د.شهاب المكاحله –
في الأونة الأخيرة تركز الاهتمام الإعلامي حول المشهد الجيو-سياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط على ثلاثة قضايا رئيسية. أولاها سياسية مرتبطة بوضع المنطقة العربية والصراع السوري والحرب في اليمن ومكافحة الإرهاب في عدد من دول الشرق الأوسط الذي بات كابوساً يؤرق كل ذي بنان. وثانيها تموضع موسكو السياسي إلى جانب تركيا وإيران وسوريا وثالثها تراجع الدور الأميركي عن الساحة الشرق أوسطية بسبب تداعيات سياسية أميركية داخلية ومشاكل داخل البيت الأميركي ذاته.
كل ذلك دفع كل من تركيا وإيران إلى الاقتراب أكثر من روسيا والابتعاد عنكل ما ينعكس على علاقات البلدين بموسكو. فعلى الرغم من أن التقارب بين طهران وموسكو ليس وليد اللحظة إلا أن التوافق بين البلدين ما هو إلا على مواقف تكتيكية بحتة مع خلافات على مواقف استراتيجية وليس أدل منها إلا الطلب الروسي من القوات الإيرانية القريبة من الحدود الأردنية الابتعاد عدة كيلومترات عنها وهو على عكس ما تريده طهران. كما أن إشراك إيران في محادثات الأستانة ينبع من عاملين أساسيين هما تأييد السياسة الروسية في سوريا والمنطقة ضد الولايات المتحدة ووضع بصمة لإيران في المنطقة العربية.ويبدو أن موسكو التي أخذت على عاتقها تحقيق السلام في سوريا تسعى إلى عدم تحويلها إلى مستعمرة إيرانية لذلك تسعى روسيا إلى التقارب مع الدول العربية لأنها تسعى إلى الوصول الى أفريقيا ومحاصرة أوروبا من كل الجهات والوصول إلى منابع الطاقة في العالم لتتحكم في قطاع الطاقة العالمي لتبسط نفوذها ليس كقوة عسكرية فقط بل كقوة اقتصادية تتحكم بطاقة العالم.
أما عن طبيعة العلاقات الروسية التركية فبعد أن تحول العالم من أحادي القطبية إلى ثنائي القطبية، بتنا نرى تغيراً في المعطيات على الأرض وخصوصاً مع دول كانت ضمن الفلك الأميركي ومنها عدة دول عربية. واليوم بتنا نرى تركيا تلعب دوراً مهماً في الشأن السوري بسبب التعاون القوي بين كل من روسيا وإيران مع تركيا إذ قادت تركيا عملية درع الفرات بعد حادثة اسقاط الطائرة الروسية وحققت أهدافها بمنع اتحاد حزب العمال الكردستاني من التقدم إلى الحدود التركية.
ولكن يبدو اليوم أننا سنشهد تحالفات غير معهودة لأن روسيا أصبحت في قلب الشرق الأوسط وبات على الولايات المتحدة أن تقلق من ذلك مثلما قالت مجلة “ذا ناشونال انترست” الأميركية. ووفق المجلة الأميركية فإن شراء عدد من دول الشرق الأوسط الأسلحة الروسية بات يشكل ضربة فاسية للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين حسب ما يراه الخبراء العسكريون وخصوصاً منظومة S-400 وهي صواريخ طويلة المدى متعددة الاستخدامات لأنها “تستطيع التصدي للصواريخ البالستية”. لذلك فإن تمكن الروس من كسر احتكار بيع السلاح للشرق الأوسط وخصوصاً دول الخليج العربي يعد تقدماً كبيراً خاصة وأن موسكو باتت تستهدف الدول التي هي عرضة للخروج من منظومة جماعية مثل تركيا واليونان وهما عضوان في حلف الناتو ومعرضان للخروج من الحلف. كما أن دولاً مثل السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة هي الأخرى باتت مهتمة بشراء السلاح الروسي إذ أنه وفقاً لمصادر روسية مطلعة فإن أبوظبي على وشك توقيع صفقة شراء المقاتلة Su-35 ذات المهام المتعددة. وقبل أيام كان وزير الدفاع الروسي في الدوحة حيث وقع مع الجانب القطري اتفاقية تعاون عسكري ونقل تكنولوجيا بين البلدين.
وفيما يتعلق بالتقارب الإيراني التركي فإن زيارة رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية قبل عدة أسابيع إلى أنقرة وزيارة نظيرة التركي إلى طهران تعكس طابعاً جديداً فرضته المصلحة بين البلدين ومنها إقليم كردستان العراق وهذا التحالف التركي الإيراني يعد ضربة لحلف الناتو.
تبدو الأمور في الاتجاه الذي تريده روسيا في الأشهر القادمة ما لم يحدث تدخل أميركي طارئ يعطل عليها خططها ويبدو أن المباحثات الروسية الأميركية حالياً بشأن عدد من الملفات الشرق أوسطية قد تعني نوعاً جديداً من الأزمات القادمة للمنطقة في ظل إدراك روسيا للطيعة المركبة لأزمات الشرق الاوسط بما فيها الصراع العربي الإسرائيلي ناهيك بتشابك الأزمات الاجتماعية والإنسانية والأمنية والاقتصادية والسياسية.
ففي الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى تفكيك الأزمات عبر ما يسمى “ِAnalysis” تسعى الولايات المتحدة إلى نوع أخر من الحلول هي ما يسمى بـ “Synthesis” أي الحل الكلي. وكلا الدولتين تسعيان إلى تجنب تضارب مصالح الأخرى. ويبدو أننا سنرى حلولاً بين واشنطن وموسكو في القريب تعالج مناطق أو أقاليم وليس على أساس دولة لترابط الصراعات في الإقليم ببعضها.
المصدر: Alawalnews