د. بسام الهلول
..وانا ارقب رجلا عليه علائم الفاقة والحاجة عند حاوية مرقوم عليها شعار( امانة عمان الكبرى.)…ظننته يبحث عن دفتر عائلة سقط منه في تلك الحاوية او يبحث عن ( هويته)…او بطاقة تعريف وحوله صبيات كزغب القطا…رددن من بعض الى بعض…
حافيات ..(شعثا غرلا…).. ومما زادني فضولا ان قصدته فسألته عما تبحث)..؟قال؛ لم هدا الفضول؟..فألححت عليه بل ( الحافا)…قال سقطت مني ( هويتي)..واريد البحث عنها لانها مطلوبة مني اليوم وعلى وجه الضرورة لاني مطلوب الى( امانة عمان الكبرى)..لدفع مخالفة لاني من الذين اسهموا في( القاء بعض الملقيات على اطاريف هدا الشارع…علما باني تمنيت وهي اغلى الاماني ان يستبقي الدهر بعض ملقياته واكاد اقسم لك بالله ورفع عينه الى السماء وانعم النظر طويلا يتمتم ولاادري ماذا كانت تحت خبيء شفتيه من معجم الكلمات..وارتسمت بعدها ابتسامة ساخرة وقال مذ شهور ما طعمنا شيئا
حتى يستبقي لي الدهر فضل طعام..فكيف بفضلاته…لربما احد المتخمين مر من هنا والقى بعض ملقياته !!هم يشبعون هم متخمون على الدوام يلقون بفضلاتهم او ربما القى بها واحد من ابنائه او بناته( عهرا)..او ترفا او نزق تخمة..ويمضون بلا مساءلة..ونحن ندفع ضريبة نزقهم…او( مما اسكرته تخمته)…فقلت له ربما سقطت في الطريق او نسيتها في( هميانك)..اي دستانك…ارجع وفتش مرة اخرى..لاني على يقين ستجدها وان صادف انها هنا في هذه الحاوية فإنك في مأمن على حاجاتك واقرأ جيدا هدا الختم المرقوم على ظهر هذه الحاوية انسيت انها( امانة كبرى)…فكل الملقيات هنا هي في عهدة وذمة( امانة عمان)…فلا تخف ولا تجزع اما رأيت انها( كبرى)…
…سخر مني ولم يلتفت لقولي واستأنف البحث ثانية في الحاوية وقال انا على يقين ان ( هويتي)…ضاعت هنا…ولا مكان ( لبطاقة التعريف)…الا ( هنا)…وهي المكان الامين لكثير ممن فقد ( بطاقة تعريف له)..كثير من امثالي…واردف قائلا ؛ ازيدك ايها الفضولي من الشعر بيت!!!!قلت؛ زدني قال: هذا( المكب)..هو المستودع الامين والناطق الاعلامي للكبرى والصفحة الصادقة فيمن فقد هويته سواء كان مترفا او جائعا..فعدت ادراجي وشكرته اني اذا ضيعت( هويتي)..اني سأجدها في ثنايا ما القته البطون المترعة وحتى البطون التي وضعت حجرا بين حزامها وبطنها…واضاف بيتا اخر من الشعر ولتعلم ان من اراد نسكا لرجم ذاك الشيطان سيجد حصيلته هنا لقذف حصياته ولا يعدم ورقة من كيس اسمنت يأخذها وليكتب عليها عددمراته وهو يرجم الشيطان في السعي بين ( حاويتين)…مكتوب عليهما( امانة كبرى)…بل( عمان الكبرى)…وطفقت راجعا( متهما حصاتي)…في هذه اللحظة هبت زوبعة نسميها عندنا في اريافنا( ام البسيس)..فأخذت الحاوية وكفأتها واذ بورقة متطايرة لحقتها ووجدتها معنونة ولعلها مما فرغ منها ابن خلدون في مقدمته بعد ان ازلت عنها بعض مابقي من حلوى او بقية من ( جاتو)…ملتصق بها رقنا ( زلاطيمو)…فضحكت حتى بانت نواجذي مالذي جمعني بفضلات ( جاتو)..زلاطيمو وقد بانت الكشرة من هدا الهامشي( زلاطيمو)…فعجبت لهذا الجناس من انواع كلامنا في العربية بل من تراتبية اللفظتين من جناس او …(طباق تامّين)….واذ الورقة مستلة من من مقدمة ابن خلدون…والذي زادني عجبا ان الرجل الذي كان منهمكا في البحث بانت مؤخرته لمزق في سرواله
سألته ممكن اسم الكريم قال..خلدون
مالذي جمعني وفي ان واحد بين مزق سرواله وورقة ممزقة من مقدمة عالم الاجتماع ( لعله ابنه)…ما هذه الاقدار التي جمعت بين متطارحين في الهم والرؤيا…ووجدت ان القراءة في هذه الورقة عنوانا يتحدث عن اطوار الدولة عند ابن خلدون(…صاحب المقدمة)…مما انساني( العجب)…في المقابلة بين خلدون…وابنه!!!!فتقول الورقة ( طور الاستبداد)…يكون فيها صاحب الدولةمتفردا في حكمه وسلطته ويكون صاحب الدولة معنيا باصطناع الرجال واتخاذ الموالي لجدع انوف عشيرته وعصبيته المقاسمين له نسبه والضاربين معه في الملك بمثل سهمه
واما الطور الثاني:طور الفراغ والدعة: لتحصيل المال وتخليد الاثار وبعد الصيت فيستفرغ ( صاحب الدولة)..وسعه في( الجباية)..وتشييد المباني واما الطور الثالث؛ طور الاسراف والتبذير…فيكون صاحبالدولة مختلفا لما جمعهاولوه في سبيل الشهوات والملاذ والكرم على بطانته، فيكون مخربا لما كان سلفه. يؤسسون وهادما لما كانوا يبنون وفي هذا الطور تحصل للدولة الهرم ويستولي عليها المرض الذي لاتكاد تخلص منه ولا يكون لها منه برؤ الى ان تنقرض …
د. الهلول كاتب ومفكر اردني