ظلّ سورية “المُحاصرة” محور الاهتِمام الرئيسي في مِنطقة الشّرق الأوسط، والشّغل الشّاغل للقِوى الإقليميّة والدوليّة، وصانعة المُلوك في الانتخابات التركيّة القادمة، والأكثر استقرارًا، وفِعلًا، وتأثيرًا، في مُحيطها العربيّ، رُغم كُلّ الحُروب التي تُواجهها مُنذ أكثر من 11 عامًا على حواليّ أربع جبهات، إن لم يكن أكثر.
نشرح أكثر ونقول، إنه بعد الزّيارات المُفاجئة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى كُل من مسقط وأبو ظبي، وزيارة وزير الخارجيّة السعودي لدِمشق حاملًا دعوةً لرئيسها لزيارة الرياض، وعقد اجتماع رُباعي يضم وزراء دفاع روسيا وإيران وتركيا وسورية في موسكو، ها هي العاصمة الأردنيّة عمّان تستضيف غدًا الاثنين اجتماعًا خُماسيًّا يضمّ وزراء خارجيّة السعوديّة ومِصر والعِراق والدّولة المُضيفة الأردن إلى جانب وزير الخارجيّة السوري.
***
لنبدأ من الآخر، ونقول إن هذا الاجتماع الخُماسي الذي جاء بمُبادرةٍ سعوديّةٍ يأتي تكملةٍ لاجتماعِ جدة التشاوري للتوصّل إلى صيغةٍ مُلائمةٍ تُمهّد الطّريق لمُشاركة سورية في القمّة العربيّة المُقبلة في الرياض، وإيجاد سُلّم للدّول التي تُعارض هذا الحُضور للنّزول عن الشّجرة ووضعها أمام الأمر الواقع بطريقةٍ “كريمة”، والرّسالة واضحة تقول أمامكم خِياران، الأوّل حُضور سورية وعودتها إلى الجامعة العربيّة من البوّابة السعوديّة، والثاني، غيابكم إذا تمسّكتم بهذه المُعارضة، أن مقاعدكم ستكون هي الفارغة، مثلما جعلتم مقعد سورية شاغرًا طِوال السّنوات العشر الماضية، وتحمّل مسؤوليّة النتائج، وأبرزها غضب مُعظم الرأي الشّعبي العربي.
هُناك ثلاثة دول تُجاهر حتّى الآن بمُعارضة هذه العودة، هي قطر والكويت والمملكة المغربيّة، والذّريعة المُعلنة عدم زوال الأسباب التي أدّت إلى تجميد العُضويّة السوريّة، وعلى رأسها غياب الحلّ السياسيّ الشّامل للأزمة، وبما يُؤدّي إلى مُصالحةٍ وطنيّةٍ، وعودة اللّاجئين.
السّبب الحقيقي الذي تتجنّب الدّول الثلاث ذكره، أنها “تتجاوب” لضُغوطٍ أمريكيّةٍ قويّةٍ جدًّا لإبقاء سورية خارج الجامعة العربيّة، انسِجامًا مع عُقوبات قانون “قيصر” الأمريكي، والرّغبة الأمريكيّة في تشديد الحِصار لا تخفيفه، وتعميق العُزلة السوريّة التي تتآكل بشَكلٍ مُتسارعٍ هذه الأيّام.
اجتماع عُمان الخُماسي الذي يضم الدّول العربيّة الأكثر ثُقْلًا في المشرق العربي في الوقتِ الرّاهن (السعوديّة، مِصر، العِراق وسورية) ربّما تكون مهمّته الأساسيّة البحث عن مخرجٍ “دبلوماسيٍّ” من هذا المأزق، ويُسَهّل عودة الدّول الثلاث المُعارضة، أو مُعظمها، فالحديث الآن يدور عن مُبادرةٍ أردنيّةٍ من عشرِ نقاط تُشَكّل خريطة طريق لإنهاء الأزمة السوريّة من المُقرّر أن يتم تطبيقها في الأشهر المُقبلة بإشرافِ لجنةٍ عربيّةٍ مُشتَركة.
الاحتمال الأكثر ترجيحًا أن يتم عرض هذه “الخريطة”، وبعد اعتمادها من قِبَل وزراء خارجيّة لقاء عُمان، على القمّة العربيّة في الرياض للمُوافقة عليها، وبحُضور سورية، سواءً مُمثّلةً بالرئيس بشار الأسد، أو من يختاره للنّيابة عنه.
