الرئيسية / أخبار / ضغوط الداخل والخارج قد تجبر إسرائيل على تغيير استراتيجيتها في غزة

ضغوط الداخل والخارج قد تجبر إسرائيل على تغيير استراتيجيتها في غزة

سلط مركز “ستراتفور” الضوء على الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة على إسرائيل إما لتسريع هجومها البري في قطاع غزة مع المجازفة بالتسبب في تصعيد إقليمي مفاجئ أو التخلي عن هدفها المعلن المتمثل في تدمير حركة حماس بالكامل، مشيرا إلى أن هذه الضغوط ضد تجبر إسرائيل على تغيير استراتيجيتها.  

وذكر المركز، في تقديره نشره موقعه الإلكتروني وترجمه “الخليج الجديد“، أن تقريرا أمريكيا أورد أن مصادر داخل الجيش الإسرائيلي أشارت إلى أنه سيركز على الغارات الجوية لإضعاف حماس والجماعات المسلحة الأخرى في غزة، بدلاً من شن هجوم واسع النطاق عبر القطاع بأكمله.

ويتوافق هذا التقرير مع المناورات البرية التي قام بها الجيش الإسرائيلي في وقت مبكر في القطاع، فمنذ بدء العمليات البرية يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول، ركزت إسرائيل على عزل مدينة غزة، أكبر مدينة في القطاع، والقيام بعمليات محدودة تهدف إلى تفكيك معاقل حماس الرئيسية وتقييد تحركات الحركة والجماعات المسلحة الأخرى. ولم يشارك في هذه العمليات سوى جزء صغير من القوات المحتشدة على الحدود بين غزة وإسرائيل.

ويسعى النهج الذي تتبعه إسرائيل إلى تقليل الخسائر في صفوف الجيش إلى الحد الأدنى وزيادة احتمال اكتشاف الأسرى الذين تحتجزهم حماس.

وفي الوقت نفسه، يشير تقدير “ستراتفور” إلى أن تجنب غزو واسع النطاق يهدف إلى تهدئة الضغط الأمريكي على إسرائيل للسماح بهدنة مؤقتة لأسباب إنسانية مع تزايد الضغط السياسي في واشنطن لوقف إطلاق النار.

وقد تساعد الإستراتيجية العسكرية المتغيرة بغزة في الحد من حجم المساعدة المالية المطلوبة لدعم الشركات المتضررة من التعبئة واسعة النطاق للجيش الإسرائيلي، والتي قد تتجاوز المستويات التي جرت خلال ذروة جائحة كورونا في عام 2020.

وقامت إسرائيل باستدعاء حوالي 360 ألف جندي احتياطي ردًا على عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول على جنوب إسرائيل، ما يمثل أكبر استدعاء للاحتياط في تاريخ البلاد.

ولم يتم نشر جميع هذه القوات في قطاع غزة؛ وتمركز بعضها على طول الحدود الشمالية وفي الضفة الغربية لردع التصعيد المحتمل من إيران ووكيلها اللبناني حزب الله.

ويفوق عدد الجيش الإسرائيلي بشكل كبير مقاتلي حماس في قطاع غزة، حيث تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن عدد قوات حماس كان يتراوح بين 25 ألفاً إلى 30 ألفاً قبل الحرب.

وأعربت الولايات المتحدة علناً عن قلقها بشأن الخسائر في صفوف المدنيين بغزة، وهي الخسائل التي أثارت رد فعل دبلوماسي كبير ضد إسرائيل على الساحة الدولية.

الضغوط الخارجية

وكثيراً ما كانت الحملات العسكرية الإسرائيلية مقيدة بعوامل ديموغرافية ودبلوماسية واقتصادية، ما منع نشوب حروب طويلة مع التعبئة الكاملة. ففي العدوان على السويس عام 1956، أوقفت إسرائيل والمملكة المتحدة وفرنسا الحملة العسكرية عندما هدد الضغط الأمريكي بزعزعة استقرار اقتصاد المملكة المتحدة.

وفي حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، أجبرت المخاوف بشأن تورط القوى العظمى كل امن الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة على التعاون لفرض وقف إطلاق النار.

وفي الآونة الأخيرة، استمرت حرب غزة، التي اندلعت في عام 2021 نحو 11 يومًا، ثم علقت إسرائيل عملياتها العسكرية ضد حماس بعد أن أشارت واشنطن إلى رغبتها في إنهاء الحرب.

