تُعيد الصحافة الإسرائيلية تكرار مشهد تحرّشها في الأردن قيادةً وشعبًا في مؤشر جديد على أن وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تمثّل اليمين المتطرف بدأت تلمس تأثيرا في المجتمع الدولي جراء الاشتباك الأردني وتحديدا في المجال الحيوي لملف القدس والمسجد الأقصى، الأمر الذي يؤشر مجددا على بقاء لا بل استمرار وامتداد الأزمة التي كانت صامتة.
واصبحت الآن علنية بين الأردن وبين حكومة بنيامين نتنياهو وطاقمه المتشدد والمتطرف والذي يرفض الأردن التعامل معه من قريب أو من بعيد.
أبلغت رسائل أردنية محددة بخصوص الثابت في ملف القدس للمسؤولين عن الأمن القومي في الدولة العميقة الإسرائيلية.
وتم التأشير على أن الأردن جادٌّ في ثابته بخصوص الوصاية الهاشمية والإصرار على مضمون بقاء الأمر الواقع كما هو وفقا لاتفاق وقع عام 2015 وتضمن بروتوكول يتفق فيه الأردنيين والإسرائيليين بتوقيع حكومة إسرائيل آنذاك على طبيعة وتفاصيل الوسائل الاردنية والرعاية التي اعتبرت جزء حيويا من اتفاقية وادي عربة.
في الحوار مع الإسرائيلي خلف الستارة وعبر حتى مستشارية الأمن القومي الأمريكية التي حضرت إلى المنطقة وتحديدا إلى عمان وتل أبيب بقصد محاصرة حالة خلاف وتجاذب بين الأردن واسرائيل خوفا من تطورها إلى صراع مفتوح قد يؤثر بالضرورة على مسار التكيّف مع الوقائع الجديدة في الأرض الفلسطينية وهو تكيّف يشترط الأردن أن يكون باتجاهين.
والأهم قد يؤثر على مسار تحضيرات لقاء النقب 2 الذي يكمل سلسلة الإبراهيميات وتعتبره الإدارة الأمريكية الحالية أساسا في ترتيبات اقتصادية يعقبها ترتيبات معيشية تؤدي إلى تهدئة عامّة في الأراضي الفلسطينية المحتلة
وفي ذلك الحوار تمسّك الأردن بالوضع القائم وتمسك ببنود البروتوكول الذي يمارس صلاحيته في الوصاية ورعاية للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية بموجبه.
وطلب بإصرار زيادة عدد موظفي الأوقاف التابعين له وتمكين حراس المسجد الاقصى من التابعية للأوقاف الاردنية من القيام بمهامهم والسيطرة على الكاميرات كما اصر الاردن على ان زيارة الوزير ايتمار بن غفير زيارة دولة رسمية وليست شخصية بعدما أقر الأمريكيون بأنها”إستفزازية” فالأمر يتعلق بوزير بارز في الحكومة ومسؤول عن الامن القومي مما برر رد فعل السلطات الاردنية العنيف خصوصا مع الولايات المتحدة وفي المجتمع الدولي.
عمان وفي تلك الحوارات الصاخبة أصرّت على أن أداء صلاة يهودية في حرم المسجد الاقصى يعتبر من الاعتداءات المباشرة على الوصاية وبالتالي على الأردن وأن الحكومة الإسرائيلية عليها أن تضبط عناصرها لتلتزم بالبروتوكول لا بل طلب الاردن.
في بعض مفاصل المشاورات والمفاوضات المعقدة اعلان نوايا واضح الملامح ومكتوب من حكومة نتنياهو عمّا اذا كانت تلتزم بالوضع القائم في القدس ام لا بعيدا عن التصريحات المضللة واللعوب والمخادعة.
تلك التحفّظات الأردنية هي التي تثير خلف الستارة والكواليس على الأرجح اليمين الاسرائيلي وأدّت إلى بُروز مقالات عنيفة خلال الأيام الثلاثة الماضية ضد الوصاية الأردنية.
وبدأت بعض الأقلام تميل إلى اتّهام الأردن بالعمل على منع اليهود من أداء طُقوسهم وحقوقهم الدينية على حائط المبكي وهي تهمة اقرب الى فرية لان من يعتدي بحراسة رجال الأمن الإسرائيليين على الأوقاف الإسلامية والمسيحية هم المتطرفين اليهود وليس العكس.
ويبدو أن حملة الإعلام اليميني الإسرائيلي بدأت تفرض بصماتها عبر التشكيك بما اسماه احد الاقلام البارزة في اليمين الاسرائيلي بسياسة المعاداة للسامية الاردنية والتي تنعكس عبر تلك الوصاية فيما نشرت مقالات أخرى تحاول زرع الفتنة بين الأردن والمملكة المغربية وتدفع صراحة نقل ملف الرعاية والوصاية بقرار من إسرائيل إلى المغرب بدلاً من الأردن.
وهو أمر حذرت عمان واشنطن من أنه سيؤدي إلى انقسامات وصراعات لا يمكن ضبط ايقاعها ولا تداعياتها خلافا لأن الأردن قال بوضوح إنه لن يقبل بذلك.
ويبدو واضحا لجميع الأطراف أن عمان تحرص هنا على إبقاء اتصالاتها وموقفها طي الكتمان وطي إدارة الازمة خلف الستائر والكواليس ولا تتجه نحو تفعيل وتنشيط الشارع الأردني ولا المواقف المعادية لإسرائيل أملا في أن ينجح التدخّل الأمريكي وسط انطباع بأن تدخّل مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزر الخارجية أنتوني بلينكن هو السّبب في ردع المتطرفين في حكومة إسرائيل حتى الآن من تكرار المشهد الذي رسمه قصدا وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير وأثار غضب الأردن.