المهندس سليم البطاينة
ان كلمة ( قلق ) دخلت القاموس العربي عن طريق الوجوديين أمثال ( ألبير كامو وهيدجر وسارتر ،،، إلخ ) ولاقت تلك الكلمة من سوء ترجمة ومن سوء فهم ما لاقت ! هذا ليس موضوعنا : موضوعنا اليوم هو قراءة قلق في سياقها الأردني خوفاً من مفاجآت قادمة بإعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة بكاملها ! وإعادة توزيع الأدوار بين دول المنطقة … فمن يعيش في الأردن يدرك معنى مفردة الخوف التي لم تحظ بالأهمية التي حَظيت بها مفردات أخرى والتي نادراً ما أستعملت لفهم ما يجري في الخفاء.
و لمحاولة قراءة واقع يزداد غموضاً حالياً ، نُشاهد اتّساع رقعة الدول التي قررت الاعتراف فجأة بالدولة الفلسطينية على أساس مبدأ حل الدولتين ، بإقامة دولة فلسطينية بجوار إسرائيل.
!لكن ما هما الدولتان ؟ واين تقع كل منهما ؟ واين موقِعهما على الخريطة السياسيةِ للعالم ؟
بالتأكيد، واحدة منهما نعرفها جيداً وهي إسرائيل ، لكن إين تقع الدولة الأخرى التي يتحدثون عنها ويعترفون بها ؟ هل هي غرب النهر على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ ؟ أم شرق النهر ؟
الصمت هنا ليس عنوان غياب الكلام ، بل قد يكون عنوان حضوره ! وين رايحين لم يعد السؤال ! اليوم وما يجري ويتم الإعداد له هو السؤال الذي ينتظر إجابات واضحة ،، وهذه الإجابات وان توفرت فهي مفتوحة على كل الممكنات في الاستراتيجيات الصهيونية تجاه الأردن ،،،،، فالأردن يَمُر في مرحلة مصيرية يرزَح فيها تحت خطر التهديد بتهجير أهالي الضفة الغربية وإقامة الوطن البديل للفلسطينيين في الأردن ! بتكسير مثلث التوازن المرتكز على أضلاع العلاقة بين الأردنيين والفلسطينين وبين الملك والشعب وذلك بتَجريف الشرعية الأردنية وتفكيك الأردن إستجابة لشيطان العقل الصهيوني المدمر.
اسرائيل فعلياً تريد أن تنتهي حربها في غزة بتغيير استراتيجي كبير يؤثر بالمنطقة ، يحقق لها مكاسب تجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية بين النهر والبحر ! لان ذلك يضرب نظرية الأمن الإسرائيلية ويحُول دون إخلاء أكثر من ٣٠٠ ألف مستوطن من بيوتهم داخل مستوطنات الضفة الغربية ! ناهيك أنه سيحرم إسرائيل من عمقها الاستراتيجي وسينتهك الخصوصية الدينية والروحية للشعب اليهودي.
كأننا خارج الزمان والمكان نتيجة المناخات والعمى السياسي ! فالذي نراه ونسمع عنه لم نره منذ مائة عام ! وما هو إلا حافة رأس الجبل الذي يطفو على سطح المحيط ! يفرض علينا مواجهة الحقائق كما هي دون مكياج أو محاولة إنكار ،،، وان نتعامل مع مؤامرة الوطن البديل على أنها قادمة لا محالة وعلى اعتبار ان إسرائيل ما زالت العدو الأول لنا.
الأردنيون مولعون بشكل عام بالأحداث التي ولّت والأحداث التي سيحملها الغد لهم، والخوف هنا من اغراءات البدايات مع حقيقة النهايات ، و الأردن كوطن بديل فكرة قديمة ،،، ووجوده ضمن خريطة إسرائيل الكبرى ليس بجديد وأضعاف الأردن وهيبة الحكم فيه هو جزء من مخطط صهيو – أمريكي – غربي لإقامة الوطن البديل للفلسطينيين في الأردن ! فقبل أشهر عرض وزير المالية الاسرائيلي ( سموتريش ) خريطة لإسرائيل تضم الأردن أمام حشد كبير في باريس أثناء الاحتفالية التي أقيمت هناك بمناسبة ذكرى زعيم حركة الحرية في فرنسا ( جاك كوبر ).
