بسام البدارين
قد لا يكون دقيقاً القول بأن “التعديل الوزاري” الأخير الذي أثار الجدل في الأردن “تقصد” توزير 4 من ممثلي الأحزاب السياسية الجديدة.
الانطباع الأكثر تداولاً بين النخب السياسية أن المسألة أقرب إلى “صدفة سياسية” نتجت عن اعتبارات وظروف واحتياجات لا علاقة لها بـ “تمكين” الحزبيين من تولي مقاعد وزارية، رغم أن القيادي المخضرم في حزب الميثاق والبرلماني محمد حجوج، جدد اعتقاده أمام “القدس العربي” بأن تلك “خطوة مباركة” وتؤسس للمستقبل.
تلك الصدفة على الأرجح نتجت عن “تراكم الشخصيات العامة” بعد موجة تحديث المنظومة السياسية على عتبات الأحزاب تفاعلاً مع خطط المستقبل… ذلك حقاً بحد ذاته إيجابي ومنتج للأحزاب وللحكومة، ولا يضير المسار التحديثي، شريطة تذكر الجميع بأن العودة دوماً في غاية الأهمية، كما يشدد الحجوج على “العمل البرامجي”.
والمقصود أن خبرات مهنية خاصة قفزت بوزيرين على الأقل ممن دخلوا الطاقم بعد التعديل الأخير في سياق حقائب خدماتية تحتاج إلى خبراء تكنوقراط، وتحديداً في وزارتي المياه والعمل، فيما الاعتبار الحزبي من المرجح أن صفحة التعديل لم تقرأه أصلاً عندما تعلق الأمر بتفعيل الأهم حتى اللحظة، حيث “المحاصصة” المناطقية وأحياناً الاجتماعية هي محور التبديل والمناقلة. أحد الوزراء الجدد كان “الاحتياطي الأهم” المتاح بعدما فقد برلمانيان في اللحظات الأخيرة وفي ليلة التعديل المثيرة فرصة الانضمام للطاقم، ووزير آخر على الأغلب التحق لتمثيل “منطقته”، لكن الخلط مطلوب بين كل التكوينات عموماً. وثمة رأي يلتقط المفارقة ويقول إن الحكومة لو كانت تتقصد “توزير الحزبيين” لتشاورت أولاً مع الأحزاب السياسية الموجودة، وقد لاحظ ناشط حزبي مهم، هو خالد البكار، جزئية تجاهل التشاور مع الحالة الحزبية.
في المقابل، وجود حزبيين في الحكومة “نبأ سعيد” للطامحين المستوزرين في الصفوف الحزبية، وإن كان عددهم ضخماً جداً. وهو نبأ يمكن البناء عليه في تأسيس “مناورة حية” سياسياً، يتم فيها اختبار بعض الأسس المهمة للغاية، وأبرزها الإجابة على السؤال: هل سيعود بعد الآن الوزير المتحزب إلى مؤسسات حزبه للتشاور بتفاصيل ولايته؟
الإجابة على سؤال من هذا النوع قد تكون واضحة، فالوزير يمكنه إبلاغ مؤسساته الحزبية بعدم وجود “أي فضل لها” بوظيفته الجديدة.
لذا، قد لا يكون ملزماً بأي تشاور، وثمة من يقترح لأغراض تنظيمية مبكراً بعد التراجع في الليلة الأخيرة و”بتقدير من المؤسسات العميقة حصرا” عن “توزير نواب”، بأن على الوزراء الأربعة “الاستقالة مؤقتاً” من أحزابهم؛ لأن وجودهم في الحكومة أصلاً لم يكن بناء على “برنامج عمل” ولا بالتشاور مع أحزابهم.
تلك مقترحات “تؤذي” منهجية المنظومة السياسية برمتها، التي ستصبح لاحقاً محوراً للتبادل والتفعيل والاشتباك الإيجابي بين سلطتي التشريع والتنفيذ، كما فهمت “القدس العربي” من رئيس مجلس النواب المناصر لمسارات التحديث أحمد الصفدي.
السياق المرصود والمفهوم هو “تمرير الأشهر المقبلة” بتعديل وزاري مضطرب، ولم يكن مقنعاً، وهدفه الأساسي تبديل الأمور في وزارتي المياه والاتصال فقط، ونتجت عنه إشكالات لا يستهان بها، واختبر القدرة الفعلية على “تعيين وزراء جدد” بمعزل عن “تراثهم الإعلامي” أو حتى عن الاعتبارات الإقليمية المرتبطة ببعض دول الجوار.
وبصرف النظر عن ذلك، يمكن القول إن وجود وزراء بخلفية حزبية هو رافعة مهمة لاختبار أكثر أهمية من أجل المستقبل، شريطة أن “يتدرب” هؤلاء على “تقنيات وآليات” المرجعيات الحزبية ولو بالتقسيط. وتلك بكل حال، لن تكون مهمة بسيطة وسهلة مستقبلاً إذا ما تيسر للطاقم الحزبي داخل أي وزارة طريق “وعرة” مع إطار بيروقراطي يخاصم العمل الحزبي بطبيعته ولا يُعلم عنه شيء محدداً، هذا أولاً. وثانياً، رؤساء لا يظهرون الحماسة اللازمة أساساً للجرعة السياسية من الإصلاح، ويصرون على أن إشكال البلاد الأساسي هو في “الاقتصاد والإدارة”.
في كل حال، يختبر الإطار النخبوي المحلي كل الاحتمالات والسيناريوهات، فيبدو مترددًا أحياناً ومتعثراً أحياناً أخرى، أو يصطدم بوقائع “مراكز القوى” وتصوراتها “غير الموحدة وغير التوافقية” لا عن التعديلات الوزارية فقط، بل أيضاً عن “الواجب في ظل التحديث” ما بين نظريتي “سيدي لا بد من السيطرة والتحكم”، و”لا بد من إطلاق حريات حقيقية لإنضاج المشروع”.
أي من الفلسفتين تصمد في النهاية؟ سؤال مطروح، لكن بلا إجابة واضحة الآن، والأكثر رجاحة أن المطلوب من التعديل الوزاري “العبور بمرحلة” أو تمرير المرحلة الحالية حتى تصبح الفرصة مواتية لتجهيز الاستحقاق الانتخابي لعام 2024 وهو ما تطلب عقد الدورة العادية الأخيرة للبرلمان الحالي يوم 11 من الشهر الجاري.
وهي انتخابات وصفها رئيس الهيئة المستقلة لإدارتها موسى المعايطة، في حوار سابق مع “القدس العربي”، بأنها “محطة في غاية الأهمية” ومرتبطة بمسار “تحديث المنظومة السياسية”، والمقصود من زاوية تحليلية أن الانتخابات ستبلغ دوائر القرار والمهتمين والشارع معاً بكل بساطة عن ما إذا كان مسار “التحديث السياسي” على الأقل قابلاً للبقاء والصمود والتطوير أو حتى للحياة مستقبلاً.
لذلك، أبلغ الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة الشيخ مراد عضايلة “القدس العربي” بأنه يتفق مع القول إن الانتخابات المقبلة مهمة وأساسية وينبغي أن تعني الكثير مع توفر فرصة لحماية “مسارات التحديث” عبر المشاركة الشعبية وبقوة في الاقتراع والانتخابات تحت عنوان “واجب استعادة الحالة الوطنية”.