المهندس سليم البطاينه
لست في حاجة الى ان تكون فلسطينياً لتتضامن مع قضية فلسطين، فـ لكل عربي ولكل حُر في العالم قصة مع فلسطين،،،، فـ ٧٥ عاماً وهي في قلب الحدث كادت أن تسقط من الذاكرة، وكأن كُتب على الفلسطينيين أن يكونوا ضحايا أبديّين لعجز دولي وغطرسة صهيو-أمريكية وهوان عربي.
الحدث لم يكن متوقعاً على مستوى التوقيت،، لكنه بالتأكيد كان منسجماً مع مستوى الظروف التي قادت إليه، فالحدث الغير متوقع يغير المعادلة،، فـما حَصَل غيّر وبلا رجعة كل الخارطة الجيوسياسية في تاريخ القضية الفلسطينية، ووضع العالم أمام ضرورة الاعتراف بوجود قضية وصلت لمرحلة صفرية تستوجب حلاً،،، وهي قضية شعبٍ سُلبت أرضه ومُنع عنه كُل أشكال التعبير عن شخصيته الوطنية والقومية، بعد ان تم شطبه من معادلة الصراع.
معركة ٧ اكتوبر فرضت واقعاً جديد في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وأثبتت استحالة القفز على الشعب الفلسطيني وحقوقه حتى ولو تواطأ الاخوة ،،،،، وان هناك قضية شعب يقاوم الاحتلال لم يمت وما زال حاضراً بقوة، وقضيته حيّة ترزق غير قابلة للإلغاء، وحقوقها غير قابلة للتصرف،،، وهي الوحيدة القادرة على توحيد وتعبئة الشعوب العربية من المحيط الى الخليج.
مع انطلاق المعركة تعددت التقييمات وتضاربت التعليقات، وتناقضت التفسيرات وكثرة القراءات لهذه العملية البطولية كونها عملية فاقت كل حسابات المنطق الواقعي العقلاني وكانت خارج سياقات المألوف، استهدفت هز المنطقة وتغير ديناميكية الصراع مع إسرائيل، وتقويض الاستراتيجية الامريكية لإدارة المنطقة،،، والاهم من كل ذلك كان كسر عنجهية إسرائيل الفوقية ومَرمغت كرامتها.
لذا يمكن تسميتها بالحدث الابرز في القرن الحادي والعشرين.
إن تبعات عملية طوفان الاقصى غير المسبوقة من حيث الحجم ستكون لها تداعيات ونتائج ذات ابعاد استراتيجية، ليس فقط على مستوى الصراع في المنطقة، بل سيمتد الى الجبهة الداخلية في إسرائيل، والى كامل منطقة الشرق الاوسط،، الذي حتماً ستتغير فيه قواعد اللعبة والصراع.
لا يمكن للأوضاع أن تعود الى ما كانت عليه قبل المعركة،،، فالكثيرون يقرأون الاحداث ويُقيمُونها من زاوية واحدة خصوصاً إذا كانت تلك الزاوية ضيقة وحادة! فـ قراءة المشهد في غزة لا يقف عند حدود الكَر والفَر،، لأنه ان فعلنا ذلك ستبقى القراءة سطحية وساذجة! وبالتالي ستغيب عنا معطيات وخلفيات أساسية لن نستفيق منها إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها.
القراءة الواقعية للمشهد برأيي تندرج تحت بند فهم بنود صفقة القرن،، والتغيرات والاصطفافات الجيوسياسية والاقتصادية الحديثة كمسار الممر الشمالي الاقتصادي الجديد الذي يربط الخليج بأوروبا،، ويربط الهند بدول الخليج ،،، وعلى ما يبدو أن القادم أخطر وهناك مناخ من الغموض يسير بشكل ممتاز وغير مرئي حول تفريغ غزة من اهلها والضفة الغربية من سكانها ،،، وهنالك مسارات وخرائط معلنة وغير معلنة لتغييرٍ كاملٍ لشكل المنطقة !
ما يجري في غزة اليوم أكبر كثيراً من القضاء على حماس، والهدف منه كان ولا يزال تفريغ الارض من سكانها وتهجيرهم إلى دول الجوار ،،، فهناك مؤشرات تُشير الى ان معركة غزة جزء من خطة كبرى لم تكتمل ابعادها الخارجية.
