محسن القزويني
بحضور عدد من زعماء دول المنطقة، سينعقد مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة يوم غدٍ السبت والذي سيحضره بالإضافة إلى دول الجوار (السعودية وإيران وتركيا والأردن والكويت) وايضا الرئيس المصري والرئيس الفرنسي وقطر والامارات بالإضافة إلى ممثلين عن الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوربي وممثلين عن دول العشرين.
وسينظر المؤتمر في المشتركات الاقتصادية بين هذه البلدان لإيجاد منظومة اقتصادية تستفيد منها دول المنطقة. وبالرغم من خلو المؤتمر في أجندته من مناقشة الخلافات الجانبية بين الدول الحاضرة للمؤتمر، لكن بالقطع واليقين أن اللقاءات الجانبية بين الدول المتخاصمة على هامش المؤتمر سيكون من أهم أجندات المؤتمر،
حيث لا اقتصاد ولا ازدهار بدون الأمن والاستقرار، أي سيسعى المؤتمر إلى قلع جذور التوتر والخلافات بين الأطراف الإقليمية والدولية حتى يسهل الطريق أمام انطلاقة اقتصادية تطمح إليها دول المنطقة، فقد عان العراق والمنطقة من نتائج هذه الاختلافات، وكان لابد من وضع حد لها. وهذا المؤتمر سيكون الفرصة السانحة لمواجهة التحديات والخلافات التي كانت السبب في ظهور الإرهاب وترعرعه في المنطقة، وهذا هو أول ما يحتاجه العراق ويدعو إليه وهو أهلٌ للقيام بهذا الدور، فهو البلد المسالم المقبول لدى جميع دول العالم والذي يطمح إلى إيجاد علاقات وطيدة مع جميع الدول ما عدا إسرائيل. من هنا كان العراق الدولة المرشحة دائماً لجمع الفرقاء وتذويب الخلافات وترصين العلاقات الإيجابية بين دول المنطقة في منظومة جيو سياسية تدفع بشعوبها إلى التقدم والازدهار.
وقد انقسم العراقيون إلى فئتين فئة لا ترى خيراً من هذه المؤتمرات، كونها تُحَلِّق في سماء الآخرين ولا تحاول أن تضع يدها على الجرح. ويعتبرون مثل هذه المؤتمرات مجرد دعاية إعلامية للحكومة التي لم تستطع أن تعالج المشاكل الداخلية، نقول لهذه الفئة: لو كان المؤتمر فعلاً بلا برنامج وخطة مدروسة لاستثمار هذا الحدث الدبلوماسي الكبير والذي لا يستطيع أحد أن يقوم به الا العراق الذي سيجمع المتخاصمين والمختلفين حول طاولة حوار واحدة لمناقشة أهم قضية تمس أمن العراق والمنطقة فإن هذا الحدث سيُحسب للعراق وسيحقق الكثير للشعب العراقي سواء في المجال الاقتصادي أو الأمني، فاتفاق الفرقاء على أرض الرافدين له مداليل كثيرة ومن معانيه ؛ ان العراق سوف لن يكون أرضا لتصفية الحسابات. وعلى الجميع أن يحافظوا على سيادته ويحموا شعبه من صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل. والفئة الثانية الداعمة للمؤتمر تترقب منه الكثير
وتعتقد ان المؤتمر سيجلب للعراق الخير الوفير، سيجلب له المال والماء والكهرباء والشركات الاستثمارية وهم يحلمون بغدٍ مشرقٍ للعراق في ظل الانفتاح الاقتصادي، وفتح الجسور بينه وبين دول الجوار، ولهؤلاء نقول: لا تتفاءلوا كثيراً فالمؤتمر سوف لا يستطيع أن يحل مشاكل العراق طالما هناك معوقات داخلية ستقف حاجزا أمام أي تطور مستقبلي لهذا البلد.
فالفساد الضارب بجذوره في عمق بنية الدولة العراقية، وسوء الإدارة، وعدم وجود الخطط المدروسة سيبدد أي مشروع يُراد له النهوض بالواقع العراقي، وسيجعل هذا المؤتمر كغيره من المؤتمرات مجرد أحلام وردية. فلابد من نظرة واقعية إلى هذا المؤتمر لا نظرة تشاؤم ولا نظرة تفاؤل. فإذا استطاع مؤتمر بغداد أن يحقق ثلاث قضايا فقد حقق أهدافه، وهو ما يريده العراق فعلاً.
القضية الأولى: احترام سيادة العراق وعدم التجاوز على حدوده وحقوقه سواء كان تجاوزا عسكرياً او جغرافيا أو اقتصادياً.
القضية الثانية: ابعاد العراق عن الصراعات الإقليمية وعدم التدخل في شؤونه وترك أبنائه ليحلوا مشاكلهم بأنفسهم.
القضية الثالثة: إعطاء حق العراق في المياه والنفط وإلغاز حيث هناك أنهار وآبار مشتركة بين العراق ودول الجوار كان على هذه الدول احترام هذه الحقوق واجراء اتفاقات وتفاهمات ثنائية بحيث لا يُسلب حقه في ثرواته.
اعتقد ان المؤتمر اذا استطاع ان يحقق هذه الأمور الثلاثة ويعلن ذلك في بيانه الختامي فقد حقق الكثير، لأن أكثر ما عاناه العراق خلال العقود الماضية سببه عدم احترام سيادته والتجاوز على أرضه وحقوقه والتدخل في شؤونه الداخلية.
وهذا المؤتمر هو المنصة التي يستطيع من خلالها العراق أن يُحقق تلك الأهداف الثلاثة إن تمكن من استثمار هذه الفرصة الذهبية وأن لا يُضيعها بالأمور الجانبية، كما هو الحال في مؤتمر الكويت الذي لم يحقق الهدف الذي انعقد من أجله.
سيكون مؤتمر بغداد امتحاناً للدبلوماسية العراقية على قدرتها في استثمار الوقت والمكان لتحقيق ما يصبو اليه الشعب العراقي من سلام واستقرار ورفاه.
كاتب عراقي