د. شهاب المكاحله –
تعيش المنطقة حالياً حالة من التوتر التي لم تشهدها من قبل وليس أدل على ذلك من الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي قدمها في 4 أكتوبر 2017 من الرياض والتي تعكس طبيعة المرحلة القادمة وما تحمله من حروب ومناوشات قد تتسبب في عاصفة يعقبها إعصار على المستويات كافة منها: اللبنانية والعربية والإقليمية والدولية ، مع بعض المؤشرات على حرب قادمة بين إسرائيل وحزب الله.
من الصعب تحديد المرحلة التالية. لكن ما يمكن قوله هو أنه يجب على إسرائيل أن تغير طريقتها في معالجة الأمور. ويجب أن تتوقف عن اللعب بالنار لأن الحرب في سوريا تسدل الستار على الفصل الأخير من الحرب على الإرهاب مع بقاء الأسد وهو ما عكسه لقاء مسؤولين أمنيين أميركيين في دمشق قبل أيام مع مسؤول الأمن القومي السوري علي مملوك ما يعني أن مستقبل الرئيس السوري ما عاد على طاولة المفاوضات. ولذلك فإن أية محاولة من جانب إسرائيل لزعزعة استقرار المنطقة ستقود إلى حرب بين أكثر من طرف قد تمتد إلى بحر قزوين والخليج العربي والبحر الأحمر والبحر المتوسط.
تقرع إسرائيل طبول الحرب في المنطقة كما أن تل أبيب تلقي باللائمة على واشنطن وموسكو لإخفاقهما في معظم القضايا الإقليمية. إن العمليات الجارية في المنطقة تثير قلقاً عميقاً لإسرائيل، مع افتقارها إلى استراتيجية واضحة، تنعكس في مقاربات صامتة هادئة تجاه القضايا الإقليمية. لعل دعم تل أبيب للاستفتاء الكردي هو ورقة مهمة لفهم النهج الإسرائيلي في جدول الأعمال الإقليمي. كما أن الاضطراب الدائم في المنطقة هو ضمان لأمن واستقرار اسرائيل التي تستعد لشن هجوم على حزب الله في حرب مفصلية.
وفي وقت سابق، قال وزير الدفاع الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان إن الحرب القادمة على الجبهة الشمالية لإسرائيل ستكون مع سوريا ولبنان. وأضاف فى بيان صادر عن وزارة الدفاع أن الجبهة الشمالية هي الجيش السوري وحلفاؤه بما في ذلك حزب الله. كما تحدث ليبرمان عن إمكانية شن حرب على الجبهات الشمالية والجنوبية (قطاع غزة) في نفس الوقت. “إذا اندلعت معارك مفتوحة، لا فرق إن كانت في الشمال أو الجنوب لأنها سوف تنفجر في نفس الوقت، وبعد ذلك سوف نقاتل على كلا الجبهات، وبالتالي علينا أن نُعد جيشنا لهذه المعركة القادمة أو هاتين المعركتين.”
لعل إعلان استقالة الحريري من الرياض والتغييرات الأخيرة في قيادات البحرية السعودية والحرس الوطني وغيرها والتي تمهد لتنصيب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ملكاً للسعودية، وتزامن كل ذلك مع سقوط مدينة دير الزور في يد الجيش السوري والسقوط المتوقع لمدينة الرقة، العاصمة الرسمية لداعش، بأيدي قوات سوريا الديمقراطية ، هي بمثابة الاستعدادات للحرب ضد إيران وفصائلها في المنطقة ما يعني أن المنقطة ستنفجر في أي وقت قريب في الأشهر القليلة المقبلة، مع ترجيح أن تشتعل الحرب في ربيع عام 2018.
لم تتغير الحسابات والحقائق التي تشكل قرار الحرب منذ عام 2013 عندما جاءت الأساطيل الأميركية إلى البحر الأبيض المتوسط عندما امتنعت الولايات المتحدة عن المضي قدماً في قرار الحرب بسبب مخاطر المواجهة مع روسيا، وسعت الإدارة الأميركية إلى حل سياسي للأسلحة الكيمياوية السورية. وقد تغير المشهد السياسي والعسكري في الشرق الأوسط منذ عام 2013، ولم تكن الإدارة الأميركية الحالية هي نفسها. فالروس لديهم حضور قوي في الشرق الأوسط، وتركيا خارج التحالف الأميركي اليوم بل هي أقرب إلى الحلف الروسي مع إيران كما أن استعادة الجيش السوري السيطرة على حلب ودير الزور، وإحباط الجيش العراقي المحاولة الكردية لإقامة دولة مستقلة في شمال العراق مع احتضار داعش في كل من العراق وسوريا.
في العامين 2016 و 2000 شن حزب الله حربين ضد إسرائيل؛ وفي الوقت الحاضر، ستقود واشنطن الحرب وفقاً لعدد من المؤشرات. ففي اليوم 23 من اكتوبر كانت الذكرى الرابعة والثلاثين لتفجير قاعدة المارينز الأميركية في بيروت عام 1983 والتي أدت الى مقتل 241 جندياً اميركياُ و 58 جندياً فرنسياً في هجوم انتحاري شنته خلايا حزب الله.
