الرئيسية / أخبار / الأزمة الأوكرانية بين الدبلوماسية واحتمالات المواجهة الساخنة

الأزمة الأوكرانية بين الدبلوماسية واحتمالات المواجهة الساخنة

فالح الحمراني 

فيما صعدت الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات، وأوكرانيا، مزاعم غزو روسي محتمل للأراضي الأوكرانية، وصفت القيادة الروسية هذه المعلومات بأنها تصعيد فارغ لا أساس له للتوتر، وأكدت أن موسكو لا تشكل أي تهديد لأحد. ومع ذلك لا تستبعد احتمال وقوع استفزازات لتبرير مثل هذه التصريحات وحذرت من أن محاولات حل الأزمة بالقوة في جنوب شرق أوكرانيا ستكون لها عواقب وخيمة.
وعلقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على تصريحات المسؤولين الأمريكيين بأن روسيا ستغزو أوكرانيا في المستقبل القريب بالقول: «إن الهستيريا في البيت الأبيض تظهر أكثر من أي وقت مضى حاجة الأنكلو ساكسون إلى حرب جديدة. وبأي ثمن». وأضافت أن: «الاستفزازات والمعلومات الخاطئة والتهديدات هي طريقة مفضلة لحل مشاكلهم الداخلية». ووفقاً لها، فإن الآلة العسكرية السياسية الأمريكية جاهزة لتدمير حياة الناس مرة أخرى، والعالم بأسره يراقب كيف تكشف الطموحات العسكرية والإمبريالية عن نفسها.
وكان رئيس الولايات المتحدة جو بايدن قد دعا مرة أخرى الأمريكيين إلى مغادرة أراضي أوكرانيا على الفور، حيث يمكن أن يتفاقم الوضع في البلاد في أي لحظة. في الوقت نفسه، أوضح سيد البيت الأبيض أنه لا ينوي إرسال قوات أمريكية إلى كييف لإجلاء المواطنين، لأن هذا قد يؤدي افتراضيًا إلى اشتباكات مع روسيا، والتي على حد قوله، ستثير حربًا عالمية.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مباحثات مع نظيرته البريطانية ليز تراس: إن الغرب بحاجة لرئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي كأداة لإخراج روسيا من التوازن. وأضاف: «الرئيس زيلينسكي نفسه يحث على عدم إثارة الذعر في (إشارة إلى تحضير روسيا لغزو أوكرانيا). في الوقت نفسه، وفقًا لوزير الخارجية الروسية، «لا أحد يهتم بالتداعيات السلبية لذلك على الاقتصاد الأوكراني، والميزانية الأوكرانية، كيف تهرب الاستثمارات من أوكرانيا بسبب كل هذا البكاء والنحيب».
وحسب تقديرات كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة وكندا في موسكو فلاديمير فاسيليف، فإن «كل المعلومات التي على أساسها اتخذ جو بايدن هذا القرار هي معلومات استخباراتية، تتعلق مباشرة بالتقارير الاستخباراتية للولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى، التي تراقب عن كثب الوضع حول أوكرانيا وبشكل مباشر في مناطق التماس على الحدود الأوكرانية /البيلاروسية والأوكرانية / الروسية. وبرأيه أن البيانات الواردة من أجهزة المخابرات الأمريكية متناقضة للغاية. وأن هذا التناقض في إشاراتهم يخلق شعوراً بعدم كفاءة أجهزة المخابرات. وقد تناولت الصحافة الأمريكية هذا الموضوع أكثر من مرة.
ويرى الخبير الذي كان يتحدث لصحيفة «موسكوفسكي كمسمولسك»: «أن آخر معلومات أجهزة المخابرات الأمريكية، تتوقع على ما يبدو بان الأيام المقبلة ستشهد حدوث تطور عنيف. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن مجلس الدوما سينظر في 14 شباط/فبراير في طلب عدد من الكتل النيابية من القيادة الروسية بالاعتراف رسميا بجهوريتي دونتسك ولوغانسك الانفصاليتين كدولتين أو كيانات مستقلة». وقال فلاديمير فاسيليف: «إن واشنطن تتفهم بأن الأطراف المعنية ستتخذ إجراءات ملموسة، حال اتخاذ أي قرارات بشأن هذه القضية، وستكون الإجراءات ليس فقط من الجانب الروسي، ولكن أيضا من الجانب الأوكراني، لأن كييف قادرة أيضا على الرد على هذا. وقد يكون رد الفعل دبلوماسيا. على سبيل المثال، قد تقطع أوكرانيا العلاقات الدبلوماسية مع روسيا. لكن يمكن أن تتخذ كييف أيضا خطوات أكثر حدة. وليس من قبيل المصادفة أن يقول العديد من المحللين الآن أن الدبلوماسية ستختفي تدريجياً، وستكون الأحداث قوية بشكل واضح.» والكلام لفاسيليف. ويتابع الخبير السياسي بالقول: «إن الإدارة الأمريكية، وهي إذ تتذكر الخروج العشوائي من أفغانستان، تتخوف من التعرض لاتهامات عندما يجد المواطنون الأمريكيون الذين يعيشون في أوكرانيا أنفسهم في بلد يعاني من أعمال الشغب والنهب والنهب، وقطع طرق الإجلاء العادية». موضحا بأن المكون السياسي الداخلي لا غير يعتبر في الوقت الحاضر هو الأهم بالنسبة للإدارة الأمريكية، لا سيما على خلفية التراجع المستمر لشعبية جو بايدن والضغط الذي يتعرض له، وهذا هو العامل الرئيسي لخلفية تحرك واشنطن. ولخص الخبير رؤيته بأن «هناك تصور عن أن الوضع في أوكرانيا سيتغير بحدة في المستقبل القريب، أي أنها لن تغدو أزمة دبلوماسية بقدر ما ستتحول إلى أزمة سياسة خارجية خطيرة وواسعة النطاق، تذكرنا جدا بالأحداث التي وقعت حول كوبا في تشرين الأول/أكتوبر 1962.»