تبعها بعد ذلك تصريحات لرئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي السابق الجنرال ( Giora Eiland ) والذي يعتبر واحداً من أحد صُنّاع القرار المؤثرين في إسرائيل لموقع ( موزاييك للفكر الصهيوني ولموقع 4040 العبري ) بقوله : أن ما يجري في الأردن هو الخطوة التمهيدية لإنهاء المملكة الهاشمية ، وجعل الأردن المستقر النهائي لدولة فلسطينية قاعدتها الجغرافية شرق النهر ، تلتحق بها الكتل السكانية غرب النهر ! فيهودا والسامرة على حد رأيه ملك للشعب اليهودي ولا يمكن تقاسمها مع أحد ! والمادة الثامنة من معاهدة وادي عربة أقرّت علانية ربط الحل بالتوطين ،،،، والدور الذي سيُطلب من الدول التي سيذهب إليها الفلسطينيون ليس فقط استقبالهم ؛ بل العمل على هندسة عملية الهجرة ومنع تبلور أية مقاومة ضد إسرائيل.
مخاوف مشروعة وطوفان من الأسئلة تموج في عقولنا تحوم من حولنا وتُحاصرُنا وتعطينا شعوراً أننا في خطر ! وأغلب الاستفسارات المطروحة حاليا : لو تم فعلياً ضم الضفة وتهجير سكانها سواء كان بطريقة قسرية أو انسيابية ناعمة ! ماذا سيتبقى للأردن من دور ؟
على الأردن أن يقلق على مستقبله من معاكسة المتغيرات الدولية والإقليمية وارتداداتها المفاجئة الغير محتملة ،،،،، فسابقاً كان الأردن يعتمد على التوازُنات الإقليمية للمحافظة على أمنه وبقائه ،،، والخوف من أن مصطلح ( الأردن الجديد ) الذي أطلقه السفير الأمريكي السابق لدى الأردن Henry T.Wooster عام ٢٠٢٠ أمام لجنة الاعتماد والعلاقات الخارجية في الكونغرس سنشهده عما قريب !
الضفة الغربية كما يراها الجميع الآن يهودية أكثر منها فلسطينية ! وقبل عام ونصف كتبت مقالاً تم نشره في صحيفة رأي اليوم الغراء عنوانه : الصندوق القومي اليهودي ( كاكال ) يبدأ جولة تسوق كبرى لشراء عقارات وأراضٍ داخل الضفة في المنطقة A الخاضعة لسلطة رام الله والتي مساحتها ١٨٪ من مساحة الضفة ، والمنطقة B ومساحتها ٢١٪ ،،،، أما المنطقة C والخاضعة أمنياً ومدنياً وعسكرياً لاسرائيل حسب اتفاقيات أوسلو تقدر مساحتها الإجمالية ب ٦١٪ من مساحة الضفة ، وحسب ما تقوله إسرائيل أن تلك المنطقة لا وجود لأيّة عقود تملّك او سندات تسجيل لأيٍ كان ومازالت كما كانت عليه قبل عام ٦٧ عندما كانت أراضٍ أميرية لا يسكنها أحد.
القادم صعب … والأردن يعيش أزمة اللايقين السياسية التي تجتاح المنطقة ! والمرحلة تحتاج توحيد الرسائل الموجهة للناس في هذه الظروف والى خطاب إعلامي متزن يتميز بمنطق ومصداقية ،،، فـ بين الأردن وفلسطين قصة حب بلا فصول ،،، والمحاولات التي تتم لحرق العلاقة الأردنية الفلسطينية الشعبية ستشعلُ ناراً لا مجال لإطفائها حيث ستَطال الجميع بألسنتها.
المهندس البطاينة نائب سابق في البرلمان الاردني