نقول ضع جانبا لان هذه التصريحات لا تدل مطلقا الى الاتجاهات التي تسير نحوها الولايات المتحدة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا .
لم تعد المنافسة بين الحزبين الكبيرين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري على الفوز بمقاعد مجلس النواب ومقاعد مجلس الشيوخ لم تعد هذه المعركة معركة تنافسية بل أصبحت معركة متشعبة فهي معارك داخل المعسكر الواحد ومعارك بين معسكرين ومعارك بين المعسكرين والمجتمع الأميركي ككل .
والامر في الولايات المتحدة وصل الى حافة الخطر الشديد وتشير كل المؤشرات الى اقتراب عواصف مدمرة من البر الأميركي والى احتمال حدوث زلزال كبير يغير كثيرا مما سبق ان اعتبر تقليدا راسخا في الولايات المتحدة وعواميد من أعمدة الديمقراطية فيها .
اذا اخذنا نسبة الناجحين من الحزب الديمقراطي في هذه الانتخابات النصفية لرأينا ان معظم الذين انتخبوا من الحزب الديمقراطي هم على تناقض مع قيادة الحزب الديمقراطي والبيت الأبيض ليس بالضرورة في كل السياسات وكل الخطوط انما في مفاصل أساسية اتخذ فيها البيت الأبيض قرارات اورثت الجماهير الامريكية تعبا واصابتها بالصميم في مداخيلها وقوتها وقدرتها على الشراء والعيش ببحبوحة كما كانت من قبل ، واذا نظرنا الى من نجح بالحزب الجمهوري نرى ان معظم الذين دعمهم ترامب علنا سقطوا ولكن نجح عدد من الجمهوريين هم في واقع الامر على تعارض كبير مع قيادة الحزب الجمهوري ومع سياسات هذه القيادة او مع سياسات ينادي بها ويسوقها دونالد ترامب هؤلاء يشيرون بوضوح الى ان هنالك جيل جديد يصعد نحو المواقع المؤثرة عبر انتخابات ديمقراطية رغم انف القيادات التقليدية التي لا تريد لهذه الدماء الجديدة ان تتفوق او ان تؤثر على قرار الحزب او ان تؤثر على وضع الحزب بشكل عام فهذه الدماء الجديدة تقف موقفا معارضا ومتصديا للاحتكارات الكبرى في الولايات المتحدة التي في نهاية الامر تملك الأحزاب سواء الحزب الديمقراطي اوالحزب الجمهوري فكل تكتل كبير صناعيا سواء كان في الطيران او التكنولوجيا او النفط او الكمبيوتر او او كل هذه الاحتكارات تدفع وتدعم حزبا معينا حتى يصل من تريده موظفا في البيت الأبيض يصل الى البيت الأبيض كرئيس ينفذ لها سياساتها ويلبي طموحاتها بجني الربح الكثير من خلال وجوده في البيت الأبيض اذن نستطيع القول ان نتائج هذه الانتخابات النصفية تشير بوضوح الى ارتخاء القبضة التي من خلالها تقوم الاحتكارات الصناعية الكبرى بتحريك الأحزاب وترشيح الرؤساء وحكم الولايات المتحدة ثانيا ان من نجح من الحزب الديمقراطي ليس بالضرورة ان يكون ولاءه لقيادة الحزب بل نجح في الحزب الديمقراطي وله وجهة نظره التي يعبر عنها في بداية الامر بتكتلات صغيرة ولكن سرعان ما تصبح هذه التكتلات مجموعات كبيرة قد تصبح مجموعة ضغط مؤثرة في قرار البيت الأبيض اما بالنسبة للحزب الجمهوري فالأمر سيان فالاحتكارات التي تدعم الحزب الجمهوري لم تعد تمسك تماما بقبضتها الرسن الذي يحرك الحزب الجمهوري فمن المعروف ان دونالد ترامب يطرح سياسات خاصة به وافكارا لا تعجب القيادة التقليدية للحزب الجمهوري لا بل تشعرها بالخوف منه وعدم الرغبة في عودته للبيت الأبيض فهنالك تناقض بين من قام بقيادة الحزب بالحملة الانتخابية وهو دونالد ترامب وبين القيادة التقليدية للحزب التي لا تريد لترامب ان يعود للبيت الأبيض بل تريد ان تطرح مرشحا آخر قد ينال الأغلبية الامريكية لكن ترامب فاز على هذه القيادة ورشح نفسه للانتخابات الرئاسية للعام24 ولكن هذا لا يعني ان ترامب يحكم الحزب الجمهوري كاملا فهناك التكتل الكبير الذي تمثله القيادة التقليدية للحزب الجمهوري هذا من ناحية لكن هنالك التجمع الكبير جدا من الجيل الجديد الذي يسير خلف ترامب وخلف شعاراته المتطرفة وآرائه التي تبدو لهم آراءا مغرية نحو ولايات متحدة جديدة لكن الحقيقة هي ان المجاميع الجديدة والدم الجديد الذي نجح في الحزب الجمهوري لا تؤمن الا بتغييرات جذرية فيما اعتبر تقليدا راسخا لا مناص من الالتزام به الى الابد .