مكاسب بوتين

وعلى الرغم من اشتداد التصعيد، والنتائج المنتظرة فقد حقق الرئيس الرئيس فلاديمير بوتين في التصعيد الذي أثاره الغرب مع روسيا بحجة وجود خطط لديها لغزو أوكرانيا، عدة مكاسب كان يطمح لها منذ خطابة المشهور أمام مؤتمر الأمن العالمي في عام 2007 في ميونيخ، الذي أشار فيه من بين قضايا أخرى إلى تجاهل الغرب بإصرار لمصالح روسيا الأمنية. وانتقد فيه بشدة السياسة الخارجية للولايات المتحدة وفكرة النظام العالمي أحادي القطب، وعارض بشدة خطط توسيع حلف شمال الأطلسي ونشر منشآت الدفاع الصاروخي الأمريكية في أوروبا الشرقية. وتساءل بوتين عن سبب اقتراب الناتو ببنيته التحتية العسكرية من تخوم روسيا. وهذه القضية كما نرى، هي على رأس أجندة السياسة الخارجية اليوم. ولم يرد أحد حتى الآن على هذا السؤال.
ومن بين تلك المكاسب، إن بوتين وضع المقدمات لكسر العزلة التي حاولت قوى غربية فرضها ليس عليه وحسب، بل وعلى روسيا ومحاصرتها سياسيا واقتصاديا، إلى ذلك أعاد الرئيس الروسي الحيوية الى اتفاقية مينسك، التي تعتبر خريطة طريق مأمونة لتسوية النزاع في شرق أوكرانيا، وتسعى كييف للتنصل منها، وجعل الغرب يصغي بجدية إلى هموم روسيا الأمنية وضرورة أخذها بنظر الاعتبار، وكشف الستار عن عمق الانقسام الذي ينخر بين دول وقوى الاتحاد الأوروبي، سواء في الموقف من روسيا، وتحقيق مصالحها الوطنية ورؤيتها لبناء النظام الدولي المستقبلي. إن اشتداد المواجهة مع الغرب خلق مناخا مناسبا لتعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين، رغم لم تكتسب بشكل سافر، طابعا عسكريا.
في غضون ذلك فتح الغرب نوافذه مشرعة على روسيا، وتقاطرت وفود زعماء الغرب ودول الناتو على موسكو للقاء الرئيس بوتين، لتخفيف التصعيد وإيجاد الوسائل لتسوية الخلافات حصرا بالسبل الدبلوماسية. وقد مهدت هذه الزيارات لكسر العزلة على النسق الأعلى للقيادة الروسية التي نادى بها بعض زعماء الغرب ودول شرق أوروبا. وضمن هذا السياق حظيت زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون لموسكو وكييف بالأهمية، وتسابق المحللون السياسيون في وضع التأويلات لخلفيات ودوافع الزيارة والنتائج التي خرجت فيها. البعض وصفها بالمنعطف وآخرون قللوا من أهميتها. وأعطى البعض للزيارة بعدا جيوسياسيا همش القضية الأوكرانية. وذهبوا إلى أن ماكرون هدف من زيارته التي وصفها البعض بالمفاجئة إلى أن يأخذ الاتحاد الأوروبي، الذي باشرت فرنسا في رئاسته خلال هذا الشهر، زمام أمن القارة بيده، والحيلولة دون استئثار الولايات المتحدة الأمريكية به، وعرض على نظيره الروسي بعض الأفكار بهذا الصدد. ويربط آخرون الزيارة باقتراب الانتخابات الفرنسية، التي يعد ماكرون أحد المرشحين الرئيسيين فيها، وهو بحاجة الى تحقيق نجاح على ميدان الساحة الخارجية.