تصاعدت الانتقادات داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال الساعات الماضية على أثر تدهور الحالة الاقتصادية للدولة العبرية مع استمرار العدوان على قطاع غزة والزيادة الكبيرة في كلفة مواصلة العمليات العسكرية، وهو ما بدأ كتاب المقالات بالصحافة العبرية في التحذير العلني منه.
وذكر المدير العام السابق لوزارة المالية الإسرائيلية، ديفيد بروديت، في مقال نشره بصحيفة “جلوبس” العبرية وترجمه “الخليج الجديد”، أن هذه الحرب تنطوي على نفقات عسكرية ومدنية لم تشهد إسرائيل مثلها منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، مؤكدا أن الهدف المعلن من الحرب، وهو تدمير القدرة العسكرية والإدارية لحماس، يتطلب جهداً عسكرياً هائلاً.
وأضاف أن الحاجة إلى القتال في شبكة الأنفاق الواسعة والمعقدة التي بنتها حماس على مدار عقد من الزمن تعني حرباً طويلة، وكلما طال أمدها، كلما تعاظمت الأضرار الاقتصادية.
وتابع بروديت: “لقد شملت حروبنا الأخيرة الجبهة الداخلية أيضاً. تضرر سكان النقب الغربي بشدة من الهجوم القاتل الذي وقع في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وقدرت الأضرار، إلى جانب إطلاق الصواريخ على أماكن أخرى، بمبلغ 5-6 مليار شيكل، تشمل كلفة منازل مدمرة، ومركبات محترقة، ومصانع ومنشآت معطلة عن العمل، ومحاصيل غير محصودة.
وأشار إلى أن الحرب تسببت في أكبر عملية إخلاء واسعة النطاق للمستوطنات في إسرائيل، في الجنوب وفي الشمال، إذ نزح نحو 125 ألف شخص، وستتطلب إعادة تأهيل المستوطنات في النقب إعادة بناء المنازل، ومرافق الإنتاج، والبنية التحتية، بتكلفة تصل إلى 3-4 مليارات شيكل، حتى يتمكن السكان الحاليون من العودة واستيعاب سكان جدد.
وأكد بروديت أنه لا يثق بوزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، مشيرا إلى أن الأخير لديه خلافات مع قسم الميزانيات في الوزارة، ولديه أحلامه وأجندته الخاصة بتوجهاته السياسية، والتي تتعارض مع توصيات مدراء الوزارة.
ويرى بروديت أن اللحظة الراهنة هي وقت العودة إلى الحديث عن الاقتصاد والحديث بشكل أقل بكثير عن السياسة والأيديولوجية، وعلى وزير المالية أن يستمع أكثر إلى طاقمه المهني وإلى بنك إسرائيل.
وأوضح أن بنك إسرائيل يقوم بوظيفته كبنك مركزي، حيث يتعامل مع أسعار الصرف وسوق رأس المال والسياسة النقدية، لكن لم يتم الاستماع له كمستشار اقتصادي، ومن المهم أن يكون أكثر انخراطا في هذا الصدد.
افتتاح جيد
ونوه بروديت إلى أن الموقف الاقتصادي الافتتاحي لإسرائيل في حرب غزة كان جيدًا، رغم تدهور الاتجاهات الاقتصادية قبل الحرب بسبب مقترحات الإصلاح القضائي، التي أثارت احتجاجات تاريخية في إسرائيل، فقد كانت احتياطيات العملات الأجنبية مرتفعة، وكان ميزان المدفوعات جيداً، وكان من المتوقع أن يكون العجز المالي لعام 2023 أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن 3 أسابيع من استمرار الحرب كلفت إسرائيل 8 مليارات شيكل هي رواتب حوالي 360 ألف جندي احتياطي عسكري، فضلا عن طعامهم والمعدات والأسلحة الخاصة بهم، كما بلغ الإنفاق المدني الإضافي للحكومة حوالي 4 مليارات شيكل، بما في ذلك الإسكان لـ 125 ألف شخص تم إجلاؤهم، ودفع التعويضات للمتضررين ماليا، والإنفاق الخاص على الصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2023، سيستمر القتال وحشد الاحتياطيات، ما يقدر بروديت كلفته العسكرية بـ 20 مليار شيكل أخرى، بينما قدر التكلفة المدنية بنحو 13 مليار شيكل، ما يعني أن الإنفاق الحكومي بين 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي و31 ديسمبر/كانون الأول القادم سينمو بنحو 45 مليار شيكل.
وبافتراض أن الحكومة حولت 12 مليار شيكل لتمويل هذا الإنفاق من الموازنات القائمة وأن الضرر على إيرادات الدولة سيكون حوالي 10 مليار شيكل، فإن العجز المالي سيرتفع بنحو 42 مليار شيكل، ليصل إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، دون أي عمليات عسكرية في الشمال.
وسيؤدي تمويل العجز إلى زيادة عبء خدمة الدين، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة في إسرائيل والخارج، بحسب بروديت، الذي شدد على ضرورة إعادة النظر في موازنة عام 2024، لأنها لم تعد تمت للواقع الجديد بصلة.
