د. شهاب المكاحله
شهدت المملكة العربية السعودية في الأيام الأخيرة تسونامي زلزل المنطقة ويوشك أن يرسم ملامح دولة جديدة غير التي كانت منذ عقود بسبب سلسلة كبيرة من القرارات التي اتخذها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. فعندما قال الكاتب الأميركي توماس فريدمان في مقالته المنشورة في صحيفة “نيويورك تايمز” قبل أيام أنه يخشى من حرب في الشرق الأوسط عقب التطورات الأخيرة على الساحة الخليجية والتوتر بين الرياض وطهران والتي تمثلت في تقديم رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري استقالته، فإن هذا المقال والذي قد طبخ على نار هادئة في بيوتات الأجهزة الأمنية الأميركية المسؤولة عن التخطيط لمستقبل الدول لسنوات قادمة يعني أن الصراع قد بات وشيكاً خصوصاُ بعد زيارة جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي للشرق الأوسط للسعودية قبيل أيام من الحراك السياسي والعسكري الأخير فيها.
واليوم حين يؤكد ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأميركي على استقلال لبنان، واحترام بلاده لقيادتها ممثلة برئيسها ورئيس الحكومة، فإنه، أي تيلرسون، يعني ما يقول من أنه سيتحول لبنان إلى ميدان حرب بالإنابة بين لاعبين إقليميين قد تدخل إسرائيل طرفاً فيها ضد حزب الله بهدف تحويل الانتباه عما يجري في الخليج وخصوصاً في السعودية من تحولات جذرية سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية.
فهل سنشهد حرباً يقودها ولي العهد السعودية محمد بن سلمان ضد نفوذ قاسم سليماني في المنطقة؟
في هذا السياق، قال فريدمان في مقالته محذراً: “كما قلت.. أنا قلق” وهو ما يعني أن ما ستؤول إليه الأمور في الشرق الأوسط قد تذهب أبعد مما هو متوقع منها خصوصاً مع قيام موسكو وواشنطن بإعلان اتفاق حول الشأن السوري من حيث الحل السياسي للصراع الدائر هناك وتوحيد المعارضة السورية في هيئة واحدة قبيل قمة جنيف نهاية هذا الشهر. فالمرحلة القادمة ستشهد أحداثاً ساخنة لن تقتصر على الداخل السعودي فحسب، بل ستتجاوز ذلك إلى تصعيد من نوع آخر، هذه المرة مع إيران وبشكل مباشر وهو ما أكد عليه وزير خارجية المملكة العربية السعودية عادل الجبير في مقابلة مع شبكة (CNBC) نيوز.
وقال الجبير إن بلاده لا تأمل أن تدخل في صراع مباشر مع إيران، لكنها تحملها المسؤولية، مضيفاً أنه “لا يمكن أن تسمح للبنان بأن تكون قاعدة للهجمات ضد السعودية”. كل ذلك يجعلنا نرى أن هناك تحولات قادمة إلى المنطقة حتماً قبيل نهاية العام تقريباً مع التركيز على موازين القوى والسلطة في هذه المنطقة من العالم. فقد نشهد في المرحلة القادمة تحريكاً للصفائح الساخنة في مرجل منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً في المشرق العربي ما يعني ثوراناً بركانياً يعيد رسم المنطقة في ذكرى وعد بلفور المئوي.
ومع تصاعد نبرة التهديد الخليجي لإيران وحزب الله والحوثيين في اليمن، ومطالبات حكومات كل من السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين رعاياها بمغادرة لبنان فوراً وعدم السفر إليه لهو دليل على أن هناك خطباً قريباُ قد يتمثل بحصار اقتصادي أولاً للبنان قبيل أي إجراء آخرقد يكون عسكرياً. وهذا فعلاً هو ما يوحي به تصريح ثامر السبهان، وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، حين قال: ” سنتخذ إجراءات متصاعدة ومتشددة ضد لبنان إلى أن تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي”. وكان السبهان قد نوه في تغريدة له إلى أن “السعودية ستعامل الحكومة اللبنانية على أنها حكومة إعلان حرب على المملكة، وستوقف كل شخص يعتدي على دولتنا عند حده”.
يبدو أن القوى الكبرى قد اتفقت فيما بينها على المشرق العربي أولاً وما سيؤول إليه في المستقبل القريب. فرقعة الشطرنج الشرق أوسطية يمكن قراءتها وفق منظور روسي أميركي من حيث تحالفات تخدم أجندات تلك الدول الكبرى على حساب قوى المنطقة عبر خلق نزاعات إقليمية لتغيير النظام الراهن. لعلنا نعيش حالة من عدم الاستقرار لم نشهدها من قبل نظراً لتسارع الأحداث حولنا. إذ تسعى عدد من الدول الكبرى إلى استنزاف موارد وخزينة دول المنطقة عبر جرها إلى حروب طويلة تفتح أسواق ومصانع السلاح في بلدانها ما سيزيد التوتر بين الدول الإقليمية ممثلاً بالمملكة العربية السعودية وتركيا وإيران لأن من يفوز في الأعوام القادمة بنفوذ عسكرية وسياسي يفوز بزعامة الإقليم لأعوام قادمة. لذلك بتنا نرى إعادة تموضع الكثير من الدول مع تفكير الدول الأخرى في تغيير مواقفها من قضايا مختلفة بناء على مصالحها المتغيرة. فليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم.
لعل السعودية ترى أن هناك فراغاً سياسياً وعسكرياً كبيراً في المنطقة لا بد من ملئه. فالأمير محمد بن سلمان يريد أن يسد هذا الفراغ لتصبح المملكة العربية السعودية عبر تحالفات إقليمية ودولية قائداً للمنطقة. لكن ما لا نعرفه هو مواقف الدول العربية بما تسعى الرياض لتحقيقه وما إذا كانت تؤيد سياسة السعودية الإقليمية القادمة سواء بشن حرب ضد حزب الله اللبناني أم بالرد المباشر على إيران أم بالتركيز على أماكن تواجد القوات الإيرانية في كل من العراق وسوريا.
المصدر: لأول نيوز
(AP Photo/Alexander Zemlianichenko)