سلط الزميل غير المقيم في مركز السياسة الدولية في واشنطن، سينا توسي، الضوء على خطاب المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، في 11 يونيو/حزيران، أمام مجموعة من العلماء والخبراء والمسؤولين في الصناعة النووية الإيرانية، مشيرا إلى أن “لغته الدبلوماسية قدمت مؤشرا على رؤى مهمة حول موقف إيران التفاوضي وتحمل تداعيات خطيرة على مستقبل المفاوضات النووية والعلاقات بين الولايات المتحدة وإيران”.
وذكر توسي، في تحليل نشره موقع “ريسبونسيبل ستيتكرافت” وترجمه “الخليج الجديد“، أن خطاب خامنئي جاء في منعطف حاسم لبرنامج إيران النووي وعلاقاتها مع واشنطن وحلفائها الغربيين، إذ توقفت المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران منذ سبتمبر/أيلول، بعدما اتهم الجانبان الآخر بتقديم مطالب غير معقولة.
وأشار إلى أن مساعدة الحكومة الإيرانية لروسيا في حرب أوكرانيا وقمعها الوحشي لحركة الاحتجاج في جميع أنحاء البلاد أدى إلى تعطيل عملية التفاوض.
وفي هذه الأثناء، كانت إيران تتقدم بثبات في أنشطتها النووية من خلال زيادة مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، وتركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تقدمًا، وتقليل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وزادت هذه التحركات، التي تتجاوز الحدود الموضوعة بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، زادت المخاوف بشأن نوايا إيران مع اقترابها من القدرة على الاختراق النووي.
وفي حين أن الاستعادة الكاملة للاتفاق غير مرجحة بشكل متزايد، حسبما يرى توسي، إلا أنه أشار إلى إمكانية استفادة كلا الجانبين من “اتفاقية أصغر” تتضمن تنازلات متبادلة، واصفا مثل هذا الاتفاق بأنه “سيساعد في تخفيف التوترات ومعالجة مصالح كل منهما جزئيًا، وبالتالي تجنب أزمة فورية”.
وأضاف أن موافقة خامنئي على اتفاق نووي محتمل، تعطي إشارة على أن طهران مستعدة لتقديم بعض التنازلات من أجل التوصل إلى اتفاق.
ومع ذلك، فإن السؤال الرئيسي هو: ما الذي قصده خامنئي باشتراط الحفاظ على البنية التحتية النووية الإيرانية؟ وهل يشمل ذلك أجهزة طرد مركزي متطورة، ومخزونات من اليورانيوم عالي التخصيب، ومواد ومعدات نووية أخرى تشكل خطر انتشار الأسلحة النووية؟
البنية التحتية
وفي سياق الإجابة، يشير توسي إلى أن قلق إيران الأساسي يكمن في تلقي تأكيدات بأن الولايات المتحدة ستحترم أي صفقة جديدة، ومن ثم، يجادل الكثيرون في إيران بأن الحفاظ على أجزاء كبيرة من النية التحتية النووية، حتى لو تم وضعها تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو الإشراف الدولي، يعد ضمانة ضرورية ضد أي انسحاب أمريكي محتمل من اتفاقية جديدة.
لكن الحفاظ على البنية التحتية النووية كما هي موجودة اليوم ينتهك بوضوح القيود المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015.
وفي خطابه، كرر خامنئي موقف إيران الراسخ منذ فترة طويلة بأنها لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية وشدد على أن مثل هذه الأسلحة، إلى جانب الأسلحة الكيميائية التي تقتل الناس بشكل عشوائي، محظورة على أسس دينية. وأصر على أن ادعاء الغرب بشأن “الخوف من إنتاج أسلحة نووية في إيران” كذبة، مضيفًا أن مجتمع المخابرات الأمريكية اعترف عدة مرات، بأنه لا يوجد مؤشر على تحرك إيران نحو إنتاج أسلحة نووية.