واعتبر أن تمويل العجز يجب أن يأتي أولاً من تحويل الميزانيات من البنود الأقل أهمية إلى احتياجات الحرب وعواقبها المدنية، مؤكدا أنه لا يمكن تجنب حدوث ارتفاع مؤقت في العجز المالي والدين الحكومي.
ويرى بروديت أن الطريقة الرئيسية لتمويل الحرب هي من خلال إصدار السندات الحكومية، لأن توافر التمويل في أسواق الديون الخارجية قد تأثر، فيما يجب حصر العجز المالي لعام 2024 فيما لا يزيد عن 5% من الناتج المحلي الإجمالي، أو 7% إذا انخرطت الجبهة الشمالية في الحرب.
ويتوقع المدير العام السابق لوزارة المالية الإسرائيلية أن يبلغ الدين الحكومي بعد ذلك 66-68% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يتراوح العجز بين 100 مليار شيكل و140 مليار شيكل، بشرط استمرار حصول القوات الجوية على ذخائرها من المساعدات الأمريكية، خارج الميزانية الحكومية.
سوق العمل
ويحذر بروديت من أن تعبئة الاحتياطيات، التي تبلغ حوالي 8% من القوى العاملة، ومعظمها من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و45 عامًا، تضر بالناتج المحلي الإجمالي، مشيرا إلى أن قطاع الإنشاءات سيكون الضحية الرئيسية، حيث لا يُسمح للعمال الفلسطينيين بالدخول، كما غادر العمال الأجانب، ويخشى عرب إسرائيل من الخروج للعمل، ولأسباب مماثلة، هناك نقص في القوى العاملة في مجال الزراعة.
وأضاف أن سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية تعطلت بسبب تعبئة السائقين وعمال المستودعات، وفي قطاعات الخدمات سيرتفع عدد حالات تسريح العمال.
واقترح بروديت اتخاذ قرار بأن تكون استحقاق إعانة البطالة عن الإجازة غير مدفوعة الأجر جزئية، وليست بذات القيمة التي جرى دفعها خلال جائحة كورونا.
وفي الربع الرابع من العام الجاري، يتوقع بروديت انكماش الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بنسبة 5%، نتيجة تراجع النشاط في بعض الصناعات، محذرا من أن تعبئة الاحتياطيات لفترة ممتدة في عام 2024 ستؤدي إلى خسارة القوى العاملة الصناعية، كما أن اندلاع الحرب بشكل كامل في الشمال سيستلزم المزيد من التعبئة المطولة، وتكاليف إضافية، وسيؤدي إلى إلحاق ضرر أكبر بالاقتصاد.
كما سيؤثر استمرار القتال، بكثافة منخفضة، واستمرار تعبئة الاحتياطيات، على النمو في عام 2024، والمتوقع أن يصل إلى 1.5%، في حين سيصل معدل البطالة إلى 5%. وسيكون للإنفاق العسكري تأثيره في الفترة 2025-2027 أيضًا.
وبقدر ما تعمل السياستان المالية والنقدية بشكل صحيح وبطريقة منسقة، فسيكون لهما تأثير مفيد على النمو والتضخم، بحسب بروديت، مشيرا إلى أن بنك إسرائيل قام بهذا الدور عبر استخدام احتياطياته من النقد الأجنبي، البالغة 200 مليار دولار، وإعلان محافظ البنك أنه سيتم استخدام 30 مليار دولار لتحقيق استقرار العملة، ولذا فمن المتوقع أن لا يقل سعر صرف الشيكل عن 4 أمام الدولار الأمريكي.
عجز مضاعف
وفي سياق متصل، ذكر رئيس اتحاد المقاولين السابق في إسرائيل، أورين دوري، في مقال نشره في “جلوبس” وترجمه “الخليج الجديد“، أن تأثير الحرب أصبح واضحًا الآن، حيث اتسع العجز المالي لإسرائيل إلى 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ليصل إلى 47.2 مليار شيكل على مدى الـ 12 شهرًا الماضية، وفقًا لتقارير شعبة المحاسبين العامين بوزارة المالية.
وأضاف أن الإنفاق الحكومي الرئيسي، مثل دفع رواتب جنود الاحتياط في الجيش، وإيواء 90 ألف شخص تم إجلاؤهم في الفنادق، لن يتم تضمينه حتى بيانات نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، كما لن يتم تضمين النفقات الثقيلة الأخرى مثل تعزيز الجيش وإعادة تأهيل الجنوب في البيانات إلا في وقت لاحق، ما يعني أن تقدير الكلفة المالية سيكون أعلى بكثير.
وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي في إسرائيل قبل الحرب اتسم بالعجز المالي على الجانبين، أي كان الإنفاق الحكومي في ارتفاع وكانت الإيرادات في انخفاض، وهو ما تعمق بعد الحرب.
فقد أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية أن الإنفاق الحكومي المتعلق بالحرب بلغ 5 مليارات شيكل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأن الانخفاض في الإيرادات يقدر بنحو 3 مليارات شيكل.
ويعزو دوري نصف الانخفاض في الإيرادات إلى الضرر الذي لحق بالنشاط الاقتصادي، والباقي إلى تأجيل دفع الضرائب بسبب تسهيلات التحصيل خلال فترة الحرب.