مرحلة جديدة تشهدها الأزمة الأكرانية، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية في الاتحاد الروسي، مؤكدا أن هذا الأمر “سيسمح بتغيير آليات تحقيق طلبات وزارة الدفاع بصورة سريعة من جانب الحكومة الروسية” و علل بوتين ذلك بأنّ “الغرب تجاوز كل الخطوط في سياسته العدائية ضد روسيا، ونسمع باستمرار تهديدات ضد بلدنا وشعبنا”. و انسجاما مع هذا الموقف، أعلن رئيس جمهورية الشيشان، رمضان قديروف، “الانتقال إلى تكتيكات عمل جديدة في أكرانيا ” قائلاً إنّ “ما مضى كان مجرد مزاح صبياني”.
وأكد قديروف كلامه في “تيليغرام”: “نحن ننتقل إلى تكتيك جديد للعملية الخاصة ضد الأوكرونازيين. لن نمازحهم بعد الآن”.
يبدو أن الحرب بدأت تقرع طبولها لتوها في أكرانيا و ليس كما توقع البعض بانتهائها قريبا خصوصا بعد تقدم القوات الأكرانية مؤخرا في مناطق كانت فقدتها. فالادارة الروسية التي راهنت على ضعف مساندة أمريكا و الغرب لأكرانيا بشكل كبير، و بعدم استطاعة الولايات المتحدة الأمريكية من توحيد الغرب ضدها تبين لها العكس ، مما دفعها إلى أن تأخذ عزائم الغرب بمحمل الجد، حيث أن المعسكر الغربي رفع من مستوى تسليحه و تدريبه للأكرانيين و إمداداته الاستخباراتية بل وحتى إدارته شبه المباشرة للمعارك ضد الروس. فقد أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن حوالي 70 قمراً صناعياً عسكريا وأكثر من 200 قمر صناعي مدني ومجموعة الناتو بأكملها تعمل لصالح أوكرانيا، وأن أوكرانيا تستخدم الأسلحة الغربية لضرب المدنيين بشكل متزايد، و لم يتم قتل سوى 5937 جندياً روسياً خلال العملية الخاصة في أوكرانيا. في المقابل فقدت أكرانيا نصف جيشها و تم قتل أكثر من 2000 من المرتزقة في أكرانيا.
الذي تحول الآن هو أن بوتين غير الخطة. ففي حين اعتبر التدخل في الاراضي الاكرانية معركة قصيرة المدى من أجل تحقيق أهداف محددة، بدأ الاستعداد لشن حرب بالمعنى الحقيقي. إذن الآن روسيا انتقلت من عملية خاصة في أكرانيا إلى حرب معلنة ضدها وضد من يساندها. و المعلوم أن روسيا لم تستعمل مقدراتها الكبيرة لحد الآن، وفي ظل كل هذه الاستفزازات من طرف أكرانيا و الدول الغربية التي تزج بمواردها المادية و التسليحية بشكل كبير، ستزج روسيا بمواردها الهائلة من أجل الردع و هذا ما يتبين من خلال تصريحات المسؤولين الروس و منهم شويغو الذي أكد أن لدى “روسيا موارد تعبئة ضخمة أثناء التعبئة الجزئية وسيتم استدعاء 300 ألف احتياطي في المجموع”.
الروس ادركوا اليوم أنهم في مواجهة حقيقية و خطيرة مع الغرب، ولذلك سيتعاملون مع الحرب بطريقة خاصة و ستتم الآن التعبئة الجزئية من أجل الحسم العسكري، لكنهم سيواجهون قائدة التحالف الغربي “أمريكا”. أمريكا المنكسرة من انتكاساتها في حروبها ضد أفغانستان و العراق تريد أن تستنهض قواها و تعبر عن بأسها و جبروتها و تستعرض عضلاتها و ترسانتها الحربية التي خانتها ضد دول صغيرة لا بل ضد حركات متفرقة و لمدة طويلة جدا.
هذا ما يفسر لنا سلوك الأمريكيين و الأوربيين و تماديهم بهذه الجرأة في الذهاب بعيدا في الحرب ضد روسيا. أمريكا تجمع حلفائها و تعبؤهم و الصين و روسيا تدركان أنهما يتعاملان مع قوة كبيرة تريد أن تتدارك ما فاتها في دول صغيرة مثل سوريا و العراق و افغانستان بل في أكرانيا ذاتها حيث تغذى بها بوتين قبل أن تتعشى به كما يقول المثل.
الماكنة الاعلامية الغربية ضد روسيا تشيطن بوتين و تروج أنه يلوح الى القنبلة النووية، بينما هو يقول أنه سيكون هناك رد قاسي على الدعم الغربي للجيش الأكراني.
من جهة أخرى دعا الرئيس الصيني جيشه للاستعداد للقتال، فهل هذه بالفعل هي إرهاصات الحرب العالمية الثالثة؟
إنها بالفعل كذلك، حيث نشهد كل أشكال الحرب الهجينة، فلم تعد الحروب تتخذ أشكالا كلاسيكية من تجمع لجيوش الدول الكبرى على حدود الخصوم و اجتياح لبعضها ، هذا كان أيام الأبيض و الأسود، اما الآن فالحرب تخاض عبر الوسطاء، حيث يتم الدفع و الزج بهم إلى فم النار من قبل القوى الكبرى، وهي تتخذ أشكالا متعددة ضد دول كثيرة. إنها الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر اقتصاديا، سيبرانيا ، استخباراتيا، سياسيا و أحيانا عسكريا ضد دول استعصت على المزاج الغربي عموما و الأمريكي خصوصا مثل روسيا، الصين، إيران، سوريا، كوبا، فنزويلا، كوريا، اليمن، أفغانستان و غيرها.