الرئيسية / أخبار / حرب الخليج الأولى.. هل تغيرت الأحكام بتغير الأزمان؟

حرب الخليج الأولى.. هل تغيرت الأحكام بتغير الأزمان؟

ما الذي يمكن أن يحفظه التاريخ في سرد حكايات وقصص دارت أحداثها في المدينة أو في ساحات القتال لحرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وجارته الشرقية إيران؟

لا أعرف من أين أبدأ في سرد الفجائع والمآسي التي عشناها نحن شهود العيان على ذلك الزمن الملون بلون الدم.

في ليلة الثامن من أغسطس – آب 1988 والساعة تقترب من منتصف الليل، كان العراقيون ينتظرون القرار الأممي في اجتماع مجلس الأمن الدولي الذي أعلن عن وقف الحرب بين العراق وإيران، حينها قال الخميني في خطابه للإيرانيين إن القرار كان “بمثابة تجرع كأس السم”.

في تلك الليلة أُعلن عن وقف إطلاق النار الشامل بين البلدين على الرغم من وجود مناوشات خفيفة في مناطق مختلفة من الجبهة العراقية – الإيرانية.

استمرت احتفالات العراقيين ثلاثة أيام متواصلة منحتها حكومة صدام حسين عطلة رسمية للبلد، شهدت شوارع بغداد وساحة الاحتفالات جماهير غفيرة وهي تحتفل بوقف الحرب، كان ذلك يعني في مخيلتهم وقف شبح الموت الذي يطارد شيبهم وشبابهم والعودة إلى حياتهم الطبيعية، وكيف لا تكون فرحة وهم الذين كانوا يشاهدون يومياً من خلال التلفزيون الحكومي لقطات “صور من المعركة” لجثث متقطعة ومتفحمة لا تُميز إن كانت لجنود إيرانيين أو عراقيين يتم عرضها يومياً للتذكير بمآسي الحروب وأوجاعها، وربما للتحشيد المعنوي كي لا ننسى.

ابتكر العراقيون بدعة جديدة في الاحتفال وهي رش الماء على بعضهم البعض إلى درجة أن المنظر كان يوحي بأن أي داخل إلى تلك التجمعات لا يكاد يغادر إلا وقد ابتلت ملابسه بالكامل.

في ذكراها السادسة والثلاثين لانتهاء تلك الحرب التي استمرت ثماني سنوات ووُصفت بأنها أطول حروب القرن العشرين، انتهت بعد أن وافقت إيران على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 598 لسنة 1987 والذي نص على وقف فوري لإطلاق النار بين البلدين وإعادة أسرى الحرب إلى وطنهم وانسحاب الطرفين إلى الحدود الدولية، وتعيين فريق من المراقبين الدوليين لمراقبة وقف إطلاق النار حتى يتم التوصل إلى تسوية دائمة لإنهاء الصراع، كان وقف إطلاق النار خاتمة لحرب بدأت عام 1980 ابتدأت باشتباكات حدودية متقطعة.

كان الجيش العراقي يستخدم أسلحة تم شراؤها من روسيا ودول أوروبا الشرقية والصين والبرازيل في حين كان الجيش الإيراني يعتمد على أسلحة نظام الشاه الأميركية الصنع، فقد كشفت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية في يونيو 2024 عن تفاصيل رُفعت عنها السرية تثبت قيام إسرائيل بتقديم الدعم بالأسلحة والمعدات للحكومة الإيرانية خلال حرب الثماني سنوات، وتشير تلك الصحيفة إلى أن إسرائيل التي كانت محرومة من النفط نتيجة العداء بينها وبين الدول العربية وجدت في إيران حليفا مناسبا لمواجهة النفوذ العربي، وتوضح تلك الصحيفة أن إيران كانت بحاجة إلى الأسلحة والمعدات العسكرية والخبرات التدريبية لمواجهة قوات صدام، والتي لم تكن قادرة على الحصول عليها من الدول الغربية نتيجة عدائها المُعلن لها في حين وجدت إسرائيل فرصة لتزويدها بقطع غيار أميركية للجيش الإيراني.

الغاية من ذلك كما تشير الصحيفة هي أن إسرائيل استخدمت إيران لتحقيق توازن بوجه صدام المعادي لها وأملا أيضا في الحصول على موطئ قدم داخل إيران عبر التعاون مع النظام الإيراني الجديد آنذاك، الأمر الذي لم يتحقق نظراً لصعود التيار المعادي لإسرائيل داخل الحكومة الإيرانية، ولا يُعرف عن تلك التفاصيل التي كشفتها الصحيفة إن كان المقصود بها فضيحة “إيران غيت” أو “إيران كونترا”، وتُنسب إلى صفقة سرية باعت بموجبها إدارة الرئيس رونالد ريغان خلال فترة ولايته الثانية إيران أسلحة أميركية بوساطة إسرائيلية على الرغم من حظر بيع الأسلحة إلى طهران وتصنيف الأخيرة كعدو للولايات المتحدة وراعية للإرهاب، أو لاتفاق إستراتيجي مستدام بين الثلاثي إيران وأميركا وإسرائيل.

أكثر من مليون قتيل ومثلهم من الجرحى وخسائر مالية بلغت ما يقارب 400 مليار دولار تكبدها العراق فقط في نزاعه الذي سُمي بحرب الخليج الأولى التي تبعتها حربا الخليج الثانية والثالثة، وكان الشعب العراقي هو الضحية وكبش الفداء الذي يُذبح بسبب نزوات داخلية ومؤامرات خارجية ولا يزال يدفع الثمن إلى غاية كتابة هذه السطور.

قبل أكثر من ثلاثة عقود لو كانت هناك عرّافة، أو قارئة كف أو شخصية مثل ليلى عبداللطيف، تنبأت بأن العراق ستحكمه فيما بعد إيران وستكون الفاعل الأساسي في تنصيب الحكومة وأفرادها والحامي لشخوص العملية السياسية والحاكم بأمرها لاتهمت هذه العرّافة بالجنون، ولضحك العراقيون كثيرا من هذا الهراء وسخروا كما يضحكون اليوم من زمانهم المتغير.