الرئيسية / أخبار / ويبقى الاقتصاد الريعي هو الأهم عالمياً!

ويبقى الاقتصاد الريعي هو الأهم عالمياً!

“أستطيع التأكيد أننا لم نعد نملك ما منح لنا من قرارنا”. نظرية المؤامرة ليست فقط مجرد نظرية، بل تجريبية أيضاً، لكن لها سياقات أخرى تبررها، تتمثل بالمنافسة الشرسة، التي لا تؤطر بقواعد أو أخلاقيات. الكل يبحث له إما عن مكان أفضل، أو لربما سيادة الكون، أو حتى من أجل البقاء أحياناً.

حتى على المستوى الإنساني، هذا الكذب والخداع أو ما يلطفونه بـ”التجمل” ونحن في قمم القبح الإنساني والإفلاس الأخلاقي، كله لأهداف منها الكسب أو القيادة أو الاثنان معاً، باعتبارهما مرتبطين عضوياً، أو غيرها، وبذا لا يسمح لمنافسين أن يتفوقوا أو على الأقل أن يبذل أحد جهداً لتعطيل الآخر.

أما حين يلاحقك أحد ما من بداية حياتك وإلى آخر رمق له، واضعاً العصي في دواليبك، فذلك أمر مثير للشفقة، يتعدى المنافسة بكل القواعد غير الشريفة، إلى تحوله إلى مرض “نفساوي”.

“تشابه السلع يسهم في كساد السوق”!

دول العالم تشكل سوقاً كبيراً مفتوحاً، محركه الأساس هو الاقتصاد. لذا، كان لزاماً على كل دولة أن تخطط وفق إمكاناتها، إرثها، ومهارات قوتها العاملة. هناك اقتصاد تشكل الخدمات فيه العمود الفقري، لم يتم تعيير أصحاب مثل هذه الاقتصادات الخدمية بما يقدمون من “خدمات”، ومنهم دول ذات روابط  ووشائج! كما لم تعيّر الاقتصادات التي تعتمد الصيرفة والخدمات المالية. أعتقد السبب في كونها اقتصادات تنهض بها الموارد البشرية التي استُثمِر فيها، دون اتكالية.

الاقتصاد الإنتاجي، سواء أكان زراعياً أم صناعياً، هو الأهم، لأن بورصته تعتمد على سوق محلية، لا تتأثر كثيراً بتقلب أسعار الصرف، ولو أنها إن كانت تعتمد في اقتصادها على مواردها، سيكون حالها أفضل، لكنها تحتاج دوماً للطاقة المشغلة التي لا تفنى ولا تخلق من عدم، بغضّ النظر عن المواقع الجغرافية للدول التي تكون عاملاً هاماً في زيادة صادرات الطاقة.

الاقتصاد الريعي وظف بشكل جيد جداً في بعض الدول الخليجية، وكان السبق لدولة الكويت، رائدة الخليج في الستينيات، واستمرت إلى أن ابتُليت بنكبة الغزو وما ترتب عنه من آثار: (نفسية – اجتماعية – ومادية) حتى يومنا هذا.

كذلك لم يكن لأحد من دول الخليج فضل على الكويت، إلا بعد هذه الكارثة، أصبحت بعدها مدينة لدول أخرى، بفضل عودتها كدولة. في هذا السياق تساق عشرات التبريرات، وبعضها شكلاً، يحمل من الوجاهة ما يحمل، إلا أن اللجوء للقوة، والعضلات، من دول كبرى لأجل الابتزاز أو سرقة خيرات شعوب بالكامل ليس بمبرر أبداً للاعتداء على الآخرين الآمنين، خاصة إن كانوا جيراناً، لا يتوقعون سوى حسن الجوار.

في بلداننا العربية، لا يستغلون المورد البشري إلا في ممارسة التسول، على قارعة الأمم، دون حياء أو عفاف

قبل الكويت، كانت المملكة الليبية المتحدة التي خلقت من العدم عام 1951، ليس كمثل الطاقة، كأفقر دولة في العالم بعد إندونيسيا، هي الرائدة عربياً وشرق أوسطياً، حتى إن معدلات نموها ناهزت العشرين بالمائة في نهاية عام 1968، وهذا رقم غير مسبوق ولا ملحوق حتى عالمياً، حدث جراء تنمية جرت في ستة أعوام، استكملت فيها خطة خمسية واحدة، وشرع في ثانية، أتت من بعدها ثالثة مشوهة، بنهايتها انتهت الخطط والتخطيط وقامت سلطة الشعب!

