاً، أن محاولة الاغتيال الأولى جاءت قبل يوم من انطلاق المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري لعام 2024 خلال الفترة من 15 إلى 18 يوليو/تموز، في ولاية ويسكونسن، والذي كان من المتوقعأن يشهد اعتماد الحزب ترشيح ترامب رسميا لخوض سباق المنافسة للوصول إلى البيت الأبيض.
بينما تأتي المحاولة الثانية، بعد أيام من تفوق كاملا هاريس على دونالد ترامب في المناظرة، فوفقًا للعديد من المحللين واستطلاعات الرأي، بما في ذلك استطلاع أجرته وكالة رويترز، تفوقت هاريس على ترامب في تلك المناظرة. حيث أظهرت النتائج أن 53٪ من المشاركين في الاستطلاع اعتبروا هاريس الفائزة في المناظرة، بينما رأى 24٪ فقط أن ترامب كان الأفضل. كما أشار 52٪ من المشاركين إلى أن ترامب بدا متعثرًا وغير حاضر الذهن خلال المناظرة، بينما قال 21٪ نفس الشيء عن هاريس.
لكن، على الرغم من ذلك، ترى مجلّة “ذي إيكونوميست” أن محاولة الاغتيال الأخرى سوف تؤثر بالإيجاب على حملة ترمب الرئاسية التي تحملت في الأشهر الأخيرة صدمة تلو الأخرى.
وأشارت المجلة إلى أن التركيز الإعلامي الذي تمتعت به هاريس في أعقاب مناظرتها القوية ضد ترمب قبل أيام سوف يتراجع صداه الآن مع تركيز وسائل الإعلام على محاولة الاغتيال.
هل هي محاولة من ترامب لحشد الدعم؟
رغم توصيف مكتب التحقيقات الفدرالي للحادث الذي وقع في ملعب الجولف الخاص بدونالد ترامب على أنه محاولة اغتيال، إلا أن الغموض ما زال يحيط بتفاصيل هذه الحادثة. حتى اللحظة، لم يتم التحقق بشكل كامل مما إذا كانت هذه المحاولة تتطابق مع الحادثة الأولى في يوليو/تموز من حيث الجدية والأهداف الواضحة.
وسائل إعلام محلية أثارت تساؤلات مشروعة حول كيفية تمكن فرد مسلح بشكل كبير من الدخول بسهولة إلى ملعب الغولف والاختباء هناك بين الشجيرات.
و السؤال الرئيسي الذي يطرحه كثيرون هو: كيف سُمح لترامب بالخروج إلى ملعب الغولف بعد أن نجا بصعوبة من محاولة اغتيال في بنسلفانيا قبل بضعة أشهر؟ فماذا يتوقع أن يحدث في بلدٍ له، له تاريخ طويل من الاغتيالات السياسية الكارثية، مثل اغتيالات جون كينيدي ومحاولات اغتيال رونالد ريغان و جيرالد فورد. بالإضافة إلى أن تأمين مواقع مثل ملاعب الغولف تحدٍ صعب.
و قد تزايدت الشكوك حول سرعة تعقب المشتبه به واعتقاله. ففي غضونِ دقائقَ قليلةٍ تم فحص لوحة أرقام السيارة من خلال أجهزةِ قراءة لوحاتِ الترخيص في الولاية، وتم تعقب المشتبه به الهارب بسرعةٍ إلى الطريق السريع I-95 واحتجازه على الفور تحت تهديد السلاح.
والأكثر دهشة وكما أشار ويليام سنايدر، عمدة مقاطعة مارتن المجاورة حيث تم الاعتقال، أن المشتبه به لم يكن مسلحًا وبدا “هادئًا نسبيًا، ولم يكن يُظهر الكثيرَ من المشاعر”.
من اللافت أيضًا أن حملة ترامب لم تتحدث كثيرًا عن تفاصيل الحادث مباشرة بعد وقوعه، بل ركزت على تحفيز أنصارها لجمع التبرعات، إذ سارعت حملة ترامب مجددًا لتحفيز أنصاره وجمع التبرعات لدعم الحملة، فأرسلت بريدًا إلكترونيًا إلى المؤيدين جاء فيه: “لا شيء سيبطئني. لن أستسلم أبدًا! سأحبكم دائمًا لدعمكم لي. الوحدة. السلام”.
كانت الرسالة مرفقة برابط لجمع التبرعات، وركزت على حث المؤيدين على الاستمرار في دعم ترامب، مشيرة إلى أن، “هناك أشخاص في هذا العالم سيفعلون كل ما يلزم لوقفنا. لن أتوقف عن القتال من أجلكم”. كما تضمنت الدعوة مجددًا إلى “الوحدة. السلام”.