تائج الانتخابات التشريعية والبلدية التي جرت في المغرب، أول أمس الأربعاء، طوت صفحة حزب “العدالة والتنمية” التي استمرت ولايتين اثنتين، أي مدة عشر سنوات، كانت بدايتها متأثرة بتداعيات الربيع العربي عام 2011.
خسر حزب رئيس الحكومة الحالية 113 مقعدا مقارنة بآخر انتخابات تشريعية، إذ لم يتمكن من الحصول على عضوية البرلمان فيه سوى 12 مرشحا، مما سيحرمه حتى من تشكيل فريق نيابي، إذ يُشترط لذلك التوفر على 20 نائبا برلمانيا كحد أدنى؛ كما سيجعله بعيدا عن إمكانية التأثير في الحياة السياسية المحلية حتى من موقع المعارضة، باعتباره صار حزبا “صغيرا”.
هذه النتيجة دفعت أعضاء الأمانة العامة للحزب، وفي مقدمتهم الأمين العام سعد الدين العثماني، لتقديم استقالتهم، بسبب نتائج الانتخابات، حسب بيان تلقت “القدس العربي” نسخة منه.
نتيجة كانت متوقعة منذ شهور، بعدما تكرر خطاب “الشكوى” و”المظلومية” على لسان قياديي الحزب المذكور، بمن فيهم أمينه العام سعد الدين العثماني، وهو خطاب اتخذ مستويات عدة: من جهة انتقاده لبعض الأحزاب “الحليفة” ضمن الأغلبية بادعاء أنها توظف “الإنجازات” الحكومية من أجل الدعاية لنفسها، وانتقاد آخر للإدارات المركزية بزعم أنها تحاول تقزيم صورة الحزب ومكانته، وتصاعدت حدة تلك الاحتجاجات والانتقادات خلال الحملة الانتخابية الأخيرة.
لكن الناخبين المغاربة قالوا كلمتهم، وصوتوا تصويتا “عقابيا” ـ وفق تعبير محللين ـ ضد “العدالة والتنمية” الذي انتهج سياسة “أضرّت” بالكتلة الناخبة الكبيرة المكونة من الطبقة الوسطى والفئات الاجتماعية الفقيرة. ويعطي المراقبون أمثلة على ذلك بتصاعد البطالة، والغلاء المتزايد للمنتجات الاستهلاكية، واعتماد نظام التعاقد في توظيف المدرّسين، وإصلاح قوانين المعاش، فضلا عن المشكلات الموجودة في الصحة والتعليم والإدارة.
الأكيد أن الحزب فقد شعبيته التي استثمرها بعد “حراك 20 فبراير” 2011، خاصة بالنظر إلى التصريحات المدوية لأمينه العام السابق ورئيس الحكومة سابقا عبد الإله بن كيران، حيث اكتشف المواطنون البون الشاسع بين الشعار والواقع، بين البرامج والوعود المعلن عنها وحقيقة الممارسات على الميدان.
على مستوى التدبير السياسي، لم يكن بإمكان “العدالة والتنمية” أن يكون إلا بتلك الصورة، سيما بالنظر إلى وجود تحالف هجين وغير متجانس لأحزاب متصارعة فيما بينها. فطريق العمل الحكومي كان مليئا بـ”المطبات” و”الحوادث”، بدءا من انسحاب حزب “الاستقلال” من الحكومة الأولى برئاسة عبد الإله بن كيران سنة 2013، مرورا بأزمة تشكيل الحكومة الثانية سنة 2017، وصولا إلى خروج حزب “التقدم والاشتراكية” سنة 2019 من حكومة سعد الدين العثماني.
في مقابل ذلك، تصدّر حزب “التجمع الوطني للأحرار” المشهد السياسي المغربي بفوزه بـ 97 مقعدا في الانتخابات التشريعية، حيث سيجد الطريق أمامه معبدا لتشكيل “أغلبية” برلمانية وحكومية مريحة، بمعية كل أو بعض الأحزاب التي تلته في ترتيب النتائج: “الأصالة والمعاصرة” (82 مقعدا)، “الاستقلال” (78 مقعدا)، “الاتحاد الاشتراكي” (35 مقعدا)، “الحركة الشعبية” (26 مقعدا)، “التقدم والاشتراكية” (20 مقعدا).
إنه التاريخ يعيد نفسه، فـ”التجمع الوطني للأحرار” لم يُخلَق سوى ليكون في السلطة بل ومتزعما لها؛ فهذا الحزب الذي أنشأه أحمد عصمان، زميل العاهل الراحل الحسن الثاني في الدراسة وصهره، سنة 1978، جاء آنذاك بهدف الرغبة في مواجهة قوة أحزاب تاريخية (خاصة “الاتحاد الاشتراكي” و”الاستقلال”)، وتولى رئاسة الحكومة، وظلّ لسنين في رئاسة مجلس النواب.
واليوم، كان هدفه الإطاحة بحزب “العدالة والتنمية”؛ مع فارق في المعطيين، من حيث كون الانطلاقة الأولى كانت بتدخل مباشر وقوي من لدن السلطة، أما المعطى الحالي فقد جاء بناء على صناديق الاقتراع، حيث استثمر حزب الملياردير عزيز أخنوش، وزير الفلاحة، لتحقيق الفوز الكاسح، حالة السخط الشعبية من حزب “المصباح” من جهة، والوعود البراقة التي أطلقها حزب “الحمامة” نفسه تجاه الناخبين من جهة ثانية. وكان له ما أراد. فهل سيفلح في إذكاء جذوة الأمل في نفوس المغاربة؟ يتساءل المواطن، وهو يعيش غمرة الفرح بنتائج الانتخابات التي يصفها بالعرس الديمقراطي الكبير.
الرئيسية / أخبار / المغرب: زلزال سياسي يطيح بـ«العدالة والتنمية» وزعيم «التجمع الوطني» القريب من الملك يستعد لتشكيل حكومة جديدة