من غير المُعتَقد أن تُؤدّي التحذيرات الصينيّة لدولة الاحتلال الإسرائيلي بعدم انحِيازها إلى السياسة الأمريكيّة المُعادية للصين إلى نتائجٍ إيجابيّة في هذا الصّدد، بالنظر إلى التجربة الروسيّة المُماثلة والمُخيّبة للآمال في الحرب الأوكرانيّة.
التحذير الصيني جاء من قبل ليو جينشاو رئيس قسم العلاقات الدوليّة في الحزب الشيوعي الصيني (بمرتبة وزير) عندما استدعى السّفيرة الإسرائيليّة في بكين اربيت بن آبا إلى مكتبه، وسلّمها رسالةً حادّة في هذا الصّدد مُؤكّدًا أنه “رُغم الخِلافات الصينيّة الإسرائيليّة فيما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة، فإنّ للصين مصالح مُشتَركة بعيدة المدى مع إسرائيل، ولا يُوجد صِراع بين الدّولتين”، مُحَذّرًا من نتائج انحياز إسرائيل إلى الموقف الأمريكي تُجاه الصين وانتِقاداته “لمزاعم” انتِهاك حُقوق الإنسان ضدّ عرقيّة الإيغور.
روسيا وجّهت الكثير من التحذيرات المُماثلة للحُكومة الإسرائيليّة من مخاطر الانحِياز الأمريكي في الأزمة الأوكرانيّة، ولكن لم تُغيّر من الموقف الإسرائيلي المُنحاز إلى أوكرانيا ورئيسها اليهودي الدّيانة فولوديمير زيلينسكي، بل وذهبت إلى أبعد من ذلك بإرسالِ مُرتزقةٍ إسرائيليين للقِتال إلى جانبه في الحرب ضدّ روسيا علاوةً على أسلحةٍ مُتطوّرة.
الحزب الشيوعي الحاكم في الصين من غير المُمكن أن يُوَجّه مِثل هذا التحذير لولا وجود معلومات مُؤكّدة لدى قيادته تُفيد بأنّ إسرائيل تقف في الخندق الأمريكي في التوتّر المُتصاعد مع الصين بسبب أزمة تايوان، فلم يحدث مُطلَقًا طِوال العُقود الماضية من العلاقات الصينيّة الإسرائيليّة استدعاء السّلطات الصينيّة للسّفير الإسرائيلي وإبلاغه برسالةِ احتجاج.
عندما اقتحمت القوّات الروسيّة الحُدود الأوكرانيّة في شباط (فبراير) الماضي، أعلن يائير لبيد وزير الخارجيّة في حينها (رئيس الوزراء حاليًّا)، أن إسرائيل ستقف في خندق الحليف الاستراتيجي الأمريكي، وستُزوّد أوكرانيا بالأسلحة، وأدان بشدّةٍ هذا الاجتياح، تبيّن لاحقًا أن السّلطات الإسرائيليّة التي ادّعت الحِياد كَذِبًا، أرسلت معدّات عسكريّة وضبّاط وخُبراء عسكريين وأمنيين “مُتقاعدين” للقِتال إلى جانب القوّات الأوكرانيّة، واعتقلت القوّات الروسيّة عددًا منهم كأسرى، وحصلت منهم على معلوماتٍ خطيرةٍ جدًّا حول أسرار الانحياز الإسرائيلي وحجم التعاون العسكري بين تل أبيب وكييف.
المشهد نفسه يتكرّر عاجِلًا أو آجِلًا، وسيقف يائير في الخندق الأمريكي في مُواجهة الصين في الأزمة الحاليّة، فالعلاقات بين إسرائيل وحُكومة تايوان قويّةٌ جدًّا، ومن غير المُستَبعد أن يُطبّق لابيد سياسته نفسها في الأزمة الحاليّة الصينيّة التايوانيّة، أيّ الانحِياز لأمريكا، وربّما تقديم معدّات عسكريّة (قبب حديديّة) لتايوان، وإرسال مُرتزقة إسرائيليين كمُستشارين أو مُقاتلين لدعم الحُكومة التايوانيّة.
أكثر من 20 ألف يهودي من مجموع 165 ألفًا في روسيا هاجروا إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي مُنذ بدء الحرب الأوكرانيّة كان على رأسِهم بينتساس غولدسميث حاخام موسكو الذي جاهر بدعمه لأوكرانيا في الحرب ضدّ روسيا (بلده)، ولعبت الوكالة اليهوديّة دورًا كبيرًا في تسهيل هجرة هؤلاء، وربّما لهذا السّبب جرى إغلاق مكاتبها في مُعظم المُدُن الروسيّة وطَردِها من البلاد.
لا تُوجد جالية يهوديّة في الصين، وإن وُجِدَت فهي صغيرة العدد وغير مُؤثّرة، إنْ بقيت أو هاجرت، ولكن الأمر المُؤكّد أن الصين ترتكب خطأ كبيرًا إذا اعتقدت أن “إسرائيل” ستقف على “الحِياد” في أزمتها مع أمريكا ولا تنحاز للحليف الأمريكي الاستراتيجي.
التحالف الروسي الصيني الذي يتزعّم دول “البريكس” (البرازيل الهند جنوب إفريقيا، إيران وفنزويلا) يزداد قوّةً وصلابة، ولا نعتقد أنه على دَرجةٍ من السّذاجة بحيث ينخدع بالادّعاءات الإسرائيليّة بالحِياد في الأزمتين الأوكرانيّة والتايوانيّة، ولن نُفاجأ إذا ما أقدمت الدّولتان، أيّ روسيا والصين، وربّما دول أخرى في المحور، على طرد السّفراء الإسرائيليين في عواصمها فيما هو قادمٌ من أيّام أو أشهر، ليس على أرضيّة القاعدة التي تقول “من ليس معَنا فهو ضدّنا” وإنّما لأنّ الانحياز الإسرائيلي سيُصبِح واضحًا وُضوح الشّمس إن لم يكن أكثر