المهندس سليم البطاينة
كان رئيس الوزراء البريطاني Benjamin Disraeli 1881- 1804 الذي تولى رئاسة الوزراء مرتين يردد دائماً : ان للأحداث الكبرى ذُيولاً لا تُرى ! وما نتوقعه نادراً ما يحدث ! وما نستبعده غالباً ما يحدث !
من الطبيعي ان يصيبُنا التوتر ويرتفع لدينا مستوى القلق على مستقبل الأردن ! ولابد من وجود سلوك سياسي يعمّق مشاعر الخوف ! فـ قليلٌ منّا يتطلع للمستقبل أو يرسم خريطة من قلق المستقبل المجهول ولو لمسافة قريبة ، والوضع الجيوسياسي يُشير الى عدم تحقيق الاستقرار في المنطقة حيث أن الصراع الذي نقع في معمعانه لا تُنهيه جولة واحدة !
فلا زالت المنطقة حبلى بالمحن والتقلبات السياسية ، وتغير التحالفات وتناقض المواقف نتيجة حرب غزة ! ومن لا يدرك ذلك عليه ان ينظر حوله ! فتسارع الأحداث وتناقضاتها بات هو الصفة الأميز ، مما يدل بأن المرحلة المقبلة ستشهد مخاضاً عسيراً لا يدري أحد كيف تكون مرحلة ولادته ! ولا طبيعة المولود ! وبات من المستحيل التنبؤ بموعد توقف صوت المدافع والصواريخ والطائرات بدون طيار والموت المجاني.
وبعيداً عن التسطيح والإطالة بلا معنى ! فإن الأهداف والمؤامرات غير المعلنة ستُحدث مفاجأت انشطارية ( أي ينشطر منها أحداث ومخططات غير متوقعة ! ) ستكون أكبر بكثير مما يتخيله العقل المحلي الأردني المعبأ أصلا بنظريات الشك المسيطرة على العقول ،،، حيث أن المؤشرات تُرجح أننا وصلنا مرحلة اللافهم ! نسبح في فضاء جغرافي مُثخنً بالأزمات مفتوح ومنفلت من كل مقاسات التحليل ،،، والحقائق تذهب لنبؤات ستحدد معالم جغرافيا وديموغرافيا قادمة في الطريق ، ومن يقرأ الواقع على الأرض سيتوقف أمام علامات ناضجة بالتفكيك والارتباك السياسي تدخل في سياق لعبة خلط الأوراق.
أردن اليوم وبكل المقاييس والاعتبارات يختلف جملة وتفصيلاً عن أردن الأمس ! والأردن الصغير والكبير والجديد كما وصفه السفير الأمريكي السابق Henry .T . Wooster هو جزء من خرائط متعددة أصدرتها عدة مراكز أبحاث غربية وصهيونية هدفها الرئيس وأد ملف القضية الفلسطينية على حساب الأردن وهويته بإعادة تشكيل خارطته السكانية من جديد.
وهذا ما أثاره قبل شهر الباحث والمستشار السابق للشؤون العربية في رئاسة الوزراء الاسرائيلية ( عاموس غلبوع ) للفضائية الفرنسية France 24 English بأن الأردن كيان مُصطنع وأحد ودائع اتفاقية سايكس بيكو ! وعبر التاريخ كان محطاً للهجرات وهذه وظيفته التي من أجلها أُنشىء ! وان امريكا وبعض العرب على استعداد للتضحية بالأردن من اجل مصالح اسرائيل.
المزعج ما كتبه الصحفي البريطاني David Hearst في صحيفة Middle East Eye قبل أيام في مقالة عنوانها “Jordan could pay a steep price for “Netanyahu’s endless war on Gaza ( الأردن قد يدفع ثمناً باهضاً بسبب حرب نتنياهو التي لا تنتهي على غزة ) ذكر في أحد فقراتها أن بن غفير يُذِلّ الوصاية الأردنية على المقدسات وفي طريقه إلى بناء كنيس يهودي داخل المسجد الأقصى !
استقرار الأردن مطلوب ،، وتخطي مرحلة الخوف يتطلب صوابية وجدارة سياسية وما ينطوي عليها من قضايا تتعلق بأساليب مفهوم الحوكمة وممارسات الحكم الرشيد ،،،، وقلق السؤال حول خطورة المرحلة المقبلة يستدعي تأملاً كبيراً وأستدعاء الفكر السياسي لقراءة الواقع بشكل أكثر عمقاً بالمتغيرات وباللعبة السياسية من حولنا دون اية مساحيق او مكياج ،،، وأن نتوقّف عن قبول آراء عديمي الفهم وقليلي الخبرة بالشأن الإسرائيلي ، وربما يتطلّب الأمر إعادة تفكيك وتركيب لكثير من القضايا وتنحية مجموعة من اللاعبين ! والى اعادة تقييم السياسات والمواقف وقبول النصائح ! وقطع خيوط الاختراق حتى من داخل دائرة صُنع القرارات والسياسات.
لم يَعُد سراً ان المنافسة في إسرائيل اليوم قائمة بين اليمين واليمين ! حتى من هم في المعارضة مثل ( ليبرمان وموشي يعلون ،، الخ ) ليسوا أقل تطرفاً ممن هم داخل الائتلاف الحكومي ، فـ إسرائيل تدفع المنطقة باكملها الى الجحيم وتحاول توريط الأردن ودفعها للانخراط في مشاريعها ( الأمنية والديموغرافية والاقتصادية ) مستخدمة تخويفه من منافسيه الاقليمين ، وتقديم نفسها كضامن.
المؤسف أننا لا زلنا في المربع الأول وربما قبله ، لا ندرك ما يتسرب من فراغات أيدينا ، ولم يبقى هناك مجال للتبريرات ، ومن مصلحتنا عدم الانخراط في استقطابات قادمة قد تُطلب منا أو مُغريات تُعرض علينا ! فالممرات ليست كلها آمنة ! والمخاضات اياً كان شكلها ستكون عنيفة ومؤلمة وأحياناً ارتكاسية قاتلة ،،،،، فنحن نقف في مفترق طرق تبدو فيها الخريطة تحت ظل التقسيم او التعديل أو التهجير أو الرسم من جديد.
الجديد في الأردن هو اللاشيء والمشهد اكثر خطورة وأكبر من فرد العضلات ،،، اسرائيل لا تخاف احد وخيار الأردن لم يختفي من الخطاب الإسرائيلي ،، وأمريكا تعتبر المنطقة سوقاً لها يسوقون فيه ما يشاؤون ، والجغرافيا والديموغرافيا المُخطط لها ليست نبوءة وإنما استقراء للأحداث الجارية في المنطقة لتنفيذ ما تبقى من بنود صفقة القرن ! وهي بكل الأحوال طريق الأردن ونظامه السياسي إلى اللامكان.
قد تبدو الإسئلة سهلة للبعض ! لكنها ليست كذلك ! فالكُل ما زال يتحدث من ميكرفون واحد ! وما نعرفه ومتأكدين منه ان القادم أسوء مما يمكنُنا التنبؤ به، وما نحتاجه فعلياً هو كسر الحلقة المغلقة لمواجهة شر ما هو قادم !
المهندس البطاينة نائب سابق في البرلمان الاردني