بعد تجدد القتال إثر انتهاء هدنة إنسانية لاستمرت 7 أيام حتى 1 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، تثير الخطة الإسرائيلية في قطاع غزة مخاوف السكان من التعرض لمجازر أكثر دموية، خاصة بعد تقسم القطاع لمئات “البلوكات” السكنية، لدفع السكان على يبدو نحو تهجير القسري إلى سيناء المصرية، بحسب صحيفة “القدس العربي”.
ومع بداية استئناف العدوان صباح الجمعة الماضي، نشرت قوات الاحتلال خريطة لقطاع غزة، توزع المناطق السكنية على أساس “البلوك السكني”، ولوحظ أن بعض مدن غزة ودير البلح وخانيونس ورفح، وكذلك القرى والمخيمات التابعة لها، تم تقسيمها لعدة “بلوكات”.
وضمنيا، طلب جيش الاحتلال من سكان تلك “البلوكات” حفظها وكذلك حفظ أرقام المناطق الأخرى “البلوكات”، لمعرفة الطريق الذي يسلكونه والمنطقة التي يلجأون إليها، في حال طلب منهم النزوح القسري، على اعتبار أن هذا الأمر يحمل تحذيرات للسكان، قبل شن غارات على غزة، بحسب المزاعم الإسرائيلية.
غير أنه لوحظ أن قوات الاحتلال لجأت إلى تدمير أحياء ومربعات سكنية كاملة، مع عودة عملياتها العسكرية الدامية في غزة، كما حصل في حي الشجاعية، حين استهدفت مربعا سكنيا يأوي أكثر من 1000 فلسطيني، ما خلّف مئات الشهداء والجرحى، وكما حصل في مناطق أخرى في وسط القطاع ومدينة خانيونس.
وبالتوازي مع الغارات الدامية، ألقت قوات الاحتلال منشورات من الجو على سكان المناطق الشرقية لمدينة خانيونس، تطالبهم فيها بالنزوح إلى مدينة رفح (جنوب على الحدود مع سيناء المصرية).
وتلا ذلك أن نشر جيش الاحتلال تهديدات تطالب سكان بعض البلوكات” في مدينة غزة والشمال، حسب الخارطة الإسرائيلية، بالتوجه على الفور إلى مناطق أخرى في المدينة، رغم أن تلك المناطق غير آمنة، وتوجد على أطرافها دبابات إسرائيلية، كما طالب سكان العديد من مناطق مدينة خانيونس بتركها والتوجه إلى رفح.
وجاء في بيان لجيش الاحتلال موجه إلى سكان أحياء المحطة والكتيبة وحمد والسطر وبني سهيلا ومعا وسكان البلوكات من 36 إلى 54، وكذلك سكان البلوكات 216 و220 و221 في مدينة خانيونس، أن قواته ستبدأ بـ”استهداف شديد” في مناطق سكنهم لـ”إسقاط حكم حركة حماس”، وطالب متحدث باسم جيش الاحتلال سكان تلك المناطق بـ”الإخلاء الفوري” والتوجه جنوبا إلى منطقة الفخاري وبعض مناطق رفح.
ذكريات النكبة
وخشية من المجازر الدامية، خرج سكان الكثير من مناطق خانيونس جنوبا إلى مدينة رفح، وغربا باتجاه المواصي، وهي إحدى المناطق التي طُلب من سكان غزة النزوح إليها في بداية الحرب.
وقال سكان نازحون إنهم خرجوا بأمتعة قليلة إلى تلك المناطق، تاركين منازلهم، وأشاروا إلى أنهم باتوا ليلة السبت وفجر الأحد الماضيين، في العراء وبلا أغطية كافية تقيهم تدني درجات الحرارة ليلا.
وقال أبو محمد، أحد الرجال الذين نزحوا هو وأسرته وأسر أشقائه وأقارب وجيران لهم من منطقة مهددة بالقصف الإسرائيلي، إنهم خرجوا أفواجا في مشهد يعيد للأذهان ذكريات اللجوء الأولى خلال نكبة فلسطين 1948 (قيام دولة الاحتلال على أراضٍ فلسطينية).
أبو محمد أضاف أن حجم الدمار والغارات المفاجئة والمجازر التي تقترفها قوات الاحتلال، دفعته وجيرانه ومن معه إلى الخروج بهذه الطريقة، وواجهوا ليلة صعبة جدا، بكى فيها الأطفال من شدة البرد والجوع.
والمنطقة التي لجأوا إليها هي منطقة زراعية لا تتواجد فيها أي “مراكز إيواء”، كما لا تتوفر فيها منازل بشكل يكفي عدد النازحين.
كما أجبرت التهديدات الإسرائيلية أسرا على النزوح القسري للمرة الرابعة أو الخامسة، خاصة التي كانت تقطن قبل الحرب مدينة غزة والشمال.
وكتبت الناشطة المعروفة في غزة هبة الهندي، على صفحتها في موقع “فيسبوك”: “إيش في.. من مكان لمكان ومن بيت لبيت ومنطقة لمنطقة.. الذل يلي شفناه والرعب والخوف والتعب مش طبيعي”.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وفي اتصالات خاصة أجراها بصعوبة سكان أطراف خانيونس والمناطق التي هُددت بالترحيل، استفسروا عن طريقة الخروج من مدينة خانيونس إلى مدينة رفح، في ظل الحديث عن استهداف قوات الاحتلال للسالكين على طريق صلاح الدين الواصل بين مدن القطاع.
ولاقى هؤلاء توجيهات من المعلقين بسلوك الطريق الساحلي، على أن يكون ذلك في النهار، في ظل الاستهدافات التي تطال كل متحرك ليلا في غزة.
وكتبت الصحفية إسلام الأسطل، عبر “فيسبوك”: “حد يفهمنا نمشي وراء تقسيمة البلوكات، ولا الاتصالات والأسطوانات، جد تعبنا بكفي”.
ومعلقة على خطة الاستهدافات الجديدة، كتبت أسماء الوادية،: “قسمونا لبلوكات”.
كما استفسر آخرون ممن وصلتهم خريطة “البلوكات” إن كانوا ضمن المناطق المهددة، لعدم فهمهم تفاصيل تلك الخريطة المتشابكة فيها “البلوكات” والأرقام الخاصة بها.
والخارطة التي نشرها جيش الاحتلال صغيرة جدا وفيها مئات “البلوكات” التي تقسم قطاع غزة، ومن الصعب معرفة المربع الذي يقطنه الشخص.
وأثارت هذه الخطة العسكرية الإسرائيلية الجديدة المخاوف والتساؤلات بين السكان، من الهدف الذي تريد دولة الاحتلال تمريره، ومن التحذيرات التي تطلب السكان بالرحيل.
ويخشى السكان من أن يكون الهدف هو تقسيم محافظات غزة بشكل كامل، والبدء بدفع السكان في مناطق الجنوب أولا بالتوجه صوب الحدود مع مصر، لإجبارهم تحت النار على التهجير القسري إلى سيناء، لتطبيق الخطة العسكرية التي أعلنت عنها دولة الاحتلال في بداية الحرب، وهو ما أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رفضه أكثر من مرة.