تواجه الولايات المتحدة العديد من المشكلات التي تجعلها غير قادرة على كبح جماح منافسيها في عدد من المناطق الجيوإستراتيجية، ما يهدد بتحجيم دورها في عدد من الملفات الحارقة.
ويرى الباحثان الجنرال الأميركي المتقاعد جون آر.آلين ومايكل ميكلاوسيك وهو أحد كبار زملاء جامعة الدفاع الوطني الأميركية، أن أحدث المشكلات التي تواجهها الولايات المتحدة مشكلة تتعلق بالردع، حيث لم يعد يؤدي غرضه. ولا يعني هذا أنها على وشك الانزلاق إلى حرب نووية، ولكن بعيدا عن الحروب النووية، لا يبدو أن نموذج الردع الأميركي يحقق الردع كثيرا في الآونة الأخيرة.
ويقول الباحثان في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية إنه لا يبدو أن أعداء الولايات المتحدة، وأساسا روسيا والصين، يخافون من خطر الفشل في تحقيق أهدافهم أو الخوف من التعرض للانتقام. وكلتا الدولتين تمسكان بزمام المبادرة بسلوك عدواني يتراوح ما بين حرب المعلومات، من خلال مجموعة أساليب المنطقة الرمادية، وحتى اللجوء إلى الغزو العسكري غير المشروع واحتلال دولة مجاورة ذات سيادة. فإما أن نظرية الردع خاطئة، وإما أن الغرب ينفذ الردع بصورة خاطئة.
الخوف من التصعيد تجاه الدب الروسي في الملف الأوكراني منع الغرب من اتخاذ الخطوات الضرورية لإنهاء الحرب
وأكد الباحثان أن روسيا حققت أهدافها التي شملت ضم شبه جزيرة القرم وفق عمليات مخططة جيدا وبتكاليف لا تذكر. والعام الماضي شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه واسعة النطاق ضد أوكرانيا، وهو غير مبال بالتهديدات والتحذيرات من جانب الدول الغربية.
من ناحية أخرى تقوم الصين، التي توصف بأنها تهديد متسارع، بسرقة الملكية الفكرية الغربية دون هوادة أو اعتذار طوال سنوات أيضا بتكلفة لا تذكر.
كما قامت الصين بعسكرة بحر الصين الجنوبي، وسلحت الجزر المرجانية في المياه المتنازع عليها، كما أنها هددت الدول المجاورة التي تجرأت على تحدي مطالبها الإستراتيجية، بالإضافة إلى العديد من الانتهاكات. وكل ذلك قوبل باحتجاجات مسموعة من الغرب وعقوبات اقتصادية محدودة، لكن لم يكن هناك شيء يكفي لردع ما تقوم به الصين.
وقال آلين وميكلاوسيك إن الردع الحقيقي يعتمد على إرادة الولايات المتحدة والغرب وقدرتهما على تكبيد العدو خسائر فادحة. وإذا اعتقد الأعداء أن التدخل سوف يمنعهم من تحقيق أهدافهم أو أنهم سوف يتعرضون لانتقام شديد وعواقب وخيمة، سوف يرتدعون.
وأضافا أن الردع يتطلب مصداقية، وهذا ما يفتقده الغرب بوجه عام والولايات المتحدة بوجه خاص. إن عدم قدرة الولايات المتحدة والغرب على إظهار الإرادة والقدرة على الانتقام سيؤدي إلى أن يقوض أي ردع غير حقيقي الردع نفسه. فالخوف من تصعيد الحرب في أوكرانيا خلق جوا من الردع الذاتي. فهناك خوف من جانب الولايات المتحدة والغرب من أن يؤدي أي عمل انتقامي إلى تفاقم الوضع وأن يطلق العنان لدوامة تصاعدية، ربما تقترب من أو حتى تتجاوز العتبة النووية.
الصين، التي توصف بأنها تهديد متسارع، تقوم بسرقة الملكية الفكرية الغربية دون هوادة أو اعتذار طوال سنوات أيضا بتكلفة لا تذكر
وأوضح آلين وميكلاوسيك أن هذا الأمر رغم أنه مفهوم، فإن هذا التفكير يؤدي بشدة إلى تقييد أي إظهار موثوق به لقدرة الولايات المتحدة والغرب وإرادتهما. وفي الوقت نفسه يواصل الأعداء حملتهم المستمرة متعددة الاتجاهات ضد المصالح القومية للولايات المتحدة والغرب، مستفيدين مما يرونه شللا من جانبهما.
وأشار الباحثان إلى أن الافتقار إلى المصداقية شجع الأعداء الذين من المحتم سوف يختبرون حالة ضبط النفس لدى أميركا والغرب، ويسعون لقياس وتفهم النقطة التي تتوافق فيها إرادة أميركا على التصرف مع الحاجة إلى الدفاع عن مصالحها الحيوية. وفي الوقت الحالي يرى الأعداء أن إرادة الولايات المتحدة للعمل ليست متوافقة مع مصالحها. وعلى هذا الأساس، يستمر البحث الدائم عبر مجموعة كبيرة من المجالات المتعددة، خاصة المجال السيبراني.
وأكد الباحثان أن الحرب الروسية في أوكرانيا تمثل هذا الوضع بوضوح. فالخوف من التصعيد منع الغرب من اتخاذ الخطوات الضرورية لإنهاء الحرب.
وأوضح بوتين أن العقوبات الاقتصادية لن تردعه. وكان يتعين على واشنطن والغرب أن يكونا قد أدركا أن العقوبات الاقتصادية، رغم أنها تخلق شعورا بالارتياح، أو حتى رغم ما قد تلحقه من ضرر للأعداء، فإنها لا تردع عدوا لديه إصرار. ويمكن القول إن دولا كثيرة غير روسيا لم تردعها العقوبات الاقتصادية.
واختتم الباحثان تقريرهما بالقول إن الأمر الواضح هو أن الحقيقة الأساسية لنظرية الردع تظل ثابتة، وهي أنه لكي ينجح الردع في أي مجال من المجالات يتعين أن يدرك الأعداء تماما أن الولايات المتحدة والغرب لديهما الإرادة والقدرة على منعهم من تحقيق أهدافهم أو أنهم سوف يخاطرون بتكبد خسائر فادحة. لقد كانت إعادة بناء قوات الدفاع الغربية خلال العقد الماضي هائلة، لكن للأسف كان يتم أيضا إضعافها من حين إلى آخر بالشلل والغموض الإستراتيجي. إن الإعلان عن امتلاك الإرادة أو الإعلان عن خطوط حمراء لن يكون كافيا. فالأقوال يجب أن تتحول إلى أفعال.