تُشير المزيد من التقديرات الأمنية التابعة للأجهزة الأمنية الفلسطينية والتي يتم تبليغها من عدّة أيام لعدة عواصم عربية حليفة وصديقة إلى أن الخطر القادم بعد تشكيل حكومة الائتلاف الاسرائيلي الجديدة وبالطريقة التي شكّلها فيها بنيامين نتنياهو سيكون في المستوطنين تحديدا وتحويلهم إلى جيش رديف للجيش الإسرائيلي ولقوات حرس الحدود ولكوادر الشرطة الإسرائيلية خصوصا في مناطق التماس وفي مناطق سي تحديدا وفقا لتصنيفات اتفاقية أوسلو.
ويبدو أن العاصمة الأردنية عمان وضعت مؤخرا عبر وفد أمني فلسطيني رفيع المستوى بصورة تطورات المشهد في الضفة الغربية المحتلة والسيناريوهات والاحتمالات خصوصا مع ازياد وتيرة التصعيد الإسرائيلي وإصرار الفريق اليميني في الحكومة الإسرائيلية على إظهار قُدرته على الاستعراض وبصورة ستؤدي في النهاية إلى إضعاف ما تبقّى من حلقات القوة في السلطة الوطنية الفلسطينية واندلاع حالة فوضى أمنية.
لكن الخوف أو الهاجس الأكبر الذي تتحدّث عنه الشخصيات الأمنية التي تزور الأردن في الجانب الفلسطيني هو ما يتردّد عن نوايا شُركاء نتنياهو في حكومة اليمين المتطرف الاستيطانية الجديدة في تمكين المستوطنات من تشكيل مجموعات مسلحة تعمل على حماية المستوطنات مما يعني تشكيل ميليشيات سبق أن حذّرت منها مصادر فلسطينية سياسية وأخرى أمنية على حواف المناطق “سي” بالقُرب من البلدات العربية والفلسطينية.
وهي ميلشيات لا ينقصها السلاح لكنها يمكن أن تخضع إلى تدريب خاص و يتم السماح لها بتنفيذ مهام تحت بند الحراسة وفقا للبروتوكول الذي حصل عليه شركاء نتنياهو الجدد من صلاحيات خصوصا تلك الصلاحيات المرتبطة بالمتطرف بن غفير بخصوص السيطرة على تحركات حرس الحدود في بعض المناطق المحتلة وزيادة ميزانيات الامن التي ترافق المستوطنات و توجد فيها وحولها، الأمر الذي يعني أن التحدّي الأمني المُقبل بالنسبة لاجهزة الامن الفلسطينية والذي قد يؤدي إلى فلتان غير مسبوق بتقدير المطبخ الأمني الفلسطيني حصرا يتمثّل في ظُهور جيش من الميليشيات غير المنضبطة التي تعود للمستوطنين.
والمادة الأساسية في المخاطر هنا أن تكلفة حراسات المستوطنات وتأمينها قد تنفق ماليا من الموازنة الإسرائيلية الرسمية بصورة مباشرة على مجموعات نشطة ومسلحة من المستوطنين اليهود وبالتالي قد ينفق مال جديد على هؤلاء وقد يتم تزويدهم باسلحة أوتوماتيكية أو متطورة بما فيها بعض المعدات الصالحة للتحرّش بالفلسطينيين وإيذائهم خصوصا في القرى المحاذية للمستوطنات ولكن تحت بند تأمين المناطق سي وأسوار المستوطنات والحد من العمليات التي يصنفها المستوطنون بأنها إرهابية.
كانت تقارير أمنية سابقة قد قدّرت وحذّرت من هذا التحوّل الدراماتيكي ليس لأنه يُشكّل خطرا على القرى والتجمّعات السكانية الفلسطينية و يهدد امنها ولكنه سيؤدي إلى أن تقفز خيارات نضالية غير مألوفة أو خارج المالوف لا تستطيع السلطة الفلسطينية ولا قيادتها ولا الإشراف عليها ولا تنظيمها ولا حتى التأثير فيها لأن الأهالي الفلسطينيون سيكون من حقّهم حال حصول اعتداءات من مستوطنين مسلحين منظمين على قراهم وأراضيهم وعلى أموالهم ومُلكيّاتهم سيكون من حقّهم في هذه الحالة الدّفاع المشروع عن النفس.
ويبدو أن الخيار الوحيد الذي تناقشه الأجهزة الأمنية الفلسطينية هو دورها وواجبها ليس في ظل التنسيق الأمني لأنه شبه متجمد عمليا هذه الأيام وليس في ضبط الأمن الداخلي وسط التجمعات والقرى والمدن في الضفة الغربية ولكن في حالة تسليح المستوطنين في المناطق المحاذية وتزويدهم بمعلومات ومعطيات وأموال وذخائر جديدة وتمكينهم من مهاجمة القرى الفلسطينية المُحاذية.
وفي هذه الحالة يَفتَرِض أسوأ سيناريو أمني فلسطيني أن السلطة الفلسطينية هنا مضطرة لأن تقف مكتوفة الأيدي ومُقيّدة ولا تستطيع منع الفلسطينيين من الرد خُصوصا إذا قرّرت بعض الفصائل تنفيذ مُقترحاتها الحالية بتسليح الشعب.
ووفقا للتحذيرات التي وصلت للاردن ولمصر فإن الأجهزة الأمنية في هذه الحالة إذا ما تمكّنت حكومة اليمين الإسرائيلي من تشكيل ميليشيات مسلحة للمستوطنين فعلا ونفّذت تلك الميليشيات عمليات ضد القرى والأنحاء الفلسطينيين أو العابرين والمتنقلين بين الطرق الالتفافية في هذه الحالة سيكون من الصعب على الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضبْط فوضى السلاح وستظهر كميات كبيرة من الاسلحة بيد الفلسطينيين وسيتقلّص على الأرجح وفق تقرير استخباري عميق درس في عمان مؤخرا الهامش المتاح أمام بقايا السلطة وسيطرتها على الأمور.
وبالتالي الحديث هنا عن مواجهات قد تكون دموية وعن ظهور للأسلحة بيد الشعب الفلسطيني ضمن حركة نضالية جديدة للدفاع عن الذات تستفيد منها فصائل المقاومة أو فصائل المعارضة للسلطة وهذا يعني خروج السلطة من المعادلة.
تلك التحذيرات تم نقلها مؤخرا على أكثر من صعيد ويعتقد أنها تُفجّر الآن نقاشا ساخنا بين مسؤولين بارزين في الإدارة الأمريكية وبين حُلفاء وأصدقاء كلّهم في الدول العربية.