تمثل حالة الفوضى السمة الأبرز لسوريا بعد نهاية حقبة بشار الأسد، والتي بالتأكيد سترشح منها الكثير من الأحداث التي ستؤدي إلى الفوضى والانقسام بين مجمل القوى التي تصدرت المشهد السياسي والأمني بعد 8 ديسمبر.
الأزمة الاقتصادية التي أخذت بالاتساع شيئاً فشيئاً سيكون لها تأثيرها السلبي على الأوضاع الاجتماعية، ويتعمق الانقسام الداخلي بين مكونات البلد، ما يعني أن الأمور مرشحة للتصعيد أكثر من ذهابها إلى الاستقرار. ومن المحتمل أن تطال الأزمة الاقتصادية أكثر من 70 في المئة من سكان البلاد الذين يعيشون حالة فقر حاليا؛ فهناك حوالي 12.9 في المئة من سكان سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي وعدم توفر الخدمات الرئيسية للعيش البشري.
من الناحية الواقعية وحسب ما أعلن المجتمع الدولي حتى اللحظة، فإن هيئة تحرير الشام تبقى منظمة متهمة بالإرهاب وذات موارد محدودة، بالإضافة إلى أن الحكم في سوريا معاقب دولياً، ولذلك سيصعب ملؤه خصوصاً بعد حكم دام لأكثر من خمسين عاماً.
من جهة أخرى، فإن إيران أعلنت قطع شحنات النفط التي كانت توردها إلى سوريا والتي تعد بالغة الأهمية لتوليد الطاقة الكهربائية فيها. بالإضافة إلى أن ملف اللاجئين ما زال معلقاً بالرغم من رحيل النظام السوري، ولن يتمكن اللاجئون السوريون الذين فرحوا بسقوط النظام من العودة إلى منازلهم إذا انهار القانون والنظام أو إذا لم يتمكنوا من إيجاد سبل لدعم عوائلهم الموجودة في سوريا.
الوضع الاقتصادي سيلقي بظلاله على المشهد السياسي والأمني، وقد يشجع الوضع المعيشي السيء على المزيد من الصراع بين الجماعات المسلحة السورية للحصول على الغنائم والمكاسب في البلاد وعلى المدن والمناطق الاقتصادية المهمة. وهو ما سيقود التنافس على سوق تجارة المخدرات في سوريا، والتي تعد ممراً مهماً للترويج والتهريب بين الجماعات المسلحة من أجل جني الملايين من الدولارات. وقد يؤدي التحكم في هذه التجارة إلى تأجيج العنف بين الفصائل المسلحة التي دخلت بمواجهات مع بعضها البعض في حلب وإدلب وصولاً إلى دمشق، خصوصاً بعد وصول أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقا) إلى القصر الرئاسي.
الخطر الحقيقي على الوضع السوري يتمثل في تجنيد الدول الإقليمية المحيطة بسوريا فصائل مسلحة من أجل تثبيت موطئ قدم لها وإيجاد نقطة نفوذ والاستيلاء على مناطق عازلة على طول الحدود السورية. لذلك سيكون من غير المحتمل أن تكون كل هذه الظروف مواتية لانتقال سياسي ناجح في سوريا.
ينبغي على جميع الأطراف المشاركة في سوريا العمل على ضمان عدم تحقق توقعات ما قد ينجم عن سقوط الأسد، وأن لا تحل الفوضى والعنف محل حكم الأسد. إذ من الممكن أن تساعد الدول المجاورة على تشجيع هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني وغيرها من الجماعات السورية على السعي إلى انتقال سياسي سلمي وشامل إلى أقصى حد وعدم جر البلاد إلى أتون حرب أهلية قد تؤثر بشكل سلبي على المنطقة عموماً.
كما أن الحل السياسي في سوريا يتطلب من الدول الغربية أن تعمل على إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا بما في ذلك الإعفاءات أو التراخيص لعمل مؤسسات الدولة مثل البنك المركزي السوري وعلى قطاعات اقتصادية بأكملها. كما أن الدور الخارجي ينبغي أن يعمل من أجل منع أيّ صراع بين الفصائل ومقاومة محاولات تلك الفصائل تعزيز مصالحها الخاصة من خلال دعم مجموعة على أخرى، وأن تعمل كل القوى السياسية الفاعلة في سوريا من أجل ترسيخ الديمقراطية والحكم عبر صناديق الاقتراع لا غير، لأن تفكك سوريا سيكون أسوأ شيء يحدث للمنطقة والعالم. وإذا دخلت سوريا في الفوضى فلن تكون مجرد كارثة إنسانية في المنطقة بل ستعطي مبرراً واقعياً لما كانت عليه دكتاتورية الأسد.