ومن المرجح أن يهدف النهج التدريجي الذي تتبعه إسرائيل تجاه العملية العسكرية في غزة جزئياً إلى كسب الوقت لصياغة خطة لحكم القطاع بعد الحرب.

ولم تسفر الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط في 4 تشرين الثاني/نوفمبر، والتي التقى خلالها مع الحلفاء والشركاء الإقليميين في الأردن وتركيا والعراق والضفة الغربية، عن التوصل إلى إجماع حول كيفية إدارة قطاع غزة في أعقاب الحرب.

وهناك تقارير عن خلافات مستمرة داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي حول مستقبل الحكم في غزة بعد الحرب.

وفي مقابلة أجرتها معه وسائل إعلام أمريكية، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى أن الجيش الإسرائيلي سيحتفظ على الأرجح بدور أمني طويل الأمد في قطاع غزة، رغم أن هذا الدور لم تتم صياغته في سياسة رسمية بعد.

وفي الوقت نفسه، قال مسؤولون إسرائيليون آخرون، مثل وزير الجيش، يوآف جالانت، في وقت سابق إنهم يفضلون “نظامًا أمنيًا” جديدًا على الاحتلال الإسرائيلي المباشر للقطاع.

ورغم أن التقدم البطيء في العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة مدفوع على الأرجح باعتبارات تكتيكية على الأرض، فإنه يوفر أيضًا للدبلوماسيين والسياسيين وقتًا إضافيًا لصياغة إطار لخطة حكم محتملة بعد توقف العمليات القتالية الكبرى.

ورفضت السلطة الفلسطينية أن يكون لها دور في غزة ما بعد الحرب، خشية أن يؤدي أي تدخل بعد عملية عسكرية إسرائيلية إلى إضعاف شرعيتها بشكل أكبر وإثارة احتجاجات عنيفة في الضفة الغربية.

واستكشفت الولايات المتحدة إمكانية نشر قوة متعددة الجنسيات في قطاع غزة، حيث عرضت دول مثل تركيا نشر جنودها في حالة إنشاء مثل هذه القوة. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح كيف ستحكم هذه القوة قطاع غزة وتدير مسؤوليات إعادة الإعمار.

ولم تبد مصر، التي حكمت قطاع غزة من عام 1948 إلى عام 1967، اهتماماً كبيراً بالاضطلاع بدور أمني أو إداري في القطاع بسبب المخاوف بشأن التكاليف المرتبطة بذلك واحتمال اضطرار قواتها الأمنية إلى محاربة المقاومين الفلسطينيين.

ولأسباب أمنية إقليمية وسياسية داخلية، من المتوقع أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا أكبر على إسرائيل لوقف العمليات القتالية الكبرى إذا امتد القتال إلى عام 2024، في حين من المرجح أن يدفع السياسيون الإسرائيليون إلى تغيير الاستراتيجية العسكرية كرد فعل على الضغوط الاقتصادية التي ستتراكم في عام 2024.

والأكثر إلحاحاً، حسب تقدير “ستراتفور”، هو أن البيت الأبيض يشعر بالقلق من أن الصراع الممتد يمكن أن يؤدي إلى تصعيد إقليمي وما يصاحبه من صدمات في مجال الطاقة، وكلاهما يمكن أن يؤدي إلى توريط القوات الأمريكية في حرب إقليمية، ما سيكون له آثار سياسية سلبية في داخل الولايات المتحدة.

ففي استطلاع للرأي أجراه المعهد العربي الأمريكي، الشهر الماضي، قال 17% فقط من الأمريكيين العرب إنهم يعتزمون التصويت للرئيس، جو بايدن، إذا أجريت الانتخابات اليوم، وهو انخفاض حاد عن 59% قالوا إنهم يؤيدون بايدن في عام 2020.

وتعتبر ولاية ميشيغان، حيث يشكل العرب الأمريكيون كتلة تصويتية كبيرة، حاسمة بالنسبة لحملة إعادة انتخاب بايدن، ولذا يتم تحفيز الإدارة الأمريكية لتسهيل إنهاء الحرب في غزة قبل بدء موسم الحملة الانتخابية بشكل جدي.

الداخل الإسرائيلي

وعلى مستوى الداخل الإسرائيلي، يشير الساسة والمسؤولون الاقتصاديون إلى أن استمرار الحرب من شأنه أن يخلق مخاطر اقتصادية غير مقبولة للبلاد على المدى الطويل.

