يحذر باحثان إسرائيليان من مضي إسرائيل في نومها وغفلتها عن تحولات خطيرة في محيطها، مؤكدين عدم جاهزيتها لحرب محتملة من شأنها أن تفضي لنتائج مرعبة. ويقول اللواء في الاحتياط، الباحث في الشؤون الإستراتيجية يتسحاق بريك، ضمن مقال نشرته صحيفة “معاريف” العبرية، إنه ليس هناك أبشع من تصريحات المستوى السياسي– والأمني الإسرائيلي الفارغة، بشأن الجهوزية في جميع القطاعات في مواجهة أي توتر قد يحدث. وعن ذلك يضيف: “فمؤخراً، أعلن وزير المال بتسلئيل سموتريتش أن دولة إسرائيل لن تسكت عن الهجمات ضد مواطنيها، وأن أعداءها سيندمون على ذلك. كما أن رئيس حزب “أزرق أبيض”، رئيس الأركان ووزير الدفاع السابق بني غانتس، الذي ألقى مؤخراً خطاباً عن جهوزية الجيش، هو أول المسؤولين عن عدم هذه الجهوزية للحرب المقبلة المتعددة الجبهات. عندما كان رئيساً للأركان قرر غانتس تقليص أعداد مئات الدبابات ووحدات أُخرى من سلاح البر، بعد أن جرى وضع خط أحمر ممنوع أن يتخطاه”. كما يقول بشأن غانتس إنه خلال فترة ولايته ازداد التهديد على إسرائيل بمستويات لم نعرفها من قبل: إسرائيل محاطة بآلاف الصواريخ والقذائف، وعشرات الآلاف من المقاتلين المجهزين بالسلاح المضاد للدبابات وبالمدفعية، وميليشيات شيعية موالية لإيران تزداد قوة في سورية واليمن والعراق”.
بريك: حتى لو نجح سلاح الجو في إصابة بنك أهدافنا في لبنان، فإن هذا سيكون مثل نقطة في بحر، مقارنةً بحجم القوة الموجودة لدى أعدائنا.
جهوزية عملياتية
ويؤكد بريك أن الجهوزية العملياتية للجيش وللجبهة الداخلية تبدو في حالة من الضعف المستمر، معللاً ذلك بالقول إن سلاح البر وسلاح الاحتياط لم يتدرَّبا وفقدا مهارتهما، كما سمح غانتس لرئيس الأركان أفيف كوخافي، الذي حل محل غادي أيزنكوت، بالاستمرار في تقليص سلاح الاحتياط، بالإضافة إلى النقص في التدريبات، وهو ما أدى إلى إضعاف الجيش، وعدم قدرته على العمل كما يجب في الحرب المقبلة المتعددة الجبهات.
بين الجوهر والشكل
منبهاً إلى أن غانتس، بعمله هذا، نسيَ أن الحروب لا نربحها بالشعارات، إذ من المحتمل أن نواجه حروباً إقليمية قد تتعرض خلالها الجبهة الداخلية في إسرائيل إلى إطلاق 3500 صاروخ وقذيقة ومسيّرة يومياً، الأمر الذي قد يتسبّب بتدمير مئات المواقع يومياً، ويوقع خسائر كبيرة ودماراً مخيفاً.
ويتابع بريك: “حتى لو نجح سلاح الجو في إصابة بنك أهدافنا في لبنان، فإن هذا سيكون مثل نقطة في بحر، مقارنةً بحجم القوة الموجودة لدى أعدائنا، ليس فقط في لبنان، بل أيضاً لدى الميليشيات الشيعية في سوريا والعراق واليمن، ولدى “حماس” والجهاد الإسلامي في غزة وفي إيران.
إن إطلاق الصواريخ والقذائف والمسيرات من جانب العدو سيستمر طوال أيام الحرب، بينما مخزون إسرائيل يبدو محدوداً، ويمكن أن يصمد لفترة قصيرة فقط. وهذا مثال كلاسيكي على ما قامت به القيادة الرفيعة المستوى في الجيش، والمستوى السياسي من ذرِّ الرماد في عيون الجمهور، وبدلاً من إعداد الجيش للحرب فهم ينشغلون بالشكل لا بالجوهر”.