ما يتم اليوم تعيير دولة المملكة به، وهو انتشار القمل، وعيش الليبيين في أكواخ، هو حقيقة تحسب للمملكة، فمشروع إدريس للإسكان، الذي خطط في الستينيات تخطيطاً وفق مواصفات عالمية، ونُفِّذ جزء مما بقي منه بأسوأ المواصفات في بدايات السبعينيات، كان آخر المشاريع السكنية في دولة ليبيا (الحديثة)، التي بعد تنفيذ جزء من المشروع فقط، أضحت البيوت فيها تبحث عن ملاك لها (بالمجان)!

مرحلة ما بعد مشروع إدريس للإسكان، أصبح الباحثون عن دور للسكن يتضاعف أعدادهم بمرور السنين، والمساكن، وخاصة بعد سنة 2014، في تراجع عددي، لدرجة أضحى، حتى من كان يملك بيتاً، بلا مأوى. ليبيا المملكة هي صاحبة هذه الخطط الرائدة، بما فيها محطات الكهرباء وشبكات الطرق والمطارات والموانئ!

فوقها كان عدد القوى العاملة بالدولة حتى نهاية سنة 1969 يقدر بنحو 20%، أي خمس قوى عاملة لشعب لم يزد تعداده على مليونين. وباستبعاد الأطفال ومعظم النساء، نجد أن العاملين في قطاعات الدولة، بما فيها شركات البترول التي جلّها قطاع خاص يشبه الشركات القابضة، حصيلتهم لا تزيد على مائة وعشرين ألفاً، فيما وصلت في يومنا هذا إلى مليونين ومائة ألف من سبعة ملايين، هي مجموع الليبيين، إضافة إلى مليون ونصف راتب تقاعدي، وثلاثة ملايين منح زوجات وأطفال، ونصف مليون منح طلاب، ويا ليتها كافية!

فقد كانت الخمسة عشر جنيهاً أيام المملكة، متوسط الدخل، فيها البركة وتفيض، وكانوا يتزوجون منها ويشترون الأراضي والبيوت.

امتدت فترة القمل لنهاية الخمسينيات، وحاربتها المملكة حرباً ضروساً، لكن للأسف بعد القضاء نهائياً على آخر قملة، عاد هذا المرض للانتشار في السبعينيات، وما بعدها، وفوق هذا بقي موجوداً في عصر المطهرات ومبيدات الآفات، ولكن في عهد الستينيات لم يكن هناك مكان إلا للنظيف، فلم يحكمنا مقملون، وما بعدها حكم المقملون والفاسدون، وإلى يومنا هذا، لم يتركنا القمل ولا المقملون.

أبداً لم نملك يوماً ثرواتنا، وأبداً كنا دول طاردة!

الصين الشعبية كانت دولة متخلفة إبان فترة حكم ماو تسي تونغ، وقد يوجد من يبرر كثير الأسباب لهذا “التخلف الصيني” وقتها. من جاء خلفه، اختط نهجاً مختلفاً في السياسة بشكل عام، والاقتصاد على وجه التحديد، بعد أن عانت الصين صاحبة الفيتو، مجاعات عدة أودت بملايين، وقبلها أفنى منها اليابانيون ملايين عدة.

الآن الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد كوني، اعتمدت على القوة البشرية التي تتوافر لديها، وأنمتها ووظفتها، داخل وخارج الصين، وفي ظرف أربعين عاماً تحولت من دولة تضربها المجاعات إلى وحش اقتصادي مفترس، تخطى الجميع وأصبح يشكل قلقاً لصاحبة الاقتصاد الأعظم.

في بلداننا العربية، لا يستغلون المورد البشري إلا في ممارسة التسول، على قارعة الأمم، دون حياء أو عفاف، ويقنعون شعوبهم بأهمية التسول لسد الأفواه الفاغرة. الصين خمسة عشر ضعفاً لتعداد مصر، وقبل سبعين عاماً كانت مصر قوة عظمى اقتصادياً وجيوسياسياً لا يمكن مقارنة الصين بها، لكننا نرى مصر “أم الدنيا” لأول مرة دولة طاردة، ونرى أكثر من عشرة ملايين مصري، يساهمون في النهوض باقتصادات دول أخرى، ومن خلال التحويلات يحلون أزمات مصر التي يبدو لها أول، ولا نرى للآن ضوءاً في نهاية النفق المظلم الذي دخلته. أؤمن بأنه لو صحّت مصر لصحّ محيطها!

واحدة من كبرى المؤامرات، تسطيح الاقتصاد الريعي والتقليل من أهميته! ما يعاب على الاقتصادات ذات الطابع الريعي، في ظل الحكومات الفاسدة، أنها تخلق أمة من “التنابلة”، بدعم الحاكم الفعلي، واستسهال العامة له.

.. يتبع