المهندس سليم البطاينة
في هذه الأيام معظم من التقيهم وأتكلم واتحدث معهم تائهون مصابون باليأس والاحباط ! لا يصدقون ما يجري حولهم ! وخوفهم أن تنتهي الشيطنة الصهيونية بنهايات مؤلمة على الأردن لا نعرف لها صفة أو شكل ! وان نجد أنفسنا أمام واقع يجب ان نتقبله رغم مرارته وقسوته ! وعلى الجميع القبول به دون اعتراض !
يوماً قال الفيلسوف الفرنسي Henri Dergason ( 1941 – 1859 ) في كتابه سيكولوجية الضحك بأن النكتة هي محاولة قهر القهر ، وفعل أحتحاجي على أختلال الموازين وسوء الأحوال ! وهتاف الصامتين ونزهة المكبوت والمسكوت عنه !
عودةً إلى عنوان المقال وإلى سؤال متى نحارب اسرائيل ، والذي يبدو من الوهلة الاولى انه سؤال ساذجٌ وغير منطقي وغير متوقّع ! وضرب من ضروب الخيال ، وهو ليس اكثر من خربشاتٍ على ورق ،،، والواقع أن سؤال من هذا القبيل جديرٌ بأن يبقى بلا جواب، لأنه ينفي الحاجة لوجود جوابٍ له ، فهو مسكونٌ بالجواب.
عموماً ، هو سؤال أهبل من الصعب ان نستوعبه ! لكنّه بدا لي منطقياً لرغبتي في الحصول على إجابةٍ له ، وبالتأكيد سيسأل الكثيرون ما مناسبة هذا الكلام ؟ والمناسبة هو ما قاله رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة في نوفمبر ٢٠٢٣ أن : أية محاولة اسرائيلية لخلق ظروف تهجير الفلسطينيين من الضفة باتجاه الاردن هو خطٌ احمر وسيكون بمثابة اعلان حرب.
كل من يتعامل مع السياسة بفكر ووعي يعرف ويدرك : أن سؤال اليوم التالي للحرب على غزة المقصود منه الضفة الغربية ! وأن الملف الاسود لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم حجمه كبير وتفاصيله خطيرة ، ومخطط ( ثيودور هرتزل ) لم يمت معه.
حماس برأيي استُدرجت إلى الحرب ولم تكن هي الهدف ، بل الاستيلاء على اراضي الضفة وغزة وطرد الفلسطينيين منها هو الهدف ،،،،،، وما يحدث في قطاع غزة من مجازر وابادة ومن افراغ للقرى الفلسطينية في الضفة الغربية يسير حسب بنود صفقة القرن وبنود تصحيح اتفاقية سايكس بيكو الاميركية التي تتم وفق سياسيات محكمة مخطط لها لطرد الفلسطينيين من أراضيهم في الضفة والقطاع ،،،،،، وأن عملية تسليح المستوطنين ليست وليدة الحرب الراهنة بل تضرب جذورها الى بدايات القرن العشرين عندما اتّجه اليهود الاوائل في فلسطين الى تشكيل عصابات ومليشيات عسكرية لطرد السكان العرب من فلسطين.
التهجير من الضفة الغربية قائم وناعمٌ وانسيابيٌ حالياً ، وبدأ فعلياً كخطة اسرائيلية ، والإسرائيليون في سباق مع الزمن، والذي يحدث في حرم المسجد الاقصى حالياً ليس حدثاً عابراً او استثنائياً لم يتم تكراره ، بل هو جزء من منظومة صهيونية تهدف للاستحواذ على المسجد الاقصى وعلى كامل اراضي الضفة الغربية.
رسائل المديح والوعود بالرخاء وسداد المديونية التي تصلنا من هنا وهناك سمعناها قبل ثلاثين عاماً ، وما زادتنا الا فقرً وبطالةً ، فـ ليس في حساب ميزان امريكا تحقيق السلام في الشرق الاوسط، والاعتقاد والاعتماد على حسن النوايا معهم فيه خطرٌ كبير ، فـ لطالما عانى الاردن وواجه خيارات قسرية وصعبة ازاء تحولات السياسة الامريكية في المنطقة ، وما يقلقني هو ما تكتبه الصحافة والمواقع الإخبارية الامريكية عن الاردن ، وسأستعرض هنا مقالين لكاتبين امريكيين تم نشر مقالاتهما في الصحف الامريكية بعد معركة غزة :
– المقال الاول للكاتب Matthew Petti نشره قبل اسبوعين في موقع Responsible Statecraft الإخباري الأمريكي قال فيه : أن النسخة الاكثر خطورة على الاردن والأكثر تطرفاً لدى حكومة الإئتلاف الاسرائيلية تنطوي على تهجير الفلسطينيين وطردهم من الضفة الغربية باتجاه الاردن وبشكل نهائي دون رجعة.
– المقال الثاني للكاتب الامريكي Johnathan Panikoff مدير مبادرة Scowcroft Middle East Security Initiative ( SMESI ) والمسؤول السابق في المخابرات الامريكية ، وانقل هنا ما كتبه بالحرف الواحد : لم يطلب من اسرائيل التخلي عن تل ابيب من اجل الاردن لكن باستطاعتنا تفكيك الاردن من اجل اسرائيل.
المطلوب ادراك المشهد ! فـ ما من أردني إلا ويفهم ما الذي تعنيه عبارة : على أي قطعة أرض غربي النهر ! وقد يصعب على البعض قبول ما اقوله ، لكن حين نسأل أين نحن مما يحدث ؟ نحن في حالة اللا فعل والفُرجَة ونمثّل دور المتفرج في مسرحية نحن اصحابها وشهود عليها ، ونمارس ادمان اللعب على بعضٍ من الكلمات وبعض من المفردات البالية التي عفى عليها الزمن.
الذي تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية حالياً يشكّل خطراً على الأمن القومي الاردني وعلى نظامه السياسي ، والامر يتطلب اليقضة والحذر والعقلانية لمحاولة تجنّب الوقوع في مصيدة اسرائيل.
الليالي من الزمان حبالى ومثقلات يَلِدنَ كلّ عجيب ! والحليم تكفيه الاشارة ، والقرائن تؤكد اننا في مرمى الاستهداف الاسرائيلي المباشر ولابد من الإعتراف اننا وصلنا الى طريق مسدود مع اسرائيل ،،، فـ كم نحتاج من أدلّة حتى يتعمّق ايماننا أنّ إسرائيل لا تريد استقرار الاردن وتشكّل التهديد الاكبر لنا ؟ وهنا يقف السؤال خلف السؤال ، ونسأل انفسنا : هل سنقف ونستمر في الفُرجة أم سنلغي اتفاقية السلام ونُحارب إسرائيل ؟
المهندس البطاينة نائب سابق في البرلمان الاردني