تضمّن البيان الختامي لمؤتمر واشنطن الذي نظمته “خلية مسقط” اليمنية موقفا منحازا إلى الحوثيين الذين أظهرهم في صورة شريك للسلام، فيما بدا متحاملا على التحالف العربي من خلال الدعوة إلى انسحاب القوات الأجنبية بالرغم من أن التدخل العربي جاء استجابة لدعوة من الشرعية اليمنية.
ووصف مراقبون سياسيون يمنيون الجهات التي عقدت المؤتمر بأنها تريد إعادة الحرب إلى المربع الأول قافزة على الوقائع، من ذلك أن دعوتها إلى تشكيل قيادة يمنية جديدة تعني عدم الاعتراف بالمجلس الرئاسي الذي تشكل بفعل اتفاق الرياض في أبريل العام الماضي.
وقال مراقبون إن المؤتمر تدشين لمرحلة جديدة من النشاط القطري – العماني – الإخواني في الملف اليمني بعد فترة توقف نسبية، قُبيْل وخلال بطولة كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها قطر، في مؤشر على ارتباط التوقيت وأهداف التصعيد بأجندة الدوحة السياسية.
وحضرت المؤتمر عدة وجوه سياسية وإعلامية غير يمنية ارتبط اسمها خلال السنوات الماضية بالحملة القطرية التي استهدفت السعودية والإمارات ومصر والبحرين، مثل السعودي عبدالله العودة، ابن الداعية السعودي سلمان العودة، إلى جانب عدد من القيادات اليمنية المرتبطة بالنشاط المعادي للتحالف العربي في الحكومة الشرعية، مثل القيادية الإخوانية توكل كرمان ونائب رئيس البرلمان اليمني عبدالعزيز جباري ووزير النقل الأسبق صالح الجبواني ومحافظ سقطرى السابق رمزي محروس.
واستغرب مراقبون يمنيون من مشاركة نائب رئيس مجلس النواب اليمني عبدالعزيز جباري، المدعوم من الإخوان، في المؤتمر وإلقائه البيان الختامي الذي يشكك في شرعية مجلس القيادة الرئاسي، دون صدور أي موقف رسمي من المجلس أو الشرعية اليمنية للرد على هذا التصعيد الذي يستهدف تفكيك الشرعية.
وتضمن البيان الختامي لمؤتمر واشنطن -الذي حمل عنوان “نحو السلام الدائم والديمقراطية في اليمن”، ونظمه مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون، ومؤسسة توكل كرمان، ومنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي، وهي مؤسسات مدعومة من قطر- العديد من العناوين التي تبنتها “خلية مسقط” منذ عام 2017 والتي عملت على شيطنة وتشويه دور التحالف العربي في اليمن والمساواة بين الحكومة الشرعية والحوثيين.
واحتوى البيان مؤشرات على طبيعة وشكل التصعيد السياسي والإعلامي القادم الذي سيتبناه هذا التيار، وفي مقدمته المضي قدما في حملة التشكيك في شرعية مجلس القيادة الرئاسي الذي جاء كأبرز مخرجات المشاورات اليمنية في الرياض، حيث أكد البيان “على الحاجة الملحة إلى عقد مؤتمر وطني يمني يضم كافة الأطياف اليمنية لإنتاج قيادة يمنية جديدة”.
ويأتي عقد هذا المؤتمر في ظل مباحثات مكثفة تجري مع الحوثيين برعاية أممية في العاصمة العمانية مسقط، وهو ما يمثل ضغطا على الحكومة الشرعية من أجل الامتثال لمطالب الميليشيات الحوثية، بالنظر إلى مخرجات مؤتمر واشنطن الذي حمّل التحالف العربي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في اليمن ودعا الحوثيين للجلوس إلى طاولة الحوار باعتبار ذلك هو الحل الأمثل لوقف التدخل الخارجي.
◙ المؤتمر تدشين لمرحلة جديدة من النشاط القطري – العماني – الإخواني في الملف اليمني بعد فترة توقف نسبية
وأشار البيان إلى أن “موافقة الحوثي على وقف الحرب والانخراط في مفاوضات جادة ستكون أقصر الطرق لإخراج اليمن من حالة الاقتتال والحرب إلى السلام، وقطع الطريق على محاولات تمزيق وتفتيت البلاد”.
