عوض سليمية
في تجاوز جديد للخطوط الحمراء التي رسمتها بكين امام واشنطن، وتحدي سافر للاتفاقيات الموقعة بين البلدين، والتي تنص صراحةً على ان تايوان جزء لا يتجزأ من التراب الصيني، أعلنت رئيسة مجلس النواب الثمانينية العجوز نانسي بيلوسي عزمها زيارة جزيرة تايوان، دون التنسيق المسبق مع حكومة بكين، الامر الذي لاقى استحساناً وتشجيعاً من زمرة المشرعين الفاشيين في الكونجرس الامريكي، وبالمقابل معارضة شديدة من القيادة الصينية لهذه الزيارة.
وعلى الرغم من معارضة الرئيس بايدن العلنية لخطة بيلوسي. وإعادة تأكيده التزام واشنطن سياسة “صين واحدة” وانها “لا تدعم استقلال تايوان”، خلال اتصاله الاخير مع نظيره شي جين بينغ، بتاريخ 28 يوليو تموز. إلا أن الحكمة في تقدير عواقب هذه الزيارة المقصودة تستمر في الغياب، في ضوء التهديدات الصينية المتصاعدة في حال تمت هذه الزيارة. ومن المفارقات المثيرة للسخرية، أن بايدن طالب نظيره الصيني بعدم تقويض الامن والاستقرار في مضيق تايوان، فيما تستمر واشنطن بحشو المضيق والجزيرة بالاسلحة بما فيها النووية حتى الخياشيم.
بينما تؤكد القيادة الصينية وفي كل المناسبات على مبدأ “نظامان” و”تراب واحد” لاحترام الوضع القائم في تايوان- حكم ذاتي وليس استقلال، وأن هذا المبدأ غير قابل للنقاش مع بكين، وعليه، فإن أي محاولة لاعلان استقلال تايوان من جانب واحد سوف يتم سحقها، حتى لو أدى ذلك الى مواجهة مباشرة مع واشنطن، وهو ما أكد عليه الرئيس الصيني خلال الاتصال المشار اليه، يقول بينغ موجهاً كلامه لبايدن “إن من يلعب بالنار سيحترق بها”. وهو ما أكده الناطق الرسمي بإسم الجيش الصيني تان كيفي بوضوح، “إن الجيش الصيني لن يغض الطرف عن الزيارة، وسيرد باتخاذ إجراءات قوية لإحباط أي تدخل خارجي ومحاولات انفصالية لـ استقلال تايوان” و”سندافع بحزم عن السيادة الوطنية وسلامة أراضينا”.
في الوقت الذي تنظر فيه واشنطن الى تايبيه كمنجم ذهب لصناعة التكنولوجيا شبه المجانية لصالح الشركات الامريكية، وفي مقدمتها الرقائق الالكترونية الدقيقة ذات الاستعمال التكنولوجي متعدد الاغراض، الى جانب صناعة اشباه الموصلات وإنتاج الجزيئيات الهامة في تشغيل التقنيات الحديثة، وغيرها من الصناعات التقنية منها الآلآت والمعدات الكهربائية وأجهزة الهواتف الذكية والكمبيوتر…، لمواصلة دعم الاقتصاد الامريكي. ترى بكين أن تايوان قضية سياسية بإمتياز، وأنها جزءاً لا يتجزأ من اراضيها التاريخية وان قرار اعادتها الى الوطن الام هي مسألة تقرره القيادة الصينية فقط. وأن بينغ الطامح للحصول على تفويض جديد لرئاسة الحزب الشيوعي الصيني الحاكم في المؤتمر القادم، لن يسمح مطلقاً لبايدن إظهاره بمشهد العاجز عن حماية تراب بلاده أمام منافسيه من كادر الجزب الشيوعي الصيني.
الزيارة المنتظره خلال شهر سبتمبر القادم وفق ما هو مُعلن بصفة غير رسمية، ستصب الزيت على النار، فهي تأتي في ذروة ارتفاع منسوب توتر العلاقة بين واشنطن وبكين، والتي بدأت تختنق مع إعلان امريكا ما سُمي بـتحالف AUKUS الذي ضم الى جانبها كل من استراليا وبريطانيا في بحر الصين الجنوبي، وتم الرد عليه مباشرة مع إعلان بوتين وبينغ وثيقة التعاون الاستراتيجي نهاية العام الماضي. ومع عدم امتثال بكين لقرارات واشنطن المُطالبة بتطبيق حزم العقوبات المليونية المفروضة على موسكو، تعتقد بيلوسي أن من شأن هذه الزيارة ارسال رسائل لبكين، مفادها أن واشنطن ستعاقبها على هذا التمرد بورقة تايبيه، ولذلك فإن المشهد المتوقع لهبوط طائرة الشحن العسكرية التي سَتُقل بيلوسي مع سرب من المقاتلات الامريكية المرافقة، على أرض تابعة للصين من شأنه أن يضع تهديدات القيادة الصينية موضع التنفيذ الفوري.
أعتقد، أنه ومن الحكمة أن تتراجع بيلوسي عن فكرة زيارتها لتايوان، لان من شأن تنفيذها الدفع بالاوضاع الى المجهول، ليس أقلها إصدار- الابن المدلل لبكين وموسكو، كيم جونغ أون، أوامره لجيشه بالاستعداد لنشر قوات الردع النووي، وأن هذا التراجع لن يُظهر فروقاً دبلوماسية جوهرية في سجل الادارة الحالية، التي بات من شبه المؤكد خسارتها للاغلبية لكلا غرفتي الكونجرس في الانتخابات القادمة، وبالنظر الى تاريخ هذه الادارة في صياغة استراتيجيات دفع الحلفاء الى الجحيم والتخلي عنهم لاحقاً، يستحسن أن تفكر قيادة تايبيه جيداً في عواقب هذه الزيارة، وأن على بيلوسي أيضاً، أن تستحضر جيداً نتائج تجاوز إدارتها لخطوط بوتين الحمراء في اوكرانيا، قبل التفكير في تجاوز خطوط شي جين بينغ في تايوان.
باحث في العلاقات الدولية