د. شهاب المكاحله
يجري جلالة الملك عبد الله الثاني في 15 فبراير 2018 مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو وتأتي الزيارة الملكية بعد عام تقريبا على زيارته لروسيا. والزيارة الحالية تحمل أهمية كبيرة على كافة الأصعدة لأنها تأتي في وقت تتأزم فيه دول منطقة الشرق الأوسط وسط اشتباكات بين القوات السورية والإسرائيلية قرب الحدود الأردنية القريبة من مناطق خفض التصعيد كما أنها تأتي في وقت أعلن فيه ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي حقيبة الملك اليوم ملف زيادة التعاون الامني الاستخباراتي بين الجانبين لمواجهة الارهاب وملف القدس والقضية الفلسطينية وسبل التصدي للتطرف والارهاب.
فمع ازدياد حدة المواجهة بين إسرائيل وسوريا وايران في الجنوب الغربي لسوريا بات واضحا أنه إذا لم تتدخل روسيا لإنهاء هذا التوتر فإن الأمور ستتجه للتصعيد أكثر وقد تطال الاشتباكات مناطق حدودية ين الأردن وسوريا وإسرائيل ولبنان ما يعني فرض واقع جديد على الاردن وتحييد عمل مركز المراقبة والرصد المتواجد في عمان.
ليس سرا أن سوريا تحولت إلى ساحة صراع دولي وإقليمي. إنه الاسبوع الحافل عسكريا. فقد أسُتهدفت أربع طائرات خلال اسبوع إذ أسقط معارضون قاذفة روسية من نوع Su-2 في ريف إدلب ، وأسقط مقاتلون أكراد مروحية تركية قرب عفرين شمال حلب، وأسقط إسرائيليون طائرة من دون طيار”درون” إيرانية فوق الجولان، ودمرت المضادات الأرضية السورية طائرة “إف – 16” إسرائيلية. كما قصفت قاذفات أميركية مواقع عسكرية للجيش السوري وحلفائه في شرق الفرات.
ماذا يحمل الملك من ملفات لبوتين؟
إن الهم الاقتصادي الذي يثقل كاهل الاردنيين يعد من أحد أهم الملفات التي تدفع بالملك لتلك الزيارة لأنه لا يريد أي تصعيد سياسي أو عسكري على الحدود الأردنية-الاسرائيلية-السورية ما قد يضيف ملح على جرح الاردنيين. فإن أي تصعيد يعني دخول المنطقة برمتها في أتون حرب جديدة قد نعرف بداياتها ولكن لا نعرف نهاياتها. يريد جلالة الملك الحصول على ضمانات من الرئيس الروسي حول مناطق خفض التصعيد في الجنوب السوري في درعا والقنيطرة والسويداء ما يعني ابعاد كل من إيران و”حزب الله” عن الحدود الاردنية الاسرائيلية السورية وعن خط فك الاشتباك في الجولان. تشير المعلومات الاستخباراتية أن روسيا قد نشرت 12 نقطة مراقبة وعناصر شيشانية لتنفيذ اتفاق “خفض التصعيد” بعمق خمسة كيلومترات في الجنوب السوري لكن ذلك، لم ينقذ الموقف ولم يوقف العمليات العسكرية بين الجانب السوري والاسرائيلي.
تأتي زيارة جلالة الملك لموسكو عقب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لروسيا في 29 من يناير الماضي ولقائه مع الرئيس الروسي وكان نتنياهو قد أبلغ بوتين بأن هناك “أربعة مصانع إيرانية للسلاح في سوريا ولبنان، وان حزب الله وميلشيات إيرانية باتت تنتشر قرب خط فك الاشتباك في الجولان، كما أن بنود اتفاق خفض التصعيد الأميركي – الروسي – الأردني لم تنفذ كما ينبغي”. كل ذلك أثار حالة من القلق لدى الإسرائيليين الذين يسعون اليوم إلى تغيير تلك المعادلة. ولكن روسيا التي تعلم بأن صاروخ سام-200 ما كان ليطلق لولا ضوء أخضر من موسكو تعلم كذلك أن إسرائيل لا يمكنها اختراق الاجواء السورية دون علم روسي بذلك. ما يعني أن اللاعب الرئيسي على الأرض السورية هو الجيش الروسي ولا أحد سواه. فروسيا هي التي تستطيع لعب دور الوسيط بين اسرائيل وايران وسوريا لضبط النفس وعدم التصعيد.
فمن بين جميع الدول المجاورة لسوريا،كان الأردن أكثر حذرا منذ اندلاع الصراع في مارس / آذار 2011. وبطبيعة الحال،كان الأردن يشعر بقلق عميق إزاء التهديد المتمثل في انتشار حالات عدم الاستقرار والعنف، حيث كان أكثر انشغالا بضمان قدرته على الصمود من بقاء أو زوال بشار الأسد. وبالنظر إلى ما يمكن أن يترتب على الحرب الأهلية التي طال أمدها من زعزعة للاستقرار ،فقد سعت عمَان باستمرار إلى التوصل إلى اتفاق سياسي لإنهاء الصراع. وكان رد الأردن على التطورات في سوريا مدفوعا في المقام الأول بالمخاوف من الآثار الأمنية والسياسية المحتملة للأزمة في المملكة ناهيك بوجود اكثر من مليون لاجئ سوري في الاردن.
عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية
من الملفات التي سيطرحها الملك عبدالله الثاني مع الرئيس الروسي عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين خصوصا بعد ان تدهورت الثقة بين الجانبين عقب اعلان الرئيس الاميركي في 6 ديسمبر 2017 عن عزمه نقل السفارة الأميركية من تل ابيب الى القدس واعترافه بالقدس عاصمة ابدية لإسرائيل ما يُعقد المسائل اكثر في مستقبل حل الدولتين. ويرى الملك أن الحل الامثل للصراع هو العمل على حل الدولتين ومن ثم التطرق الى قضية القدس تجنبا للمواجهات لأن المستفيد من أي تأخير في الحل السياسي للقضية الفلسطينية هم المتشددون من الجانبين ما يدفع المنطقة ألى المزيد من التطرف والارهاب. ويرى العاهل الاردني أن حل القضية الفلسطينية لا يمكن أن يكون دون تنسيق روسي أميركي وهذا هو لب الحديث في كثير من لقاءات جلالته الأخيرة في عدة محافظات في الأردن.