تصريحات السيّد أحمد أبو الغيظ أمين عام الجامعة المُفاجئة والصّادمة، لقناة “الجديد” التلفزيونيّة اللبنانيّة، واعترف فيها “أن الرئيس بشار الأسد ربح الحرب، وحسمها عسكريًّا لصالحه، واستعادة بلاده لمقعدها في الجامعة بات حتميًّا”، يأتي في اعتِقادنا تمهيدًا مُباشِرًا لهذه المُشاركة السوريّة في القمّة، فالرّجل ليس صاحب قرار، ويعكس في مُعظم الأحوال، إن لم يكن كلّها، مواقف حُكومته المِصريّة، وليس جامعته العربيّة، وثِقَل مِصر في هذه القضيّة لا يُمكن، بل لا يجب تجاهله.
الدّول المُعارضة لعودة سورية إلى الجامعة العربيّة، وبضُغوطٍ وإملاءاتٍ أمريكيّةٍ على الأرجح تختبئ خلف إصبعها، وترفض التّسليم بتطوّرات جذريّة في المِنطقة العربيّة والعالم:
-
الأوّل: صُمود سورية قيادةً وجيشًا وشعبًا في مُواجهة المُؤامرة الأمريكيّة لتفكيكها وإسقاط نِظامها رُغم ضخ أكثر من نصف ترليون دولار، وتجنيد مِئات الآلاف من المُسلّحين لتحقيق هذا الهدف.
-
الثاني: الاتّفاق السعودي- الإيراني الذي قلب كُلّ المُعادلات في المِنطقة العربيّة ويقود بشَكلٍ مُتسارع لتصفير الخِلافات فيها، وأبرزها حرب اليمن الاستفزازيّة.
-
ثالثًا: الصّعود المُتسارع للمحور الصيني الروسي، وتعزيزه لمنظومات تُهَدّد بتقويض، بل وإنهاء الهيمنة الأمريكيّة على العالم مِثل منظومة “البريكس”، ومُعاهدة “شنغهاي” وإصدار نظام مالي جديد يُطيح بسيطرة الدّولار.
-
رابعًا: الهزيمة الأمريكيّة شِبه المُؤكّدة في أوكرانيا، وفشل أبرز أسلحتها (أمريكا) أيّ سِلاح العُقوبات، وخُروج مُعظم دول شرق الأوسط من التبعيّة الأمريكيّة بقِيادة المملكة العربيّة السعوديّة، وأكّدت صحيفة “واشنطن بوست” هذه الحقيقة في عددها الصّادر أمس بقولها إن بعض الدّول المُؤثّرة مِثل مِصر والإمارات وتركيا وباكستان وإيران إلى جانب البرازيل والهند، تبتعد عن دعم أمريكا في حرب أوكرانيا لأنها لم تعد القُوّة العُظمى بلا مُنازع.
لا نعرف متى سيزور الرئيس السوري بشار الأسد المملكة العربيّة السعوديّة، فلم يتم تحديد موعد لها حتى كتابة هذه السّطور، ولكنّنا لا نستبعد أن تتزامن مع انعِقاد القمّة العربيّة في الرياض، تمامًا مثلما زارها وزير خارجيّته السيّد فيصل المقداد في تزامنٍ مع انعِقاد قمّة جدّة التشاوريّة الخليجيّة قبل أُسبوعين، ولم يُغادر إلا بعد انتهائها تقريبًا في خطوةٍ سعوديّةٍ تنطوي على الكثير من التحدّي.
كُنّا نتمنّى لو جرى توجيه الدّعوة للأشقّاء، أو أحدهم في الاتّحاد المغاربي، وخاصّةً الجزائر، لحُضور هذه اللّقاءات التشاوريّة سواءً في جدّة أو عمّان حول عودة سورية إلى الجامعة العربيّة، حتى لا تقتصر هذه المُشاورات على الجناح المشرقي فقط، خاصّةً أن الجزائر ربّما كانت الدّولة الوحيدة التي عارضت، إلى جانب لبنان، إبعاد سورية وتجميد عُضويّتها.
***
نحنُ أمام مُفاجآت كُبرى قادمة ومن الرياض تحديدًا، مثلما فاجأتنا قيادتها بالتّنسيق النّفطي مع روسيا، ورفض الضّغوط الأمريكيّة بزيادة الإنتاج، ودعت جو بايدن لإهانته، والرئيس الصيني تشي جين بينغ إلى الرياض لتكريمه، وتوثيق التّحالف معه، لا نستعبد مُفاجئتين في الأيّام القليلة المُقبلة، الأولى زيارة الرئيس الأسد للسعوديّة وفرش السجّاد الأحمر له، وربّما حُضوره شخصيًّا قمّة الرياض، والثانية عودة بلاده إلى الجامعة العربيّة من أوسع أبوابها، واستِعادة مِقعدها، وتوجيه صفعة كُبرى لامريكا التي تُعارض هذه الخطوة بوقاحةٍ، ونصّبت نفسها حارسًا لبابها، يُحدّد من يدخل ومن لا يدخل.