المهندس سليم البطاينه
تعالوا نتخيل المشهد في ظل عدم توفر أدوات للتنبؤ بما هو في علم الغيب أصلاً ،،، لا أحد يعرف ما هو قصد البنك الدولي من تخويف الرأي العام الأردني أو على الأقل تجهيزه لمرحلة صعبة قادمة ! فالضحية هنا شعب أصبح فقير يتصارع مع قوى أحياناً ترميه أرضاً وأحياناً أخرى ترميه بالضربة القاضية ، والدولة صامتة لا تسمع نُصحاً ، وهي بحاجة الى صوت كبير يوقظها.
نحن أمام حقائق مُرّة في الأردن لا تمحوها أو تغيرها تقارير وتحذيرات البنك الدولي ، فموضوع الفقر والجوع المستتر في الاردن يتشعب ويضم المزيد الى اتباعه سنوياً ويتحول الى خطر يهدد تماسك المجتمع واستقراره ،،، فمعظم السياسات الاقتصادية تم وضعها لمصلحة فئات رأسمالية رمت الاردنيين في مستنقع الفقر ، وعملت على توسيع الفجوة بين طبقات المجتمع،
فقراء الاردن واقع سيء تجاهلته مخرجات اللجنة الملكية للتحديث الاقتصادي والسياسي ، ومعضلة الفقر واتساع رقعته تعود للواجهة من جديد ، وتحذيرات من تعرّض الأردنيين إلى صدمات قادمة.
دراسات وتقارير كثيرة حول الوضع الاقتصادي والمعيشي في الأردن تثير القلق أهمها: تقرير البنك الدولي الأخير قبل شهر أو أقل ( الفقر الكلي للعالم لعام ٢٠٢٣ ) وأقتبس الجزئية التي تخص الاردن ( حذر البنك من صدمات محتملة سببها زيادة رقعة الفقر وأعداد الفقراء والمعوزين خلال السنوات القادمة ،،،، وأبدى البنك مخاوفه من صدمات في الطريق ناتجة عن الفقر وتدني معدلات الدخل في الأردن ! وإلى تقليص النمو الحقيقي للفرد ، ومحدودية فرص العمل ، وضعف نسب نمو دخل الأسرة وارتفاع أسعار السلع الأساسية ،، وارتفاع نسبة التضخم ! مما يجعل نسبة كبيرة من المواطنين غير الفقراء عرضة لخطر الفقر ،،، وأن الظروف قد تصبح أسوأ مما كانت عليه خلال أزمة كورونا ).
قبل تقرير البنك الدولي الأخير ( الفقر الكلي للعالم لعام ٢٠٢٣ ) كشف نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط ( فريد بلحاج ) في مؤتمر القمة العالمية للحكومات الذي عقد في دبي بتاريخ ٢/١٠ / ٢٠٢٣ ان هناك اربعة دول يشعر البنك الدولي بقلق اتجاهها في المنطقة من بينها الأردن.
القلق برأيه ناتج عن مستويات الدين العام ، وارتفاع مستوى التضخم ، وعدم كشف الدولة الأردنية عن جزءٍ من الدين الغير معلن عنه حيث يرزح الأردن تحت وطأة ديون بفوائد مرتفعة ! وكان ذلك إشارة الى ديون الشركات المملوكة للدولة ! حيث دعا فيها بلحاج الى الشفافية لأنها الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها البدء في الإصلاح ، والتي ينبغي فيها أن تكون الدفاتر واضحة وشفافة.
وثيقة أخرى أصدرها البنك الدولي عام ٢٠١٨ خص فيها الاردن ذكر فيها( أن أحوال المواطنين الاردنيين لا تسر ، وان ثلث الاردنيين سيكونون تحت خط الفقر خلال عام ٢٠١٩ ، وان الاردن بات يحتل المركز الرابع عربياً بين الدول الأكثر فقراً.
وفي تقرير ( الآفاق الاقتصادية العالمية ) الصادر عن البنك الدولي في عام ٢٠٢١ توقع ارتفاع الدين العام الاردني ( المعلن عنه ) إلى الناتج المحلي الإجمالي من 115,6% إلى 117,9% في عام ٢٠٢٤ ،،، وهنالك تقرير آخر للبنك الدولي يعود تاريخه الى عام ٢٠٠٣ قال فيه أن المدراء التنفيذيين للبنك صادقوا في ذلك التاريخ على خطة عمل قدمها الأردن حصل بموجبها على قروض بقيمة ٣٠٥ مليون دولار بهدف مكافحة الفقر ورفع مستوى التعليم وتحسين أداء القطاع العام.