ومن المثير للاهتمام أن خطاب خامنئي تزامن مع تقارير، مصدرها وسائل إعلام كورية وإسرائيلية وقطرية، تشير إلى أن الولايات المتحدة وإيران تفكران بالفعل في اتفاقية محدودة أو مؤقتة، تشمل تجميد بعض خطوات التقدم النووي الإيراني مقابل تخفيف جزئي للعقوبات.
ومع ذلك، نفى كلا الجانبين حتى الآن التوصل إلى أي اتفاق مؤقت أو ترتيب بديل يتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة.
ضغوط قوية
وهنا يشير توسي إلى أن المخاطر كبيرة بالنسبة للجانبين، حيث يواجهان ضغوطًا محلية ودولية لحل المأزق النووي، لافتا إلى أن خامنئي يسعى إلى ضمان نجاح الرئيس المحافظ، إبراهيم رئيسي، باعتباره ربيبه وخليفته المحتمل، وتأمين مصالح إيران الاستراتيجية ونفوذها الإقليمي، وتجنب المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، خاصة أن كلاهما هدد باستخدام القوة إذا فشلت الدبلوماسية في منع إيران من الاستحواذ على أسلحة نووية.
ومن ناحية أخرى، يهدف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى الوفاء بوعده بالدبلوماسية مع إيران، ومنع حدوث أزمة نووية يمكن أن تؤثر سلبًا على حملة إعادة انتخابه في عام 2024، ومعالجة مخاوف حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، خاصة إسرائيل والسعودية، بشأن طموحات إيران النووية وسلوكها الإقليمي. وفي هذا السياق، يشير خطاب خامنئي إلى دعم حكومة رئيسي لمتابعة حل دبلوماسي مع واشنطن.
لكن توسي يلفت إلى أن أي اتفاق جديد يحمل مخاطر وتحديات لكلا الطرفين، إذ يجب أن يتعامل كل منهما مع توقعات وردود فعل جماهيرهما المحلية والدولية، والتي قد يعارض بعضها أو يسعى إلى تقويض الصفقة.
ففي الولايات المتحدة، تواجه إدارة بايدن مقاومة من المشرعين، خاصة الجمهوريين، الذين عارضوا الاتفاق النووي منذ فترة طويلة ويفضلون الإبقاء على العقوبات الاقتصادية الصارمة ضد إيران، بل وزيادتها.
وسيواجه بايدن تحديًا كبيرًا في إقناع الكونجرس والرأي العام الأمريكي بأن التعامل مع طهران يخدم المصلحة الوطنية، لا سيما في ضوء علاقات طهران الوثيقة مع موسكو منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.
وبالمثل، يجب على رئيسي أن يتعامل مع المتشددين من اليمين الإيراني، الذين يعارضون أي تنازلات بشأن برنامج إيران النووي، ويجادلون بأنه سيكون من التهور تصور أن الولايات المتحدة ستفي بوعودها بالنظر إلى انسحاب الرئيس السابق، دونالد ترامب، الأحادي من الاتفاق النووي السابق.
اتفاق مصغر
ومع ذلك، “فإن خطاب خامنئي قد يساعد في حماية رئيسي من الانتقادات المحلية إذا تمكن دبلوماسيوه من إبرام صفقة” حسبما يرى توسي.
ويخلص الباحث في العلاقات الدولية إلى أن كلا من إيران والولايات المتحدة تشتركان بمصلحة قوية في التوصل إلى اتفاق، يمكن أن يكون مؤقتا وأكثر محدودية من سابقه، وأن يكون بمثابة جسر حاسم يخفف التوترات بشكل فعال ويضع أساسًا لمزيد من المفاوضات حول برنامج إيران النووي.
ومن المحتمل أن يمهد خطاب خامنئي الطريق لتحقيق اختراق في المأزق النووي الذي طال أمده، أو على الأقل يخفف من خطر حدوث مزيد من التصعيد والمواجهة مع الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن “تحقيق مثل هذه النتيجة لا يزال غير مؤكد، حيث يواجه كلا الجانبين ضغوطًا محلية ودولية هائلة يمكن أن تعرقل العملية الدبلوماسية” بحسب توسي.