داخل الحزبين هنالك تجمعان يعارضان القيادة التقليدية والتقاليد التي اعتبرت راسخة داخل الحزبين هنالك تجمعين يطرحان بكل وضوح سياسات يطالبون البيت الأبيض بتبنيها وهي تتعاكس مع السياسات التي يسير بها البيت الأبيض حاليا فقد اتخذ بايدن مجموعة من القرارات شكلت هزات عميقة في المجتمع الأميركي واضرت باقتصاده واضرت اكثر باقتصاد حلفاء الولايات المتحدة وأصبحت الولايات المتحدة حتى عند حلفائها شريك غير موثوق شريك يحاول ان يبتز الحلفاء لجني مزيد من الأرباح تعويضا عن الخسائر التي سببها بايدن باتخاذ قرارات جزافية كقرار تزويد اكرانيا باربعين مليار دولار ومفسرا ذلك للجنة سرية في الكنغرس بان هذه الأربعين مليار دولار هي استثمار من اجل تحطيم الاقتصاد الروسي ليبقى الاقتصاد الأميركي هو الأكبر وهو المسيطر في هذا العالم .
الجيل الجديد يضحك من مثل هذه السياسات ويعتبر ان سياسة بايدن خرقاء وان الواجب يقتضي بان تتفاهم الولايات المتحدة مع الاتحاد الروسي ومع الصين حول أسس معينة للتبادل التجاري وإقامة استقرار اقتصادي في السوق العالمية وليس من خلال استخدام القوة ولو بالواسطة أي كما يقولون باي بروكسي فبايدن يخوض حربا هو والناتو ضد الاتحاد الروسي حربا مدمرة يريد من خلالها ويطمح لىمحاصرة روسيا والقضاء على تفوقها الاقتصادي وربما مرت بذهنه أفكارا حول تقسيم الاتحاد الروسي والآن يحاول ان يفصل بين الصين وروسيا المتفقتان والمتعاهدتان استراتيجيا على إقامة نظام عالمي جديد متعدد الأطراف يكون اكثر عدالة للشعوب قاطبة .
مما تقدم يظهر بوضوح ان الانقسام في المجتمع الأميركي اذا اخذنا الحزبين الكبيرين مقياسا من المقاييس الأساسية ان المجتمع الأميركي يتعرض لانقسام وانشقاق عمودي وليس افقي مما يهدد الوضع في الولايات المتحدة اذ ان هذا الانقسام اذا استمر في النزول الى القاعدة الشعبية ستبرز تناقضات كبيرة جدا في المجتمع الأميركي سرعان ما تلتهب وتتحول الى نيران مشتعلة يصعب اطفاؤها .
مثل هذا الانقسام سوف يظهر بوضوح ويبلور العنصرية الزائدة في مؤسسات الولايات المتحدة رغم كل القوانين التي تثبت الحياة المدنية ورفض العنصرية ، ثانيا سوف يبرز هذا الانقسام العمودي الصراع بين ما يسمونهم بالمهاجرين الجدد والمهاجرين القدم ثالثا سوف تتكتل الكتل القومية الكبيرة في محاولة للدفاع عن مصالحها مثلا اللاتينية الكتلة العربية الكتلة السوداء وربما الكتلة الفيتنامية او الشرق اسيوية التي أصبحت تتحكم بكثير من الصناعات والاعمال في الولايات المتحدة بشكل لا لبس فيه ولا شك ان مثل هذا الانقسام وافرازاته هذه سوف تنعكس على الحياة الاجتماعية من ناحية وعلى قدرة العجلة الاقتصادية الامريكية ان تكون منتجة بنفس المقاييس السابقة وان تتفوق على منافسيها سواء كانوا في الاتحاد الروسي او في شرق آسيا او في آسيا الوسطى .
هذا ما دفع ويدفع بايدن الى سياسة استعمارية هجومية لا يتدخل فيها الجنود الاميركيون بل وحسبما املته ظروف أفغانستان التي كلفت الولايات المتحدة ترليونات من الدولارات وكلفتهم اكثر من 16 الف قتيل او اكثر وغير الجرحى والمضروبين واصيبوا بعاهات دائمة هذه الدروس جعلت بايدن لا يقدم على ارسال جنود أمريكيين للقتال بل رفع شعار نحن مستعدين للقتال لآخر جندي أوروبي وآخر جندي اكراني واي جهة تريد ان تستلم السلاح الأميركي لتقاتل معارك الولايات المتحدة كما يحصل الآن في تايوان وكوريا الجنوبية واليابان .
