جماعة الإخوان المسلمين، التي أسسها حسن البنا، تعتبر واحدة من أقدم التنظيمات الإسلامية في مصر وأكبرها، كما أن لها تأثيرا على الحركات الإسلامية في العالم، وذلك بما تتميز به من ربط عملها السياسي بالعمل الإسلامي الخيري.
كانت الجماعة تهدف في البداية إلى نشر القيم الإسلامية والعمل الخيري، إلا أنها سرعان ما انخرطت في العمل السياسي، وخاصة في كفاحها لرفع سيطرة الاستعمار الإنجليزي عن مصر، وتطهيرها من كل أشكال التأثير الغربي.
وحماس هي جزء أصيل من حركة الإخوان، علما أن الحركة ادّعت في عام 2017 فك ارتباطها بـ“الإخوان المسلمين” بعدما نصت اللائحة التي وضعت في عام 1988 على أن الحركة هي جناح من أجنحة “الإخوان المسلمين”، وهو ما يؤكد أن ما تقوله حركة “حماس” و”الإخوان”، في العلن ليست له علاقة بما يدور في الخفاء.
الموضوع الأساس الذي تبحثه هذه المقالة هو الرد على السؤال الذي يتردد على أفواه الكثيرين، وهو أين يقف الإخوان فيما يجري في غزة هذه الأيام؟
صحيح أن السؤال شائك ومعقد بعض الشيء، لكن انفصال الفرع عن القاعدة كما أسلفت في البداية ليس بالأمر السهل، فتعديل وثيقة حماس التي جاء من خلالها النأي عن الفكر الإخواني، صاحب الرسالة العامة والانتصار لفلسطين وتحريرها، لم يأت بمعزل عن التوافق بين الابن وأمه أو الأب وابنه. هنالك مصالح مشتركة وكل طرف يريد أن يحتفظ بمصلحته على حساب مصلحة الطرف الآخر، لهذا يصعب التكهن أو توقع الطلاق التام بين الإخوان وحماس.
وقد يكون لوجود التنظيم العام في بريطانيا تأثيره في عدم الدعم المطلق والصريح لحماس في غزة. ولكن مهما تكن الأسباب والذرائع لا بد من القول إنه كان ينبغي على حركة عمرها يناهز المئة عام وقامت على أساس إحياء أمجاد الأمة وتحرير فلسطين وغيرها، أن تترك مصلحتها الشخصية خلف ظهرها وتستعد لما هو مطلوب منها وما تنتظره الأمة.
ما يجري في غزة اليوم كشف المستور، ولم يعد للحركة زخمها الجماهيري، وبالتالي فقدت فلسفتها وأسس ثورتها التي قامت من أجلها على مر السنين، فأصبحت حركة حماس اليوم بعد تخلي الإخوان يتيمة. كل هذا التراكم الفكري واللفظي الطويل الذي تشدقت به حركة الإخوان عبر السنوات السابقة لم يصل إلى نتيجة على أرض الواقع، ولم يحقق المأمول منه على الإطلاق.
اللاعب الوحيد اليوم على الساحة بعد اختفاء الإخوان هو إيران، بعد أن ترك الإخوان خلفهم الفراغ ليحل محلهم الإيرانيون. ورغم نفي طهران الإيعاز لحزب الله والحوثيين بضرب إسرائيل وتعطيل مصالحها في البحر، إلّا أن أحدا من أذرع إيران في المنطقة لا يجرؤ على أن يتنفس دون أن تسمح طهران له بذلك.
بالمختصر أصبحت الفكرة مختفية، وما أقيمت عليه فلسفات حماس المستقاة من حركة الإخوان المسلمين الأم مغيب، وباتت المصلحة هي التي تحكم الشارع.
الدعم المالي وغيره ليس هو المطلوب، المطلوب هو الحفاظ على الفكرة، فالفكرة هي التي ستنتصر، وإذا غابت الفكرة تبدد الحلم واختفى الهدف، وهذا ما كان يخشاه بعض المراقبين.
انقلب المبدأ، وأصبح شعار “الغاية تبرر الوسيلة” الميكيافلي هو ديدن العالم، ومن يريد أن يتقرب من الحاكم من أجل مصلحته الحقيقية ينبغي تركه ومحاربته بشتى السبل، فالمطلوب هو اختفاء المصلحة الشخصية والحزبية الضيقة، والنظر إلى ما هو أهم، وهو فلسطين قضية الأمة فلا يجوز أن يحارب هذا الحزب أو الفصيل بالوكالة خدمة لمشروع دولة تتربص بنا وتحارب السنة جهارا نهارا.
لنا في التاريخ قصص ومواعظ، وكان ابن خلدون محقا عندما تكلم في فلسفة التاريخ عن انهيار الدول، وكيف تكون مراحل تطورها من الولادة والطفولة والشباب والشيخوخة حتى الوفاة. عندما نسمع عن حركة ملأت الدنيا ضجيجا ولا نسمع منها إلا جعجعة دون أن نرى طحنا، فهذا تصديق لابن خلدون وتكذيب للمتشدقين الذين يتحدثون عن دوام الحال. الحقيقة هي أن دوام الحال من المحال، هكذا هي سنن الله في الكون والخلق، وهذا أيضا ما يجب تصديقه. فالتوافق بيننا وبينهم يواجه انسدادات كبرى، أولئك الذين يدعمون نظرية التسمم “ولاية الفقيه”.
من غرائب القدر أن الإخوان يعيشون على الأرض لكنهم يُحلقون في عالم صنعوه بأنفسهم، لذلك تكتشف أن مسلمات التنظيم هي مجموعة متغيرات، وبينما يتعاملون مع المتغيرات على أنها مسلمات، لا يؤمنون بالآخر، بل لا يرونه. وإذا أتيحت لهم الفرصة فقد يستبدون به، هذا على مستوى الأشخاص والأفكار معا.
لا يوجد في الخطاب الإخواني بعد الحرب على غزة سوى الإدانة.
بناء على ما سبق، هل تركت حركة حماس في المعركة لوحدها بعد أن تخلى الإخوان عنها وكل ما تبقى لها هو دعم خجول من طهران، أم نشهد دخول طالبان في حال استمرت هذه الحرب؟
ملامح المرحلة القادمة غير واضحة، لكن ملامحها على صعيد الإخوان بدت جليّة.