ودعا إلى “تنظيم مؤتمر دولي لإعادة إعمار اليمن، وإطلاق سراح جميع المختطفين، ورفع الحصار عن الجمهورية اليمنية بشقيه الداخلي بين المدن، الذي تفرضه ميليشيا الحوثي، والخارجي الذي تفرضه الإمارات والسعودية، بما في ذلك رفع الحظر عن تصدير الغاز ومشتقات النفط”.
وتبنى البيان بحسب مراقبين الخطاب السياسي والإعلامي الحوثي من خلال الحديث عن “ضرورة خروج كافة القوات الأجنبية من اليمن، وتسليم الموانئ والجزر والقواعد العسكرية الأجنبية لليمنيين”.
وأكدت مصادر سياسية يمنية لـ”العرب” أن المؤتمر يعمل على خلط الأوراق وإعادة إنتاج الفريق الإخواني الذي عمل طوال السنوات الماضية على إفشال عمل الحكومة الشرعية وإرباك التحالف العربي من داخل مؤسسات الشرعية ذاتها، مشددة على ضرورة اتخاذ الشرعية اليمنية بمختلف مؤسساتها موقفا حازما لوقف نشاط هذا التيار الذي يعمل من داخل الشرعية.
واعتبر الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر في تصريح لـ”العرب” أن “المتحدثين يعلمون أن السلام في اليمن لا يمكن أن يكون ما لم يكن هناك ضغط قوي على الحوثيين للقبول بالسلام، ومع ذلك يتجاهلون التعنت الحوثي، ويسعون لمهاجمة التحالف العربي وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي على اعتبار أنهم وراء إطالة الحرب بهدف زيادة الضغط عليهم للقبول بشروط الحوثي”.
ولفت الطاهر إلى أن اختيار الولايات المتحدة مكانًا للمؤتمر يؤكد أن هناك أهدافا خفية من قبل جماعتَيْ الإخوان والحوثي اللتين اتحدتا واتفقتا على إفشال مجلس القيادة الرئاسي وإضعافه.
وترافق مؤتمر واشنطن مع إعلان الحوثيين الثلاثاء عن وصول وفد عماني إلى صنعاء، هو الثاني خلال شهر، لاستكمال مباحثات مع قادة الحوثيين بشأن تطورات الأزمة اليمنية وفي مقدمة ذلك تطورات الهدنة وجهود وقف الحرب، وفقا لمصادر إعلامية حوثية.
واعتبر مدير مركز ساوث 24 للدراسات في عدن يعقوب السفياني أن المؤتمر تجاهل الأسباب الحقيقية للأزمة في اليمن وعلى رأسها الحرب التي شنها الحوثيون بدعم خارجي على اليمنيين كافة، لافتا إلى أن دعوة المؤتمر إلى السلام كانت مفرغة من أي مضمون حقيقي لأنها أهملت العوامل الموضوعية التي تقف كحائط صد أمام أي مسعى للسلام وفي مقدمتها تعنت الحوثيين.
وأضاف”لم يغفل البيان الهدف الرئيسي الذي عقد المؤتمر لأجله وهو استهداف مشروعية التحالف العربي في اليمن ووصفه بالوجود الأجنبي ومطالبته بالرحيل، ضاربا عرض الحائط بحقيقة أن هذا التحالف تدخل في اليمن بطلب رسمي من قيادة الدولة الشرعية التي لطالما هاجمها المتحدثون في ذلك المؤتمر من وزراء ومحافظين مقالين”.
وتابع “أظن أن استضافة واشنطن مؤتمرا كهذا وحضور المبعوث الأميركي لليمن تيم ليندركينغ فيه يأتيان ضمن محاولات الإدارة الديمقراطية للضغط على السعودية عبر العديد من أوراق الضغط التي تشهرها هذه الإدارة أمام المملكة بسبب موقفها من أوكرانيا وخاصة تزعمها قرار خفض إنتاج النفط في مجموعة أوبك+”.