وفي دراسة تشخيصية ( المنهجية الخاصة في الأردن ) عام ٢٠١٦ من قبل البنك الدولي بقيادة Kevin Carey كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي في إدارة الحد من الفقر والادارة الاقتصادية و Paul Barbour مسؤول أول في إدارة المخاطر والتي نشرتها صحيفة Journal of Political Economy الأمريكية ،،،، أظهرت نتيجة الدراسة ان الاردن يعاني من متلازمة ( الوسط المفقود ) وحالة من الفردية يعيشها البعض بالتعامل مع تحذيرات البنك الدولي ! وهي برأيهم عقلية لا تفهم المعنى الحقيقي لإدارة المخاطر.
إن درجة المخاطر لأي اقتصاد يتم قياسها عن طريق مقارنة الدين العام بالناتج المحلي الإجمالي ، حيث تستخدم تلك النسبة والمقارنة كمؤشر لصحة الاقتصاد ، وهنالك تقارير سابقة اشارت الى ان الاردن بات الاعلى ديناً بين دول العالم النامي نسبة إلى ناتجه المحلي الإجمالي.
وغالبية حكومات العالم تُنفق ما بين ٥٠-٦٠٪ من ناتجها المحلي الإجمالي لتوفير حياة كريمة لشعوبها ،،، لكن في الأردن لا ننفق أكثر من ٢،١٪ من حصة الناتج المحلي الإجمالي ( حسب تقرير تم نشره في عام ٢٠٢١ في جريدة Bloomberg الاقتصادية الامريكية وصحيفة Wall Street Journal في تاريخ٥/٢٨ / ٢٠٢١ ،،،، وأن أكثر من ٦٠٪ من الأردنيين هم خارج دائرة التنمية الاقتصادية الاجتماعية.
الدولة انسحبت من الاقتصاد ، ومارست السياسة دون إصلاح وبرعاية الصوت الواحد ، فمنذُ أكثر من خمسة عشر سنة فقد الأقتصاد الأردني هويته ، وأصبح اقتصاد غير واضح المعالم ! وعبارة عن خليط من سياسات مشوهة في أدارة الموارد ، أدى إلى تدهور مستويات المعيشة وإلى تزايد معدلات الفقر والبطالة ،،،، وأعتمد بشكل على النزعة المركزية الشديدة في إدارة موارد الدولة الاردنية ! فبُّددت الموارد وغابت الخطط والبرامج الاقتصادية والتنموية الملموسة ، حيث لم تركّز الحكومات المتعاقبة على مفهوم التخطيط التنموي الشامل المؤسس على الجانب الاقتصادي المحمي ! والمؤسس على بناء رصين من الكفاءات الإقتصادية والمالية ذات الخبرات والسجلات النظيفة الخالية من أية مؤشرات.
لطالما حذر البنك الدولي الاردن من الاقتراض من مؤسسات مالية عالمية بفوائد مرتفعة ، والتحذيرات التي وجهت للاردن كثيرة : منها منظمة الاغذية والزراعة ال FAW حيث حذرت ايضاً قبل أشهر من خطورة تأثير التضخم الجامح حالياً في العالم في توسيع قاعدة الفقراء في عدة دول منها الأردن.
إن الفقر في الأردن اخذ منحنى تصاعدي والأرقام صادمة ! ولم يعُد تعريف الفقر كما كان عليه سابقاً من أناس يعانون من البؤس ويتسولون لتأمين قوتهم ،، فقد تغير هذا المفهوم وأصبح يعني من ليس له دخل جيد وقدرة شرائية جيدة ، ومن لا يستطيع تحمل نفقات تكاليف الرعاية الصحية ونفقات التعليم ! ومن ليس بإمكانه الحصول على فرصة عمل ،،، فهناك أنواع من الفقر منها الفقر غير المادي والذي يوصف بأنه فقر متعدد الأبعاد ، ويتم قياسه بعدة طرق كفقر الصحة وانخفاض مستوى التعليم الحكومي ، وغياب العدالة الاجتماعية ، وتفشي البطالة بين الشباب ! والاستبعاد الاجتماعي ،،،، وهذا النوع من الفقر هو الأخطر لأنه يشكل تهديداً للاستقرار السياسي والاجتماعي للدولة ،،،، وأخطر ما فيه أنه يضرب بنية المجتمعات.
لنكن أكثر واقعية ، لا حاجة لنا لحكومات لا تحكم ! ولا لمجالس نواب لا تُشرّع ، الأردن تم إغراقه بالمديونية وباتت وظيفة الحكومات التركيز على جانب الإيرادات والضرائب والرسوم والمخالفات والبحث عن القروض والمساعدات والمنح من هنا وهناك ،،، ونحن اليوم بتنا في أشد الحاجة إلى فكر جديد يتولى صياغة سياسات اقتصادية وبرامج للتنمية الاقتصادية ، والى رسم خريطة إنقاذ اقتصادية وإقامة إطار عام لإدارة المخاطر ،،،،، فالعلاقة بين الفقر وانخفاض مستوى التعليم واعتلال الصحة علاقة طردية، والدولة ما زالت لا تعرف ان الانفاق على قطاع الصحة والتعليم والنقل يقلل من سقوط الناس في براثن الفقر.
نائب أردني سابق