 وفي حين أن الاقتصاد الإسرائيلي سيتحمل آثار التعبئة الكاملة خلال الأشهر القليلة المقبلة، فإن الحرب قد تكلف ما يصل إلى 51 مليار دولار، أو 10% من الناتج المحلي الإجمالي، إذا استمرت من 10 إلى 12 شهرًا، وفقًا لصحيفة كالكاليست.

وإضافة لذلك، يؤثر الانتشار الجماعي للعمال في الجيش على المعاملات التجارية والقوى العاملة الأساسية، فضلا عن توقف السياحة. وبالإضافة إلى هذه الضغوط الاقتصادية، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل ستكون مسؤولة جزئيًا عن إعادة إعمار قطاع غزة.

واتبعت إدارة بايدن سياسة مؤيدة لإسرائيل في أعقاب “طوفان الأقصى”، لكن هذا النهج واجه جدلاً متزايداً، خاصة بين الناخبين الشباب والمسلمين داخل حزبه الديمقراطي، ودعا المنتقدون إلى وقف إطلاق النار من جانب واحد لأسباب إنسانية، ما دفع بايدن للتوجه نحو دعم وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية استجابة لهذا الضغط.

وبعد وقت قصير من بدء الحرب، خصص البنك المركزي الإسرائيلي 45 مليار دولار من الاحتياطيات لدعم عملة الدولة العبرية (الشيكل)، إذ كانت إسرائيل تحتفظ بأكثر من 200 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي قبل الحرب.

ومن المرجح أن تدفع هذه الضغوط مجتمعة إسرائيل إلى إجراء تعديلات على استراتيجيتها العسكرية، إما بتسريع وتيرة العمليات القتالية في قطاع غزة أو تعديل الأهداف العسكرية لتجنب هجوم واسع النطاق.

وإذا اختار الجيش الإسرائيلي تسريع الغزو، فقد تنتهي العمليات القتالية الكبرى بسرعة أكبر، ومع ذلك فإن هذه السرعة ستأتي على حساب المزيد من الخسائر العسكرية والمدنية الإسرائيلية، خاصة مع تحرك الجيش الإسرائيلي جنوبًا، حيث لجأ معظم اللاجئين الفلسطينيين، بحسب تقدير “ستراتفور”.

ومن شأن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين أن يؤدي إلى تفاقم الوضع الدبلوماسي لإسرائيل وتشجيع التصعيد من جانب حزب الله وإيران، اللذين من المرجح أن يشعرا بأنهما مجبران سياسيا على الرد على سقوط المزيد من الضحايا الفلسطينيين من خلال تصعيد الهجمات على القوات الإسرائيلية والأمريكية في جميع أنحاء المنطقة.

وبدلاً من ذلك، يمكن للضغوط الدبلوماسية والاقتصادية أن تدفع مجلس الوزراء الإسرائيلي إلى النظر في حلول أخرى من شأنها أن تترك جزءاً من قطاع غزة على الأقل غير محتل من قبل إسرائيل وبعض الأهداف العسكرية الإسرائيلية دون تحقيق.

وقد تتجلى الحلول البديلة أيضاً، بحسب “ستراتفور”، في صورة اتفاق لوقف إطلاق النار تنسحب بموجبه حماس من القطاع، وهو ما لن يحقق هدف إسرائيل المعلن المتمثل في تدمير الحركة في غزة.

غير أن رد حماس على أي وقف لإطلاق النار أو اتفاق للانسحاب و/أو الاستسلام يظل غير مؤكد، حيث ترفض الحركة المفاوضات مع إسرائيل.

وأخيرا، يمكن لإسرائيل أن تسمح للقوات الدولية، مثل الأمم المتحدة أو قوة حفظ السلام الدولية الأخرى، بالسيطرة على أجزاء من القطاع.

 ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية قد لا تعالج بشكل فعال المخاوف الأمنية الإسرائيلية، حيث أن التفويض الممنوح لمثل هذه القوة لن يشمل بالضرورة قمع حماس وغيرها من الجماعات المسلحة.

ويخلص “ستراتفور” إلى أن الحجم الجغرافي الصغير لقطاع غزة يجعل من شن هجوم بري شامل خياراً قابلاً للتطبيق، نظراً لخطوط الإمداد القصيرة لدى إسرائيل والدفاعات المحدودة لدى حماس.