معضلة صعبة
وبرأي اللواء الإسرائيلي بريك، وجدتْ إسرائيل نفسها أمام معضلة صعبة، تتمثل بكيفية الرد على إطلاق الصواريخ من لبنان ومن غزة وسوريا في عيد الفصح، لكن المستوى السياسي نسيَ أن إطلاق هذه الصواريخ هو بمثابة تجربة للأدوات مقارنةً بالحرب المتعددة الجبهات المقبلة، التي ستُطلق فيها آلاف الصواريخ الثقيلة مع رؤوس حربية تزن مئات الكيلوغرامات، كما أن جزءاً منها صواريخ دقيقة يمكنها أن تصل إلى ميناء حيفا ومنطقة تل أبيب.
ويمضي في تحذيراته: “لن تنفع منظومة القبة الحديدية في مواجهتها، وأي رد حادٍّ غير متوازن من جانب إسرائيل كان يمكن أن يؤدي إلى نشوب حرب إقليمية شاملة، بينما الجيش الإسرائيلي والجبهة الداخلية الإسرائيلية ليسا مستعدين لها”. ويخلص للتأكيد على الوحدة الداخلية: “وبدلاً من أن نتشاجر في ما بيننا، يجب أن نقف موقفاً واحداً وراء راية الأمن القومي والفردي، وأن نعطي الطاقم الممتاز- وزير الدفاع، ورئيس الأركان والمدير العام لوزارة الدفاع- الوقت والوسائل لإعداد الجيش والجبهة الداخلية بأسرع وقت ممكن لمواجهة حرب إقليمية قد تقع عاجلاً أم آجلاً”.
أوقفوا إنكار الحرب وابدأوا بالاستعداد لها
وينسجم المستشرق الإسرائيلي دورون ماتسا مع اللواء بريك بقوله إن فترة الإنكار انتهت، وإنه، منذ عامين، وبالتحديد منذ عملية “حارس الأسوار”، أغمضت إسرائيل عينيها حيال تبدّل الواقع الإستراتيجي، الذي ضمن إطاره وجّه “الإرهاب” الفلسطيني ضرباته من خلال تساقط الصواريخ بصورة أساسية على غلاف غزة، وفي الضفة والجليل والنقب. ويرى ماتسا، في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أنه لا يمكن لإسرائيل مواصلة روتينها اليومي، وتكريس اهتمامها بالصراع الثقافي على صورة الدولة، إذ حصلت على الهدوء الأمني النسبي في العقد الأخير الذي رافقه ازدهار اقتصادي، وغرقت داخل نفسها من دون أن تدرك أن التاريخ لم ينتهِ هنا، ومن دون أن تعي أن البيئة من حولها تغيرت وبدأت تثور ضد النظام الإستراتيجي الذي اعتمد على السلام الاقتصادي كوسيلة لتقليص النزاعات الأيديولوجية.
ماتسا: إذا تحولت إيران إلى دولة على عتبة النووي، سيزداد استعداد عناصر المقاومة لزيادة حدة هجماتهم على إسرائيل في ظل المظلة الإيرانية.
الفلسطينيون أولاً
ويرى ماتسا أن الفلسطينيين هم أول من تحدى هذا النظام: “في البداية في غزة، ولاحقاً داخل المجتمع العربي في إسرائيل، ومن بعدهما في القدس، وأخيراً في الضفة الغربية، وخلال أكثر من عام، خاض المحيط الأيديولوجي الفلسطيني “إرهاباً” متواصلاً ومزمناً، وقد فعل ذلك بالأساس بين البحر المتوسط ونهر الأردن، إلى أن انضمت إليه في المرحلة الحالية أطرافٌ فلسطينية من خارج الساحة المحلية”. منبهاً إلى أنه، في المقابل، تخلّى “حزب الله” عن الحذر الذي تميّزَ به بعد حرب لبنان الثانية، وبدأ يدرس حدوده وحدود إسرائيل. ويوضح أن “هذا كله يحدث بينما تدفع إيران قدماً بتخصيب اليورانيوم، وتحطم الجدار الحديدي السياسي الذي بنتْه إسرائيل من خلال اتفاقات أبراهام”.
