ابراهيم دروش
علقت مجلة “إيكونوميست” على أن السياسة النقدية التي تتبعها المصارف المركزية العربية قد تؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي وتوسع مستوى العجز في الميزانيات. والسبب وراء ذلك، هو متابعة تلك المصارف سياسات نظام الاحتياطي الفدرالي الأمريكي.
وأشارت المجلة إلى تعليق مصرفي ساخر على مراقبة السياسة المالية في الشرق الأوسط، بأنها مثل أخذ أولادك إلى قطار الملاهي في حديقة الألعاب، حيث تفضل مشاهدة القطار بدلا من الركوب فيه. لكنك هنا مع الأولاد وقد ربطت الحزام، وتتدحرج صعودا إلى التلة وتنتظر خائفا السقوط في الطرف الآخر.
وتضيف المجلة أن الاحتياطي الفدرالي الأمريكي زاد سعر الفائدة أربع مرات هذا العام، كان آخرها في 27 تموز/ يوليو، عند رفع سعر الفائدة القياسي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية. وهو ما دفع المصارف المركزية العربية لعمل الشيء نفسه، حتى لو لم تكن تفضل ذلك. ففي بعض البلدان، هناك قلق من أن تصبح كلفة الاقتراض العالي عقبة غير ضرورية أمام الاقتصاديات التي لا تشهد نشاطا مفرطا.
السياسة النقدية التي تتبعها المصارف المركزية العربية قد تؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي وتوسع مستوى العجز في الميزانيات؛ نظرا لمتابعتها سياسات نظام الاحتياطي الفدرالي الأمريكي
وهناك من يخشى أنه للحفاظ على تدفق رأس المال، فهم مضطرون لرفع مؤلم في معدلات الفائدة، مما قد يعيق اقتصاداتهم ويضغط على الميزانيات. ومن بين نادي دول مجلس التعاون الخليجي، ربطت خمس دول عملاتها بالدولار، أما الكويت فقد ربطت الدينار بسلّة من العملات. وهو ما يساعد على استقرارها نظرا لأن معظم الدخل الحكومي والنشاط الاقتصادي مرتبط بأسعار النفط الذي يتم تبادله بالدولار. لكنها مضطرة لأن تتابع قرارات الاحتياطي الفدرالي الأمريكي المتعلقة بسعر الفائدة للحفاظ على الرابطة مع الدولار، مهما كانت ظروف الاقتصاد المحلية.
وزادت السعودية منذ بداية العام سعر الفائدة من 1% إلى 3%، وضاعفت الإمارات معدل الإقراض بنسبة 3.75%، ولو رفع الفدرالي الأمريكي سعر المعدلات في وقت لاحق، كما هو متوقع، فستفعل معظم دول الخليج الأمر نفسه، ولو جزئيا، بشكل يماثل التحرك الأمريكي. وستفعل هذا رغم التضخم المعتدل، والذي يتكهن صندوق النقد الدولي بأنه سيصل هذا العام إلى 2.5% في السعودية و3.7% في الإمارات.
وتسهم سياسات دعم الطاقة والعمالة الرخيصة بالحفاظ على الأسعار منخفضة بشكل نسبي مقارنة مع الدول الغنية. ويظل النمو الاقتصادي باستثناء صناعة النفط المتقلبة صحيا وبمعدل 3-4%.
ونظرا للموارد النفطية الكبيرة هذا العام، فلن تحتاج الحكومات للاقتراض الكبير، وربما أجّل المستهلكون شراء سيارات جديدة والبضائع باهظة الثمن، إلا أن سوق العقارات لن يتأثر. ولأن الرهن العقاري يظل أقل شيوعا في دول مجلس التعاون الخليجي منه في بقية العالم، إلا أن السماسرة تلقوا سيلا من طلبات القروض في النصف الأول من عام 2022، في وقت سارع المقترضون إلى تثبيت أسعار الفائدة قبل أن ترتفع.
وربما شعرت التجارة بقرصة كبيرة. ويقول المصرف المركزي الإماراتي إن الطلب على الائتمان وصل معدلات عالية في الربع الأول من 2022، وهو الأعلى منذ عام 2014. ولكنه بدأ بالهبوط. وفي السعودية، انخفض الائتمان قليلا إلى أدنى مستوياته في عامين، كما يقول بنك دبي الوطني (أن بي دي).
ولن يكون مستوردو النفط في المنطقة محظوظين، وتحديدا مصر. فهي لم ترفع سعر الفائدة منذ عام 2017، ولكنها فعلت مرتين منذ آذار/ مارس، بما فيها زيادة ضخمة (نقطتين مئويتين) في أيار/ مايو. وكان لدى المصرف المركزي المصري سبب للحزم، وهو أن التضخم السنوي ارتفع فوق 13%.
ربما تستطيع دول الخليج النزول من قطار الملاهي في العام المقبل، أما مصر، فستواجه رحلة طويلة وصعبة
وترى المجلة أن مقاومة التضخم ليست مصدر القلق الوحيد، فمنذ أن توصلت مصر لصفقة مع صندوق النقد الدولي عام 2016 للحصول على 12 مليار دولار، اعتمدت على تدفق رأس المال الخاص لتمويل الوارادت الضخمة ودعم العجز الحكومي. وكان المستثمرون سعداء بالالتزام، نظرا لأن الديْن المصري قدم أفضل العائدات، في وقت كانت العائدات ضئيلة في أماكن أخرى من العالم.
ومع زيادة المعدلات في أماكن أخرى، واجهت مصر منافسة، واعترفت في أيار/ مايو، أن 20 مليار دولار (5 من الناتج المحلي العام) من رأس المال الأجنبي تدفقت خارج سوق الديْن المحلي هذا العام. وتعتقد وكالة التصنيف الائتماني “فيتش” أن الحكومة المصرية ستشعر بالضغط من أجل الحفاظ على جاذبية البلاد لمعدلات الفائدة الحقيقية من خلال رفعها. وسيكون هذا مؤلما للقطاع الخاص الضعيف فعليا.
وأظهر مؤشر مدراء المشتريات، الذي يقيس نشاطات التجارة، انكماشا في كل الـ75 شهرا باستثناء تسعة أشهر. وأبقى المستثمرون المحليون على أموالهم في البنوك بدلا من إدخالها في التجارة. ومنذ العقد الماضي، تضاعفت فاتورة مصر لخدمة الديْن أربعة أضعاف. وستشمل ميزانية العام المقبل 36 مليار دولار كمدفوعات للدائنين (45% من الإيرادات العامة) وعجزا بقيمة 30 مليار دولار. وستضطر مصر للاقتراض بمعدلات فائدة عالية بشكل يزيد من فاتورة الفائدة. وعادت الحكومة للحديث مع صندوق النقد الدولي من أجل حزمة إنقاذ.