فـ على ذمة الموقع الاخباري الالكتروني الالماني الناطق باللغة الانجليزية Spiegl Online International ،، أشار بعد بدء المعركة بوجود توافق بين إسرائيل وبعضاً من القيادات الفلسطينية في الداخل والخارج ،، وقيادات عربية وازنة للتخلص من صدع غزة الذي يُمثل شوكة في خاصرة إسرائيل ،،،، واعاد الموقع التذكير بمقال نشرته صحيفة The New York Times في ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٣ للمبعوث الامريكي الاسبق للشرق الاوسط Dennis Ross الذي قال أن أحد المسؤولين العرب دون ذكر أسمه طلب منه على أنفراد وجوب تدمير وتصفية حركة حماس.
اما صحيفة Mundo Deportivo الاسبانية أشارت أيضا الى تورّط دول عربية في تمويل ارسال مرتزقة عسكريين من مختلف دول العالم للقتال مع الاسرائليين ضد المقاومة الفلسطينية، من خلال تعاقد تلك الدول مع شركة Black Shield للخدمات الامنية.
لا زلنا متفرجين! ومُخطىء من كان ينتظر إعلان حسن نصرالله الحرب،، وان خطابه سيأتي بمفاجأت ستغير اللعبة على أرض الواقع، لأن إيران في ظل ضعف الموقف السياسي العربي تملك رؤية واسعة لإدارة الفوضى داخل منطقة رقعة شطرنج جيوسياسية الإبعاد.
وواضح جداً أنه ليس في الافق أية بوادر لوقف إطلاق النار او رفع رايات بيضاء! فحتى هذه اللحظة لا تدري إسرائيل ماذا تريد : فهناك أجماع لديهم أنهم تعرضوا لهزيمة أستراتيجية تتطلب تغيراً في مجريات الاحداث لم يُعلن عنها حتى الان ! فهي لن تتسرع في مفاوضات لأنها تُدرك ان الثمن الذي ستدفعه سيكون كبيراً جداً،،، وما زالت ترفض أي مبادرات لا تتم وفق شروطها ورؤيتها مع احتفاظها بفكرة ال Paradigm.
شخصيا، لستُ من المولعين بنظرية المؤامرة،، ونظرتي بالتأكيد ليست تشاؤمية، وغير مرتبطة بالمعادلات العاطفية،، وبعيدة عن أية مواقف أو أحكام مسبقة،،، لكن لدي استفسار يضعني أمام خيارات صعبة،، وأعتقد أن الاجابة عليه متعثرة نوعاً ما : هل حماس أغفلت التوازن ولو نسبياً ؟ وهل وقعت في شرك منصوب لها وفق مخططات أكبر؟ وهل عمليتها كانت مدروسة، ووضعت في حساباتها فائض النجاح لمعركتها بما يترتب عليه رد قاسٍ من اسرائيل؟ أم فوجئت بالنتائج ولم تحسب حساباتها؟
على أي حال ومهما تعددت الاجابات لن يكون بينها إلا جواب منطقي واحد وهو أن حماس استطاعت ايجاد تحدّ في وجه إسرائيل،، وبات القضاء عليها هدف غير قابل للتحقق،،، ومعركتها أسست مرحلة تاريخية لمصير دول المنطقة.
فـ عندما تغيب الأسئلة الكبيرة يصعب حينها الحديث عن فكر المؤامرة والتشكيك بطبيعة وقوع الاحداث، فـ الرأي العام في الشارع العربي أثبت قدرته على فرض محددات جديدة! وعلى خسارة التطبيع مجددا لارتباطه بحقوق الشعب الفلسطيني، وهنا لابد ان يدرك الجميع ان انتصار المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة هو مصلحة أردنية مصرية فلسطينية لبنانية سورية.
ما بعد غزة ستسقط الانسانية! وستنتهي المعركة بضحايا كارثية!! لكن سينهض من صميم اليأس كما قال الشاعر الجواهري رحمه الله جيلٌ مريدُ البأس، جبار عنيد، يُقايض ما يكون بما يُرَجىّ،، ويعطف ما يُراد لما يُريد ( انتهى الاقتباس ) ،،،، وسيتذكر الجميع مقولة ( أُكلت يوم أكل الثور الابيض ) لكن بعد فوات الاوان.
المهندس البطاينة نائب سابق في البرلمان الأردني