وقد وجه نائب الرئيس الأميركي مايك بينس تحذيرات جديدة إلى ايران وحزب الله في تلك الذكرى في كلمة ألقاها بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين لتلك الحادثة. وقال: “قبل أربعة وثلاثين عاماً، دخلت الولايات المتحدة في حرب مع عدو على عكس ما واجهناه في أي وقت مضى. كان تفجير ثكنة بيروت هي الطريق للحرب العالمية على الإرهاب “.
وقال بنس ان الإدارة الأميركية ضاعفت من التزامها “بشل الشبكة الإرهابية لحزب الله وتقديم قياداته إلى العدالة”. ان تأكيد نائب الرئيس الأميركي الدعم للجيش الأميركي ولحلفائه ضد الأعداء في محاربة الارهاب وفق ما تراه واشنطن” هو إشارة أخرى إلى أن الحرب تلوح في الأفق. أما الجانب الآخر الذي يوحي بأن الحرب باتت على الأبواب فهو تحذير بينس من أن الإرهاب الإسلامي المتطرف يمثل “هيدرا برؤوس كثيرة إذ قام الإرهاب بضرب لندن وباريس وبرشلونة”. وبغض النظر عن المسميات، ، فإن الرئيس والقوات الأميركية ملتزمان حسب ما قاله ترامب في كلمته الخاصة، بتدمير المنظمات الإرهابية والأيديولوجية الراديكالية التي تدفع نحو تنفيذ أعمال تستهدف دولاً ومجتمعات مسالمة.
إذا بدأت الحرب في الربيع فإن تل أبيب سوف تضع بنك أهداف للوصول إلى النقاط الحدودية التي وصلت إليها في العام 2000 قبل انسحابها من جنوب لبنان، وذلك بالوصول إلى نهر الليطاني جنوب لبنان. وما يمكن قوله الآن هو أن حزب الله اليوم ليس ذات الحزب من حيث القوة في العام 2006. السؤال الذي يطرح نفسه: هل تستعد إسرائيل لشن غارات جوية على حزب الله؟ الإسرائيليون يتوقعون أن يكون هناك توتر متزايد مع لبنان قريباَ، ما سيؤدي حتماً إلى حرب في منطقة الشرق الأوسط.
وتهدف الضربات الإسرائيلية والأميركية المشتركة إلى منع إنتاج إيران وحزب الله صواريخ أرض – أرض ذات دقة متناهية تصل إلى مسافات بعيدة. ويسعى الإسرائيليون إلى تجنب أي ضرر قد يطال قواتهم والمنطقة الشمالية من إسرائيل. وكانت تل أبيب قد وجهت سابقاً رسائل مختلفة إلى روسيا والولايات المتحدة على المستويين الدبلوماسي والسياسي وبعد ذلك على المستوى العسكري من خلال استهداف بعض الأرتال والمواقع العسكرية في لبنان وسوريا مستغلة الممرات الجوية الأميركية التي اتفقت عليها مع موسكو ما يعني أن تل أبيب قد تختار “شن ضربة وقائية على منشآت عسكرية في لبنان”.
والسؤال هو ما إذا كانت إسرائيل ستشن الحرب هذا العام أم العام المقبل؟ إن التطور السياسي والعسكري في سوريا ولبنان ومنطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى التطور في العراق مع اندحار داعش سيؤدي إلى تسريع الضربات الإسرائيلية الاستباقية. كما أن إسرائيل ستتصرف بسرعة كبيرة بسبب انشغال حزب الله في سوريا، وبسبب الدعم القوي الذي تتلقاه إسرائيل ضد المواقف الإيرانية في المنطقة. وتدرك الولايات المتحدة أن أي صراع عسكري بين إسرائيل وحزب الله سيتحول في نهاية المطاف إلى حرب إسرائيلية – لبنانية.
وفي سبتمبر الماضي، نفذت إسرائيل أكبر تدريبات عسكرية على مدى 20 عاماً على طول حدودها الشمالية، التي استمرت 10 أيام، في تدريب على شن هجوم يشبه الهجوم على حزب الله داخل لبنان. ووصفت هذه المناورات بأنها “رد على تهديد كبير لإسرائيل وخاصة لجبهتها الداخلية “. كما أن التدريبات الجوية التي تجري في الـ 5 من نوفمبر 2017 بأكثر من 100 طائرة من عدة دول يعني أن تل أبيب باتت مقتنعة بأن رأس الأفعي باتت تطل من جحرها.
وأي حرب بين حزب الله وإسرائيل ستؤثر على بلدان مثل الأردن التي تستضيف ملايين اللاجئين السوريين والفلسطينيين. كما سيكون لها تأثير مباشر على سوريا وكذلك لبنان وإسرائيل نفسها. ستكون الحرب القادمة بمثابة المعركة الأخيرة التي ستحدد، إلى الأبد، المنتصر والخاسر وخريطة المنطقة التي ستستند بناء على ذلك إلى تحالفات جديدة. ويبدو أن الإغراءات المالية والاقتصادية لبعض الدول الشرق أوسطية لإسرائيل والولايات المتحدة سوف تجعل من تلك الحرب وشيكة وبكافة أنواع الترسانة العسكرية.
المصدر: Alawalnews