هذه السياسة قصيرة النظر اذ لا يلبث الذين يريد بايدن استخدامهم أدوات في معاركه لمصلحة الولايات المتحدة سوف يعون بسرعة شديدة الى انه يبتزهم ويستخدمهم ويمتص دمائهم ويقتل ابناءهم من اجل ثراء الولايات المتحدة وبدأت في هذا الامر أوروبا التي شهدت بوضوح ان الغاز الذي يريد بايدن بيعه للاوروبيين الحلفاء الذين امرهم بمقاطعة الغاز الروسي بالسعر المعتدل يعيد بيعهم الغاز بأربعة اضعاف ثمن الغاز الذي تشتريه الشركات الامريكية وكذلك ترى أوروبا ان الولايات المتحجة تسابقهم الى اخذ حصة الأسد من الأسواق طاردة الدول الأوروبية من تلك الحصة وإبقاء الفتات لها كما حصل بصفقة الغواصات الفرنسية لأستراليا اذ طردت الولايات المتحدة فرنسا وحلت محلها لتزويد استراليا بالغواصات النووية وهكذا سيم الامر في دول آسيا شرقا ووسطا وهذا ما تم في اكرانيا فقد أعلنت أوروبا انها زودت الاكرانيين بأسلحة وذخائر تصل قيمتها الى 8 مليار يورو بينما طلب الرئيس بايدن من الكنغرس موازنة مقدارها أربعين مليار دولار لتسليح الاكرانيين لمواجهة والهجوم على الاتحاد الروسي أي انه مستعد للقتال ضد روسيا هو وكل حلف الناتو لآخر جندي اكراني ولآخر جندي في حلف الناتو .
ويحاول ترامب بشكل متوار وملتوي ان يدحض سياسة بايدن لكنه لم يقل ابدا ما هي سياسته تجاه ذلك هل سيتبع طرقا اكثر خبثا اذ لا يخرج أي رئيس من الولايات المتحدة عن نطاق تحكم الاحتكارات بالبيت الأبيض هذا مستحيل فالنظام هيكلي قائم على ذلك والاغنياء هم الذين ياتون بالموظف الى البيت الأبيض من اجل حماية مصالحهم فاذا كان ديمقراطيا فهو لحماية الاحتكارات التي تملك الحزب الديمقراطي وتموله وتقوده واذا كان جمهوريا فهو لخدمة مصالح الاحتكارات التي تملك الحزب الجمهوري وتموله وتدعمه وتوظف هي من يشغل البيت الأبيض نيابة عن الحزب .
نقول هذا كان تقليدا راسخا سابقا لكن الآن حتى هذه المعادلة بدأت تهتز كثيرا فمن استطاع ان يوصل لمقاعد الكنغرس جيلا شابا يعارض السياسات التقليدية لقيادات الأحزاب قادر حتما على إنجاح رئيس قد يكون من خارج اطار الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري او من خارج نطاق نفوذ قيادات الحزبين الديمقراطي والجمهوري .
ولا شك ان بايدن يفكر كثيرا بهذه الأمور ولا شك انه سيقضي عطلة عيد الميلاد ورأس السنة هو ومستشاروه لمناقشة سياسة المستقبل او برنامجه لعامين قادمين وكيف سيحاول ان يدير الدفة بحيث يستطيع ان يسد كل الثقوب التي أصبحت واسعة جدا في زمانه وان يوصل السفينة الى بر الأمان لا شك ان هذا يتطلب منه في بعض الحالات ان يدور مئة وثمانين درجة عن سياسته السابقة ولقد بدأت تباشير ذلك تبدو في معارضة الحكومة الإسرائيلية سواء المنتهي اجلها او التي ستشكل معارضتها لسياسات بايدن ولنبدأ بمعارضتها لقرار وزارة العدل بالتحقيق حول اغتيال شيرين أبو عاقلة وكذلك هنالك أمور أخرى منها ما تواجهه الولايات المتحدة من سياسات بعض الدول التي ملت من الخضوع لاملاءات واشنطن وبدأت تسير في طريق اتخاذ قراراتها المستقلة حفاظا على مصالح شعوبها خاصة في رفض وضع سقف للنفط الروسي ورفض كل الشروط والعقوبات التي فرضت لمنع هذه الدول من شراء الغاز الروسي .
امام بايدن عامان من المعارك والزلازل.