وسط معركة كبيرة
ويرى المستشرق الصهيوني أن إسرائيل اليوم موجودة في وسط معركة كبيرة في الشرق الأوسط، وأن الانفجار الكبير لم يحدث بعد، لكن من الواضح زيادة استعداد الائتلاف غير المعلن لأنصار المعسكر الأيديولوجي والنشط من أجل تحدي إسرائيل وتحدي النظام القائم. ويضيف: “في نظرة إلى المستقبل، نشأ نموذجٌ عن الواقع الذي يمكن أن يصبح حقيقة يومية، إذا تحولت إيران إلى دولة على عتبة النووي، لأنه حينها سيزداد استعداد عناصر المقاومة لزيادة حدة هجماتهم على إسرائيل في ظل المظلة الإيرانية التي ستوفرها طهران”.
مرحلة مؤلمة
كما يقول إن إسرائيل تمرّ بمرحلة مؤلمة للغاية: النظام الإستراتيجي يتفكك، لكن الإدراك المعرفي لهذا لم يدخل في عمق الوعي. والدليل على ذلك برأيه أن أطرافاً داخلية ما تزال تعتقد أن في الإمكان الاستمرار في إدارة الصراعات بشأن صورة الدولة كأن شيئاً لم يتغير، وبالتالي حتى في القدس لم تبرز بوادر تفكير بشأن إستراتيجيا شاملة جديدة مطلوبة لمواجهة تغييرات الواقع. منبهاً إلى أنه في هذا الإطار الوقت ينفد: رمضان سينتهي، لكن الحرب غير المعلنة على إسرائيل في الوقت الحالي ستستمر. ليس المقصود موجة أُخرى من تصعيد محدود، إنما واقع منظومي جديد.
ماتسا: فرص مواجهة النووي الإيراني بواسطة هجوم مباشر ضئيلة، لكن من الممكن مواجهة وكلاء طهران والخاضعين لوصايتها.
حكومة وحدة وطنية
وضمن الاستنتاجات يقول ماتسا إن ما نحتاج إليه الآن إستراتيجيا جديدة تعتمد على ثلاثة مداميك أساسية، الأول فيها سياسي؛ والمقصود عملية ضرورية لتوسيع ائتلاف نتنياهو، وتشكيل حكومة طوارئ وطنية. ويعلّل توصيته بالقول إن حكومة كهذه ستفرض على المعارضة التخلي عن سعيها الساذج لإسقاط الحكومة من خلال النضال ضد الإصلاح القضائي، ومن ناحية ثانية ستجبر الائتلاف على تغيير أجندته القومية، والتركيز على القضايا الأمنية.
المدماك الثاني جماهيري: على قيادة إسرائيل النظر مباشرة إلى الشعب الإسرائيلي، وإطلاعه على الأخبار السيئة، وتحضيره لسنوات صعبة وملبّدة، بالمفهوم الأمني، والإجماع أمر مهم في الوقت الحالي من أجل الدفع قدماً بعمليات سريعة لتعزيز البنى التحتية، وفي مواجهة معركة أو معارك مستقبلية.
المدماك الثالث عسكري: لا مفرّ، على إسرائيل أن ترسم من جديد قواعد اللعبة الإقليمية والتخلي عن نظرية الاحتواء، أو على الأقل عليها أن تنوِّعَ سجلها الإستراتيجي من خلال توجيه ضربة قاسية لإحدى خلايا منظومة المقاومة الإقليمية، وذلك انطلاقاً من الإدراك بأن فرص مواجهة النووي الإيراني بواسطة هجوم مباشر ضئيلة، لكن من الممكن مواجهة وكلاء طهران والخاضعين لوصايتها.
ويخلص المستشرق الإسرائيلي للقول: “كما يجب توجيه تحذير إلى كل من يحاول أن يختبر صبر إسرائيل، صحيح أنها أضاعت الفرصة التي أتاحها “حزب الله” و”حماس” بعد إطلاق الصواريخ الكثيف من لبنان، ليلة الفصح، لكن الوقت لم يفت للقيام بعملية فعالة ومهمة وذكية ومخطط لها، تستهدف إحدى الخلايا في منظومة المقاومة التي تهددها، وتعمل على تفكيكها، وبهذه الطريقة تذكّر الجميع من جديد بأن جارهم البلطجي في الشرق الأوسط لم ينسَ كيف يضرب”.
يشار إلى أن صحيفة “هآرتس” كشفت، قبل أيام، عن وجود قلق لدى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من احتمالات نشوب حرب في المنطقة خلال العام القريب.