الرئيسية / أخبار / حروب الضعفاء في الشرق الأوسط

حروب الضعفاء في الشرق الأوسط

كشفت حرب غزة عن واقع حاولت البروباغندا السياسية والإعلامية لأطراف الصراع إخفاءه لسنوات طويلة تحت شعارات أوهمت من خلالها الشعوب بامتلاكها الأسلحة والصواريخ التي تحميها وتدمر الطرف الآخر.

وما بين غرف المفاوضات المغلقة والصفقات المنقوصة، وبين جبهات تقبع تحت سقوف قواعد الاشتباك المحدود، بانت صورة عدم قدرة أطراف الصراع، دون استثناء، على حسم عسكري يفضي إلى اتفاق هدنة أو معاهدة سلام.

التعاطي الإسرائيلي المتذبذب الناتج عن أزمة حكومة اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، وانعكاسه على بقاء حالة الاشتباك ضمن سقوف محدودة على جبهة جنوب لبنان، مع استمرار قصور إستراتيجياته في المسار السياسي في حرب غزة، يعكس حقيقة ذهاب الكيان بقيادة نتنياهو نحو المماطلة بحسم الصراع للوصول إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة على أمل عودة دونالد ترامب مجددا، فاليمين الإسرائيلي أصبح مقتنعا أن إدارة الرئيس دونالد ترامب المقبلة ستفرض صفقة سياسية على المنطقة أفضل مما تعرضه حاليا إدارة الرئيس جو بايدن، ومع استمرار فرض واقع أمني في شمال الكيان وقطاع غزة، يسعى نتنياهو وحكومته لتحسين صورتهما وشعبيتهما أمام الشارع الإسرائيلي.

في المقابل ضعف إيران وميليشيات محورها وضعها في تيه بين التردد نحو الذهاب بحرب شاملة لا تستطيع طهران خوضها، وبين أجندات تسعى لتكريسها في المنطقة ويقبلها المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة.

الخروج من التيه الإيراني يحتاج ترتيب البيت داخل نظام ولاية الفقيه، ومعالجة ملف استهداف أكثر من نصف القيادات الميدانية بحزب الله، بالإضافة إلى تفادي سلسلة الضربات الأميركية – البريطانية المستمرة على البنية العسكرية الحوثية، وجميعها تحديات في وجه الطموحات السياسية الإيرانية، جعلت من طهران تضغط على قيادة حماس لرفض مبادرة الهدنة الأميركية، في محاولة منها لاستيعاب حجم الضغوط السياسية والتصعيد العسكري على جبهات نفوذها كسبا للوقت، ليبقى السؤال المطروح: هل إيران تمتلك القدرة على تحريك جبهات محورها وتنسيق إيقاع ميليشياتها في المنطقة إذا شنت إسرائيل حربا أوسع على حزب الله؟

إيران تدرك أن أيّ حرب بين الحزب وإسرائيل ستكون بمثابة طوق نجاة لحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية في إعادة وحدة ودعم المجتمع الدولي خلفها، فحسابات النظام الإيراني مبنية فقط على إسقاط الشارع الإسرائيلي لحكومة نتنياهو قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، وبذلك تستطيع طهران ادعاء النصر، بصرف النظر، عن أيّ صفقة أو تسوية سياسية لإحلال الهدوء في جبهة جنوب لبنان أو قطاع غزة.

وبين نصر إيراني ينتظر سقوط حكومة نتنياهو، وبين مماطلة الأخير ومنظومتها اليمينية إلى حين عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تُبنى الحسابات السياسية.. ويعلو قرع طبول الحرب، وتقف إدارة الرئيس جو بايدن عاجزة، بضيق هامش الوقت، عن تحقيق إنجاز تدخل به الاستحقاق الرئاسي، إنجاز يقوم على لجم إيران وميليشيات محورها، ويحد من عبث بنيامين نتنياهو ومحاولات هروبه إلى الأمام بحرب جديدة تفتح له آفاقا سياسية تخرجه من أزماته الداخلية وتكسر عزلة حكومته اليمينية وتعزز من حضورها في الساحة السياسية الدولية.

وما بين هذا وذاك.. يحبس الشرق الأوسط أنفاسه أمام التهويل الإعلامي غير المنضبط، والتصريحات السياسية الصاخبة من أطراف الصراع حول تزايد فرص اتساع رقعة الحرب واشتدادها، لنكن أمام حقيقة؛ أن الحرب لغة الضعفاء وملجؤهم في البحث عن فرص سياسية تحقق أهدافهم وأجنداتهم السياسية، والمنطقة تاريخا زاخرة بأمثلة عن حروب الضعفاء.