في العاشر من مارس 2023 تم الإعلان عن اتفاق دبلوماسي للمصالحة السعودية – الإيرانية برعاية صينية وصدمة أميركية.
لاقت تلك الخطوة ترحيباً عربياً وإقليمياً ودولياً، لكن النصيب الأكبر من الفرح كان للعراقيين على اعتبار أن الاتفاق تضمن في بعض بنوده مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية رغم أن الالتزام الفعلي بهذا الاتفاق يعني انقلاباً إستراتيجياً في سياسة إيران التي تقوم على مبدأ تصدير الثورة، لذلك ظل التشكيك قائماً في التزام طهران بهذا الاتفاق، حينها صرّح الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيري “سنرى إذا كان الإيرانيون سيحترمون من جانبهم هذا الاتفاق، فهذا ليس نظاماً يفي بكلامه عادة.”
ظلت سياسة الشيطنة الإيرانية تتوغل بنعومة في الدول التي تعيش تحت الانتداب الإيراني وفي مقدمتها لبنان وسوريا والعراق واليمن.
بالنسبة إلى المشهد العراقي فقد ظل التدخل الإيراني في شؤونه الداخلية مستمراً ليس في السياسة فقط بل في كل المجالات، لم يتوقف بهجرة العمالة البسيطة، بل وصل الحال إلى انتقال المصانع والمعامل الإيرانية إلى أرضه بحسب موقع “جيهان صنعت نيوز” وهو ما يشير إلى الرضوخ لإيران ليس سياسياً بل اقتصادياً ولو على حساب الاقتصاد العراقي المتدهور في بلد يعج بالشباب العاطل الذي يبحث عن فرصة عمل.
ظلت طهران تعتقد بأنها ستربح الجولة إذا ما وضعت العراق بأرضه واقتصاده في فوهة المدفع ولتبقى متحصّنة من خلفه، ذلك التحصّن الذي بدأت تنكشف عورته خصوصاً مع قدوم رئيس أميركي جديد يعرفه أهل الحكم الإيرانيين والعراقيين من تجربة حكمه الأولى.
دونالد ترامب الرئيس الأميركي الجديد بولايته الثانية يبدو أنه قرر أن يُخرج العراق من براثن إيران اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، مما جعل المشهد السياسي العراقي يمر بحالة من التوتر والتأزم وانعكس ذلك في وجوه السياسيين، والتخوّف من قادم الأيام على مستقبلهم السياسي.
يمكن الجزم أن خطوات ترامب قد بدأت تتضح معالمها على الاقتصاد العراقي الذي يعيش على بيع النفط من خلال النيّة في خفض سعر البرميل عالمياً وتصاعد التحذيرات من أن الحكومة العراقية لن تستطيع في الأشهر القادمة توفير رواتب للموظفين والمتقاعدين والشرائح الأخرى، على اعتبار أن انخفاض سعر البرميل دولاراً واحداً يعني خسارة الموازنة مليار دولار، وهو ما يجعل سيناريوهات العقوبات على العراق متعددة الأشكال بدءاً من الاقتصاد ومروراً بالسياسة، يضاف إلى ذلك ما يُشاع في دهاليز السياسة بأن السفارة الأميركية لازالت خالية من سفيرها بعد مغادرة إلينا رومانوسكي وترك منصبها، وهو ما يُعزز فرضية القلق العراقي من ضعف التمثيل الدبلوماسي على مستوى القائم بالأعمال الحالي مع الولايات المتحدة الذي يُفسر بأنه برود في العلاقات بين البلدين، تزامن ذلك مع إعلان ترامب وقف كل المساعدات للمنظمات العالمية ومن ضمنها الحكومة العراقية، وهو ما جعل مستوى القلق يتصاعد لدى ساسة العراق.
كشف القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ووزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري عن شرط أميركي لتحسين العلاقات مع بغداد، بالقول في تغريدة على منصة “إكس” إن إلغاء مذكرة اعتقال الرئيس السابق والرئيس المنتخب الحالي دونالد ترامب الصادرة من القضاء العراقي ومحكمة تحقيق الرصافة ببغداد في 7 يناير 2021 بعد استهداف قاسم سليماني وأبومهدي المهندس، بات مطلباً أميركياً مُلحاً لعلاقة أفضل بين حكومة العراق وأميركا الجديدة، وتساءل “هل ستتراجع الحكومة والقضاء عن القرار أم لا؟”
سيناريوهات ترامب الاقتصادية التي تتضمن منع تجديد استثناءات استيراد الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء العراقية، وعقوبات على شركة سومو العراقية لاتهامها بتصدير النفط الإيراني، وعلى مصارف عراقية لاشتراكها بتهريب الدولار إلى إيران، كُشف من بينها مصرف الرافدين، إضافة إلى ضربات متوقعة لأماكن تواجد الفصائل المسلحة وشخوصها قد تنفذها إسرائيل بديلاً عن أميركا، كلها زادت من حالة الغموض في ما ينوي ترامب فعله.
وتعتقد الحكومة العراقية أن الحل الذي سينقذها من الأزمة، يتلخص في تخفيض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار خصوصاً أن العراق سيصبح عاجزا اقتصادياً عن الالتزام فيما إذا انخفض سعر البرميل إلى ما دون 70 دولارا، وهو ما يعني انفجارا شعبيا وتظاهرات يراهن عليها الخارج كأحد السيناريوهات المتوقعة لتغيير المنظومة السياسية جراء وقوفها في الصف مع إيران.
رغم المأزق الذي يعصف بالعراق مازالت إيران تفرض عليه شروطاً استفزازية للجانب الأميركي، حيث لازال الموقف العراقي ضبابياً من مسألة نزع سلاح الفصائل خصوصاً بعد دعوات إيرانية للمحافظة عليه وزيادة أعداده.
يقول أحد السياسيين إن الإدارة الأميركية الجديدة تعتبر العراق ضمن سياسة الاحتواء الإيرانية وإن استقرار الوضع يعني إنهاء تلك الهيمنة بالكامل ويتطلب ذلك القضاء على مراكز القرار فيها.
مع اقتراب نهاية المُهلة التي أُعطيت للحكومة العراقية لنزع سلاح الفصائل، والتي يبدو أنها تراهن على تلك “المُهلة” وعلى عامل المراوغة في النأي عن تلك الضربات، فات هؤلاء أن العامل الٌإقليمي والدولي، وفي مقدمته ترامب، بات لا يمنح الوقت الكافي لالتقاط الأنفاس، أليس ترامب من قال “إن على حماس أن تُسلّم الرهائن الإسرائيليين قبل استلامي للسلطة وإلا سأحرق الشرق الأوسط” وفعلاً تمت الصفقة.
إذاً لماذا تغامرون بحياة ومصير شعبكم، أليس من الأسلم أن يكون العراق أولاً ولا غيره، ليتهم يتعلمون الدرس.