المهندس سليم البطاينه
على مر التاريخ كانت إدارة الاقتصاد الرشيدة هي مفتاح نهضة الشعوب وتقدمها وازدهارها، حيث ان الادارة النزيهة لموارد الدولة توفر أموال إضافية لاستثمارها في جوانب أخرى مثل تحسين التعليم والصحة والنقل والبنى التحتية وامتلاك بحث علمي موثوق،،، وفي المقابل فإن الإدارة الغير حكيمة عادة ما تكون سبباً في الانحدار والانهيار وتفشي الفقر وانتشار الفساد!
الاردنيون يتعرضون كل يوم؛ بل طوال اليوم لعمليات خداع من بنوك وشركات ماليه وتقنيه! وهذه الشركات والبنوك تستغل بخبث جهل الاف المواطنين! وهي على يقين ان المواطن سيصدق اي كلام يقوله موظف خدمة العملاء في تلك الشركات والبنوك.
والاردن عمليا أصبح يعيش في ظل ديكتاتورية الأوليغارشيات للبنوك والشركات! ومحكوم بلوبيات كبرى تسيطر على كل شيء، وتفرض قوانينها كيفما تشاء! وغالباً مؤثرة في السلطة والقرار السياسي، حيث تقلد الكثيرون من أفرادها مناصب وزارية ، والبعض الآخر شغل مناصب قيادية.
بين يدي تقرير تم نشره قبل أيام على منصة غلوبال إس دبليو إف (Global SWF ) كشف أن البنك الدولي ( World Bank ) وجد دلائل على ان الشركات والبنوك في عدد كبير من دول الشرق الاوسط تتمتع بارتباطات سياسية وحازت على نفوذ وحماية ، وحظيت بامتيازات ، وتلعب دوراً رئيسياً في الجغرافيا السياسية ، وأصبح لها نفوذ مؤثر في دوائر صُنع القرار السياسي والاقتصادي ( انتهى الاقتباس(.
فعلى سبيل المثال من غير المعقول في الاردن أن تكون أرباح البنوك على القروض تتجاوز رأس المال الأصلي أو تساويه خلال فترة قصيرة من الزمن ! فهنالك بنوك معينة في الأردن لا يعنيهم شيء سوى جني الارباح السريعة! وهم غير معنيين بتحفيز التنمية أو النهوض بالمشاريع لإنعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل، وليس لديهم أدنى اهتمام بالمسؤولية الاجتماعية.
ولنأخذ مثالا، البعض من شركات الاتصالات لا تلتزم بالعقود المبرمة،، وتلزم المواطن المسكين بالتوقيع على عقد مدته سنتين! مستغلين حاجته فيما يتعلق بسرعة الانترنت وقيمة الاشتراكات الشهرية، وحزم الانترنت المتفق عليها بالعقد، والقيام بتمديد اشتراكات المواطنين دون اخذ موافقتهم،،، فليس معقولًا ان تبقى تلك العقود الموقعة مع البنوك والشركات (عقود إذعان) تتحكم بها الشركات والبنوك تحفظ لها حقوقها ولا تحفظ للمواطنين أي حق من حقوقهم! والسبب أن المُشرّع الاردني وعن قصد وبفعل فاعل لم يمنح السلطة للقضاء ان يعيد التوازن في مثل تلك العقود.
وهذا يدل على مدى قوة الطرف المزود والمقدم للخدمة أو القرض بصفته الطرف الذاعن في العقد.
لنذهب ايضاً الى فواتير شركات الكهرباء، وارجو ان أضع هذه المعلومة الفنية: في حالات انخفاض شدة التيار الكهربائي الى (١٧٠ فولت) فإن قراءة العداد تتضاعف في كل (٣ كيلو واط) استهلاك فعليا يضيف العداد كيلو واط أضافي على المستهلك! بمعنى ان ٣ ك واط استهلاك تدون ٤ كيلو واط،،، أي أن الجهاز الكهربائي يقوم بتعويض انخفاض الفولت على حساب زيادة استهلاك الامبير.
في هذا السياق من المهم فهم طبيعة قوة بنوك وشركات مالية معينة في الاردن! حيث ترجع قوتها إلى ان الاوراق المتوفرة تحت تصرفهم فريدة من نوعها،، وهذا هو أحد الاسباب في صعوبة كبح جماحهم،،،، فبعض من أسماء البنوك والشركات المالية خلقت بُعداً في الجغرافيا السياسية الاردنية.
فغياب الاصلاحات السياسية الحقيقية اظهر الرأسمالية والمحسوبية، وبموجب ذلك استحوذت نُخب معينة على جانب كبير من الثروة متمتعة بالامتيازات الممنوحة لها،،، حيث تتبادل تلك النُخب المكاسب فيما بينها! الأمر الذي ادى إلى إضعاف المنافسة الاقتصادية، وجعلها مجرد شعار يتم اللجوء اليه في المؤتمرات والاجتماعات فقط.
للأسف، إنها متواليات غير مسؤولة وغير معقولة! فعبث الواقع في الاردن فاق أي خيال! والدولة لا تريد أن تسمع صراخ ووجع الناس، وتصم الاذان كي لا تسمع شيئاً يعكر صفوتها،،، ولا تكلف خاطرها بفعل أي شيء،، فالأردنيون يدفعون فواتيرهم وفوائد قروضهم دون نقاش! ويذهبون صوب الدفع الالكتروني دون احتراف! وأصبحوا لا يقيمون وزناً لدينار أو خمسة او عشرين او مائة،،، فتلك الشركات لا يجوز أن تبقى وحدها دون منافس، يقدّم لها الدعم والتسهيل من مؤسسات الدولة كافة التي تَحُث على استخدامها، مع العلم انه اذا دفع المواطن نقداً غُرم بمبلغ أضافي عقوبة له على عدم استخدام تلك الخدمة (الدفع الالكتروني).
فهناك مؤسسات داخل الدولة اوقفت استخدام البطاقات الائتمانية وخدمة البريد الاردني لعيون تلك الشركات والتي عليها الكثير من اللّغط.
المؤشرات تعكس صعوبة الواقع في الاردن، واتساع دائرة الفقر وضعف نصيب الفرد الاردني من اجمالي الدخل القومي.
كل ذلك وضعنا أمام اقتصاد مغلق لصالح فئة معينة تكدّس الاموال لصالحها! وهو ما ساهم في تنامي التفاوت الطبقي والاجتماعي، وقتل روح المبادرات الشبابية، وأسفر عن تفشي الفساد بصورة وبائية.
والاسئلة التي تُثار: لماذا هناك اشخاص في الاردن لديهم كل شيء بدون جهد يذكر؟ فيما تعاني الاغلبية من صعوبة المعيشة؟ ولماذا هناك من يحتكر مصادر القوة من شركات ومؤسسات وبنوك، فيما اخرون محرومون منها؟ فقد سمحت الدولة خلال السنوات السابقة الماضية لعدد قليل بالسيطرة على قطاعات حساسة معينة واحتكارها من بنوك وشركات مالية وشركات تأمين وشركات تعدين وتوليد طاقة (شمسية واخرى) واتصالات … الخ.
المعادلة باتت واضحة جداً: تتضاعف أرباح البنوك والشركات ويتقلص انتاج الاقتصاد الوطني الاردني ويتضخم الدين العام،،،، وهذا يستدعي طرح علامات استفهام كثيرة عن الأسباب التي تحول دون تدخل الحكومات واتخاذ اجراءات جدية لانقاد الاقتصاد الوطني.
المهندس البطاينة نائب أردني سابق